شهدت كنائس مصر الثلاث الإنجيلية والأرثوذكسية والكاثوليكية، 5 إجراءات تأمينية إضافية وصفت من مراقبين بأنها "مصيرية"، بالتزامن مع قرار كنسي بوقف رحلات ومؤتمرات كنيسة لدواعٍ أمنية طيلة الشهر الجاري خشية التهديدات الإرهابية.
وتضم الإجراءات الخمسة وفق تصريحات صحفية لمصادر أمنية، "تحديث البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة بالكنائس والأديرة، ووضع نقاط فرز بمحيطها، ووضع ضوابط تأمينة للرحلات والمؤتمرات الكنسية، وفتح خط ساخن لاتصالات مباشرة بين الكنائس مع مديريات الأمن، وبدء تدريبات أمنية فى مجالى الإطفاء والمفرقعات".
الإجراءات الأمنية الخمسة، وفق خبير أمني مصري، تحدتث إليه الأناضول عبر الهاتف، "سليمة من الناحية الفنية وتقلل المخاطر، إلا أنها تبدو ضمن سياسة إطفاء الحرائق المعنية بتهدئة أي أزمة تطرأ مؤقتا، دون أن يكون هناك خطة ذات نفس طويل لمواجهة أي تهديدات إرهابية محتملة مع تعدد أشكالها".
ويعتبرها ناشط ومفكر قبطيان، في حديثين منفصلين للأناضول، إجراءات "جيدة ومصيرية"، داعين لخطوات داعمة منها تجديد الفكر الديني وترسيخ التعايش والمواطنة.
ومصر تضم، وفق تقديرات كنسية، 15 مليون نسمة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ 93 مليونا، و2800 كنيسة على مستوى البلاد، وفق تقديرات غير رسمية.
تهديدات لا تنتهي
والأشهر الأخيرة كان مسيحيو مصر، تحت وطأة تهديدات شبه مستمرة واستهداف عنيف، أحدثها السبت 15 يوليو/ تموز الجاري حادث طعن لحارس كنيسة بارزة شمالي البلاد.
ومساء 19 يوليو/ تموز، علق البابا تواضروس بابا أقباط مصر، على حادث الطعن في خطبته الأسبوعية للأقباط قائلا: "يجب أن نكون منتبهين لأن العمل الإرهابي قد يقع في أي وقت، ولكن يد الله تحرس البشر وكل بيوت العبادة".
وشهدت كنيستان، شمالي مصر، عمليتين انتحاريتين تبناهما تنظيم داعش الإرهابي، خلفتا عشرات من الضحايا، وهو ما دفع الرئاسة المصرية لتطبيق قانون الطوارئ في مختلف أنحاء البلاد في أبريل / نيسان الماضي لمدة 3 أشهر تم تجديدها مؤخرا لمدة مماثلة.
وقبلها في ديسمبر/ كانون أول الماضي، تعرضت كنيسة البطرسية العريقة، الملاصقة للمقر الباباوي؛ شرقي القاهرة، لتفجير، مما أدى لمقتل وإصابة العشرات.
وفي 26 مايو/أيار الماضي، قُتل 29 شخصًا وأصيب 24 آخرون، في هجوم مسلح استهدف حافلة كانت تقل أقباطاً بمحافظة المنيا، وسط مصر، كانت باتجاهها لأحد الأديرة المسيحية، وأعلن "داعش" مسؤوليته عنه.
وفي 13 يوليو/ تموز الجاري، أعلنت الكنائس المصرية الثلاث، إيقاف الرحلات والمؤتمرات الكنسية حتى نهاية الشهر لـ "دواع أمنية".
وشهد مسيحيو مصر، حوادث متفرقة، خلال الشهور الماضية ما بين طعن وذبح و عمليات نزوح من العريش (شمال شرق) عقب قتل 7 منهم ما بين أواخر يناير/ كانون ثان وفبراير/ شباط الماضيين، وذلك بالتزامن مع تهديدات أطلقها تنظيم داعش لاستهداف مسيحيي مصر.
الإجراءات التأمينية الإضافية
عادة كانت المقار الكنسية بمصر تؤمن بأفراد شرطة وضباط خارج المقر الكنسي بخلاف حراسة إدارية من المسيحيين العاملين، ثم شهدت وضع بوابات إلكترونية، وجعل الحرم الكنسي آمنا بما لا يسمح لشخص أو سيارة بالانتظار فيه، وفق مصادر أمنية.
وتوضح المصادر الأمنية ذاتها في تصريحات صحفية، أنه تم اتخاذ 5 إجراءات إضافية مؤخرا تتمثل في أولا تحديث البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة بالكنائس والأديرة، وثانيا وضع نقاط فرز في محيط الكنائس بنحو 200 متر.
والإجراء الثالث وفق المصادر وضع ضوابط تأمينة للرحلات والمؤتمرات الكنسية كان أبرزها وقف مؤقت لها خلال الشهر الجاري بخلاف تشديد الحراسات مستقبلا، ورابعا فتح خط ساخن في الاتصالات بين المقار الكنسية مع مديريات الأمن في نطاق محافظاتها.
وخامسا: بدء تدريبات أمنية لأعضاء بالكنائس لتدريبهم فى مجالى الإطفاء والمفرقعات، دون أن يكون ذلك دور أمني أو ينقص من مسؤولية الجهات الأمنية.
وتشير المصادر إلى أن وزارة الداخلية شكلت فريقا أمنيا على أعلى مستوى لمتابعة الأوضاع، فضلا عن القيام بجولات من مسؤولي الأمن على الكنائس للمتابعة الدورية والتأكد على جاهزية الأفراد لأي طوارئ بهدف مواجهة لأي تهديدات إرهابية للكنائس والأقباط.
أهداف وراء الإجراءات
مواجهة التهديدات الإرهابية التي أشارت لها المصادر اتفقت عليها أيضا البيانات الكنسية الثلاثة الصادرة مؤخرا لمنع الرحلات هذا الشهر.
في هذا الإطار، يقول جمال أسعد المفكر القبطي، للأناضول، "هذه الإجراءات لاشك تقول إن هناك تهديدات إرهابية خاصة وقد تعددت بشكل علني ومتكرر ضد المسيحيين والكنائس".
ويضيف: "كان من الطبيعي بعد تكرار وتزايد العمليات الإرهابية من القاهرة للإسكندرية وطنطا (شمال) للمنيا وآحدثها حادث الطعن بكنيسة القديسين بالإسكندرية أن تأخذ الأجهزة الأمنية احتياطات جادة أكثر ومصيرية".
تقييم الإجراءات
ويستطرد أسعد مقيّما الإجراءات بقوله: "لن نستطيع الجزم أن أي إجراءات أمنية تقضي على العمليات الإرهابية، لكن نقبل بأي إجراءات أمنية متطورة ومضافة للخطط الأمنية الحالية والتقليدية، لمحاولة المواجهة لأن العمليات الارهابية تغيرت أشكالها من تفخيخ وتفجير ودهس وطعن ولا تستطيع المواجهة الأمنية الكاملة وهذا في العالم كله وليس مصر".
ويتفق معه مينا مجدي، منسق اتحاد شباب ماسبيرو (غير حكومي معني بقضايا المسيحيين بمصر)، قائلا للأناضول، إن "هذه الإجراءات جيدة لا مشكلة منها، خاصة وهي تأمينية وقتية (..) ولا نستطيع أن نلوم الدولة وهي تقوم بإجراءات حماية ولكن نشكرها وحتى لو مست بعض حريات المواطنين".
الحقوقي المصري، عزت غنيم، يأمل في حديث للأناضول، أن تشكل تلك الإجراءات حماية حقيقية للأقباط والكنائس، معربا عن قلقه أن تشكل قيودا على عبادات وشعائر المسيحيين.
وقلق غنيم، يبدده المفكر القبطي جمال أسعد، مؤكد أن "الصلاة قائمة والمنع حدث للأنشطة التي من الأولى أن تمارس في مؤسسات الدولة (في إشارة لمنع مؤقت للرحلات الكنسية)".
من وجهة نظر أمنية، يقول الرئيس السابق لقسم التحليل والتنبؤ في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، حسين حمودة ، للأناضول، أن "الإجراءات سليمة من الناحية الفنية وتقلل من حجم مخاطر ونجاح أية عملية إرهابية".
مستقبل الإجراءات
في استشرافه لمستقبل تلك الإجراءات، ينصح حمودة الأجهزة الأمنية بـ 3 محاور رئاسية لنجاح خطة تأمين الكنائس أو غيرها هي "الانتقال من سياسة إطفاء الحرائق للنفس الطويل، وتوسيع الخيال الأمني، وتخصيص فريق أمني مدرب ومساعدته بأدوات أكثر تطورا في هذه المواجهات".
ويوضح الخبير الأمني البارز، حسين حمودة، أن "الإجراءات يجب ألا تتبع سياسة إطفاء الحرائق بمعني ألا يقع تفجير في كنيسة فأقوم باتخاذ إجراء يقوّم هذا الإجراء ونكتفى، لأن الإرهاب يطور خططه وبالتالي لابد من سياسة نفس طويل تعد خططا متطورة لفترة طويلة تعى حجم الزخم الإرهابي المتزايد، ولا تكتفي فقط بشهرين متابعة ثم يبدأ التراخى ونفاجأ بعمليات إرهابية".
وينبه إلى المحور الثاني المتعلق بأهمية توسيع الخيال الأمنية، قائلا: "خيال الإرهابيين بتسع وبنك أهدافهم يتعدد، وبالتالي لابد أن يتسع خيال الخطط الأمنية واستخباراتها وتضع سيناريوهات محتملة مثلا طائرة بدون طيار تستهدف كنيسة، وعمليات ذئاب منفردة، وليس فقط يبقى الخيال الأمني تقليديا في سيناريو محدد هو انتحاري أو تفخيخي".
ويشير إلى محور ثالث يعتبره هاما في هذا الصدد وهو تشكيل فريق أمني مدرب مدعم بكل الأدوات المتطورة، قائلا: "التدريب ليس ضياعا للوقت، وهو مهم للغاية ويأتي معه تشكيل فرق أمنية متخصصة أكثر احترافية واستباقية بجانب دعمهم بكلاب بوليسية متطورة في كشف المتفجرات وتحديث كاميرات المراقبة باستمرار".
ومستشرفا المستقبل، يقول المفكر القبطي، جمال أسعد إن "مصر كلها مستهدفة وليس الأقباط فقط، والجوانب الأمنية لن تكون الحل الأمثل على مستوى العالم وليس مصر، ولذا أدعو لتجديد الفكر الديني وشيوع فكرة القبول بالآخر في الإعلام والتعليم والثقافة".
ويتفق معه الناشط مينا مجدي، قائلا "سؤال هل يتوقف الإرهاب بهذه الإجراءات مستقبلا صعب فلا ضمانة لأي شيء، ولكن عامة الإرهاب يتوقف عندما يتوقف منهج العنف والتكفير، ويغير المناخ العام لصالح المواطنة ونبذ التمييز وترسيخ خطاب التعايش".
+ There are no comments
Add yours