قفصة.. هي محافظة تقع في وسط تونس، يقوم النشاط الاقتصادي بصورة رئيسية فيها على استخراج الفوسفات. لكنها تبحث في إطار منطقة الحوض المنجمي عن الهروب من هذا اللون الواحد للاقتصاد، إلى التنوع، ومن ثم مضاعفة الاستثمارات.
وتعتمد قفصة في ذلك الهروب من اقتصاد النوع الواحد على ما تمتلكه من أراض زراعية خصبة، مؤهلة لاحتضان كافة أشكال الزراعة.
ويخضع استغلال الفوسفات التونسي لاحتكار الدولة التي عهدت به إلى شركة فوسفات قفصة، وهي مؤسسة عمومية أنشئت منذ الاحتلال الفرنسي سنة 1897 وتشغل 6837 عاملاً بحسب احصائيات يونيو/حزيران 2015.
وأدى التوسع في استخراج الفوسفات في المحافظة، إلى تراجع في مساحة الأراضي الزراعية ما يعني انهياراً في واحد من القطاعات الاقتصادية التي كان يمكن البناء عليها لتنافس صناعة الفوسفات في البلاد.
ويعد سهل “السقي” الممتد من محافظة توزر (جنوب) الى حدود محافظة قابس وقبلي مرورا بمحافظة قفصة (وسط)، من أهم المناطق الزراعية القابلة للاستغلال بشكل سنوي.
يقول عبد الرزاق سهيلي متقاعد من شركة فوسفات قفصة، أن السهل سمي “السقي” لأن هطول المطر لمرة واحدة في السنة، يكون بمقدور الفلاحين زرع أراضيهم وضمان إنتاجهم الزراعي.
ويقف منجي عكرمي ( 38 سنة) وهو أخصائي بيولوجيا من جامعة “ليون” الفرنسية، بالقرب من حافة بئر ويقول “عكس ما يتردد في المنطقة، فالماء موجود هنا، لدينا إمكانيات حفر واستغلال الآبار الفلاحية.. لكن الإرادة السياسية غائبة.. إضافة إلى تعطيلات إدارية كثيرة حالت دون تسوية المشاكل العقارية للأراضي الاشتراكية (مملوكة جماعياً لقبائل)”.
بينما يقول شوقي شرطاني، رئيس مجلس التصرف لقبيلة العكارمة -قوادر وشرطان- (مجالس منتخبة من سكان القبيلة مهمتها متابعة وتسيير الأراضي الاشتراكية وتمثيل القبيلة لدى الدولة)، للأناضول “بحكم استغلال شركة فوسفات قفصة لهذه الأراضي في استخراج الفوسفات، فإنها ساهمت في هذه المشكلة العقارية”.
ويقول أحد المهندسين الزراعيين بالمندوبية الجهوية للفلاحة بقفصة ورفض الكشف عن اسمه للأناضول ” تونس لم تدرك القيمة الاستراتيجية للفوسفات في ضمان الأمن الغذائي العالمي، باعتباره مادة أساسية للإنتاج الفلاحي من خلال المواد الحيوية التي تُستخرج منه، وتساعد على إعادة بناء التربة الزراعية، ولم ترسم استراتيجية بعيدة المدى من خلال برنامج تنموي صناعي، على غرار ما تتّبعه دول رئيسية في صناعة الفوسفات كالمغرب”.
ومنذ تأسيسها اقتصر دور شركة فوسفات قفصة، على تقديم خدمات اجتماعية بسيطة لفائدة بعض سكان الحوض المنجمي ولم تسع إلى خلق مشاريع تنموية يمكنها استقطاب آلاف العمال.
ويرجع فشل تنويع المشهد الاقتصادي بالمدن المنجمية للخروج من تبعية استخراج مادة الفسفات والصناعات المرتبطة به، إلى غياب إرادة سياسية حقيقة تنهض بالمناطق المنجمية خاصة والمناطق الداخلية عامة”، وفق علي كريمي، نقابي وناشط بالمجتمع المدني..
ومن جانبه تساءل مقدمًا حلولًا، الناشط علي كريمي ، “لماذا لم تستثمر شركة فوسفات قفصة في قطاع النسيج مثلاً، فمجموع عمال شركة فوسفات قفصة والمجمع الكيميائي يسمح بالاستثمار في ميدان النسيج حتى توفر الشركة الأزياء المهنية لعمال الشركة والمجمع”.
ويضيف كريمي أنّ “انخراط تونس في منظومة اقتصادية أساسها الانفتاح على اقتصاد السوق العالمية، جعل كل سياساتها التنموية المراهنة على الاستثمار الخاص وخاصة الأجنبي”.
واعتبر كريمي أنّ ” أصحاب رؤوس الأموال النافذين، كانوا يحولون دون تنويع الحياة الاقتصادية في المناجم، وورطت شركة فوسفات قفصة في خيارات أخرى وظفت مع الأسف خارج المدن المنجمية، فاكتفت الشركة تحت مسمى انفتاحها على المحيط بتقديم مساعدات غير منتجة ودون أي مردودية اقتصادية”.
“ويمكن للشركة الاستثمار في المجال البنكي عبر بعث مؤسسة بنكية تحتضن العاملين وتدعم المواطنين في المجال الفلاحي عبر تقديم قروض تساعدهم على انطلاقة مشاريعهم”، بحسب كريمي.
بينما يرى رمضان الصويد المدير العام لشركة فوسفات قفصة، أن “شركة فوسفات قفصة قانوناً هي شركة مختصة في استخراج الفوسفات، لكن لديها آليات أخرى لتنمية المشاريع”.
وتابع للأناضول “لدينا صندوق لإعادة هيكلة وتنمية منطقة الحوض المنجمي وهو مؤسسة ممولة تقريباً بشكل كلي من شركة فوسفات قفصة وصندوق الإفراق (صندوق لتشجيع باعثين على إنشاء مؤسسات اقتصادية)”.
جدير بالذكر، أنّ منطقة الحوض المنجمي تشهد توترات اجتماعية منذ 2008 على خلفية التشغيل في شركة فوسفات قفصة، وتتواصل الاحتجاجات بصفة متقطعة إلى حد الآن.
+ There are no comments
Add yours