في ولايته الرابعة.. سعد الحريري فوق صفيح ساخن

1 min read

كتب- أبوبكر أبوالمجد

يشهد لبنان منذ عام انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوق فاقمه انتشار فيروس كورونا المستجد، ثم انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الذي أوقع أكثر من 200 قتيل و6500 جريح.

ومؤخرًا.. انتهت الاستشارات النيابية الملزمة بالقصر الجمهوري في لبنان بخروج المرشح الوحيد سعد الحريري رئيسًا مكلفًا لتشكيل الحكومة بـ 65 صوتًا، مقابل 53 نائبًا امتنعوا عن تسميته، في حين تغيّب نائبان عن الاستشارات.

وكلف الرئيس اللبناني ميشال عون، الحريري بتشكيل حكومة جديدة بعد حصوله على غالبية أصوات النواب، وفي حال نجح في مهمته ستكون المرة الرابعة التي يرأس فيها الحكومة اللبنانية.

واستقالت حكومة الحريري الثالثة في الـ29 من اكتوبر 2019 بعد نحو أسبوعين على احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية كاملة التي تحكم البلاد منذ عقود والتي تُحمّل مسؤولية التدهور الاقتصادي والمعيشي بسبب تفشي الفساد والصفقات والإهمال واستغلال النفوذ.

وفشلت القوى السياسية اللبنانية الشهر الماضي في ترجمة تعهد قطعته أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل حكومة في مهلة أسبوعين وفق خارطة طريق فرنسية نصت على تشكيل حكومة “بمهمة محددة” تنكب على اجراء اصلاحات ملحة للحصول على دعم المجتمع الدولي.

وبعد اعتذار السفير مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة نتيجة الانقسامات السياسية، منح ماكرون في 27 سبتمبر القوى السياسية مهلة جديدة من “أربعة إلى ستة أسابيع” لتشكيل حكومة، متهمًا الطبقة السياسية التي فشلت في تسهيل التأليف بـ”خيانة جماعية”.

أصوات برلمانية

واستطاع سعد الحريري أن ينال التكليف بأصوات الكتل النيابية التابعة لكل من تيار المستقبل، وكتلة الوسط برئاسة نجيب ميقاتي، وحركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وكذلك تيار المردة، والحزب القومي السوري الاجتماعي، وحزب الطشناق الأرمني مع مستقلين آخرين، في حين امتنع عن تسميته حزب الله وكل من التكتلين المسيحيين الكبيرين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وآخرين أيضًا.

أول تصريحاته

وصل الحريري إلى القصر الرئاسي في بعبدا في بيروت للقاء رئيس الجمهورية، وقال للصحفيين إنه عازم على وقف الانهيار وإعادة إعمار ما دمره انفجار مرفأ بيروت، وفيما تعهد بتشكيل الحكومة بسرعة، أكد انها ستكون حكومة “اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات” وفق المبادرة الفرنسية، والعمل على إعادة إعمار ما دمره انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، واصفًا إياها بحكومة “الفرصة الأخيرة” للبنان.

بين التكليف والتأليف

بالانتقال من التكليف إلى التأليف، يتوقع مراقبون اشتداد المعركة السياسية، في ظل الخلاف القائم بين الحريري من جهة وجبران باسيل من جهة أخرى، وقد ترافقت مع تباينات بين الحلفاء التقليديين أنفسهم، وخلط جديد لأوراق التفاهمات القائمة.

ويشير أمين سر المكتب السياسي في “تيار المستقبل” فادي سعد أن مهمة الحريري تنطوي تحت مظلة المبادرة الفرنسية، وهي بتشكيل حكومة “مهمة” لوقت محدد تتألف من الاختصاصيين دون مشاركة سياسية حزبية، لتولي تنفيذ الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، مما يعني أنها حكومة لا تحتمل جو المناكفات السياسية، وعدم عقد الحريري لاتفاقات جانبية مع أي طرف سياسي على حساب مضمون المبادرة الفرنسية.

وثمّة مساعي دائرة لتقريب المسافات بين الحريري وباسيل بدأت تتكثف قبل موعد لقائهما، ويتولاها حزب الله في الطليعة، ورئيس البرلمان نبيه بري ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي.

لكن عضو المكتب السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر، يشير إلى أن باسيل لم يحسم أمره بعد في التوجه للقاء الحريري، بحسب الجزيرة نت، وأن المشكلة مع الحريري ليست شخصية، وإنما مبنية على التجربة السابقة معه، كزعيم لطائفة وحزب سياسي غير مخول لتشكيل حكومة من الاختصاصيين، ولم يسبق أن نجح كشخصية منتجة ومتعاونة في تنفيذ الإصلاحات التي سبق أن طرحها فريق باسيل السياسي.

حلف التسعينيات

يذكّر الأشقر بأن فريق باسيل السياسي ينتبه جيدًا إلى تفاهمات بدأت تنضج بين حزب الله وحركة أمل والاشتراكي والحريري.

وقال “إذا توافق الحريري كممثل للتكتل السني مع الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط كممثل للدروز على تشكيل الحكومة، ينتقل لبنان إلى حلف سياسي جديد شبيه بالحلف الذي دام في التسعينيات حتى عام 2005 بين رفيق الحريري وبري ومن خلفه، حزب الله وجنبلاط”.

ويرى الأشقر أن التقاطع الحالي بين الطوائف الإسلامية في عملية تشكيل الحكومة، يتحقق على حساب إقصاء المسيحيين وأخذ دورهم في تسمية وزرائهم، ما يعني ضربًا للميثاقية الوطنية.

أما السيناريو الذي يخشى منه باسيل، وفق الأشقر، فهو أن يرمي الحريري مسؤولية العرقلة على عون في حال لم يوقع على تشكيلته التي تقصي الكتل المسيحية، “بينما الأزمة يتحملها الحريري نفسه مع حلفائه الجدد”، على حد قوله.

وعن الخشية من ضغط فرنسي وخارجي على الرئيس عون وباسيل، يعتبر الأشقر أن فريقه السياسي يرفض أن يكون مجرد شاهد زور، ويُذكّر بمقولة عون “يستطيع العالم أن يسحقني لكنه لا يستطيع أخذ توقيعي”، وأضاف الأشقر أن التيار يخوض معركة وجود، إما أن يربحها وإما أن يخسرها ولا وسط بينهما.

الحريري فوق صفيح ساخن

سيكون الحريري فوق صفيح ساخن، وسيواجه العديد من العقبات، منها:

رئيس الجمهورية، وهو ما ظهر جليًا في خطابه عشية التكليف، وبحكم موقع عون الدستوري لن يوقع على تشكيلة لا ترضيه.

ومن الصعب على الحريري تجاهل أكبر تكتلين مسيحيين -“التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”- في تشكيلته الحكومية، ما سيجبره لاحقا إلى البحث عن تسوية معهما.

كما لن يدعَ الثنائي الشيعي الحريري حرًا في عملية تأليف الحكومة، من دون تقديم ضمانات كافية لهواجسهم الداخلية والخارجية.

وسيبدأ باسيل معركته لرئاسة الجمهورية، لأن المجلس النيابي المقبل هو المخول بإجراء الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن عون يخوض في وجه الحريري معركة الحفاظ على صورة العهد ومعركة باسيل الرئاسية.

إن الفرنسيين لن يضعوا كامل ثقلهم بالحريري، وستبقى قنواتهم مفتوحة مع مختلف القوى من أجل مصالحهم، وهو ما قد يربك الحريري في مهمته.

وعقبة أخرى ستكون صندوق النقد الدولي وما يمثله من ثقل سياسي أمريكي، ولا سيما أن لا مجال للبنان إلا بالذهاب إليه.

فستكون شروط صندوق النقد الدولي قاسية على لبنان، على مستوى رفع الدعم عن السلع الأولية والإجراءات الجنائية والقضائية والاقتصادية، وستخفي حكمًا مطالب سياسية ترتبط بملفات ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، والمعابر غير الشرعية وصولا إلى ملف أسلحة حزب الله.

ولذا يتوقع دخول الحريري في مواجهة مباشرة مع الشارع اللبناني ومدى القدرة على إقناعه وجعله يتحمل القرارات الاقتصادية والسياسية المزمع اتخاذها.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours