يقبل التونسيون من سكان الواحات، جنوبي البلاد، بشكل لافت على تناول عصير “اللاقمي”، الذي يستخرج من جذوع أشجار النخيل، مع حلول موسم الصيام، الذي تزامن مع انطلاق فصل الصيف.
ولا يكاد هذا الشراب يغيب عن طاولة إفطار أو سحور سكان الواحات، حيث تكثر واحات النخيل؛ نظرا لفوائده الصحية، وقدرته على إطفاء ظمأ الصائمين في الشهر المبارك.
و”اللاقمي” هو سائل يميل لونه إلى الأصفر، ومذاقه كالتمر المحلى بالسكر.
وتمتد فترة الصيام في أغلب مناطق تونس نحو 17 ساعة (من الـ 3: 00 فجرا (2: 00 تغ) إلى الساعة 19: 45 (16: 45 تغ)، وتشتد الحرارة أكثر في مناطق الواحات.
وبصفة خاصة، تُعرف محافظة قابس، جنوب شرقي البلاد، باستخراج هذا العصير؛ نظرا لتوسع غابات النخيل فيها.
وداخل إحدى غابات مدينة مارث، بمحافظة قابس، التقت “الأناضول” عبد العزيز الصويعي (38 سنة)، الذي يشتغل منذ ما يزيد عن 15 عاما كـ”لقّام” (الشخص الذي يقوم باستخراج عصير اللاقمي) بعد أن توارث المهنة عن أبيه.
ويمارس الصويعي كغيره من العشرات الآخرين في مدينة مارث هذه المهنة التي تعتبر الأشهر في المنطقة.
وتمر عملية استخراج “اللاقمي” بالعديد من المراحل، يشرحها الرجل في حديثه مع “الأناضول”.
يقول: “أول ما أقوم به عند استخراج اللاقمي، بعد تنظيف النخلة من الشوك المحاط بها، هو تسلقها، والقيام بحك قلبها حتى يظهر ما يسمى بـ (الجُمّار) وهو قلب النخلة”.
وأضاف: “المرحلة الثانية، وهي الأهم، تتمثل في (الحجامة)، وفيها يتم نزع القليل من أجزاء الجُمّار، ثم حفر حوض صغير فيه، لتظهر قطرات ستتحول في ما بعد إلى شراب اللاقمي، بعد أن يتم تجميعها وسط وعاء عبر نقلها بواسطة أنبوب بلاستيكي صغير، وكل نخلة بإمكانها استخراج ما يقارب عشرين لترا من اللاقمي مع كل عملية”.
وتستغرق عملية الحجامة بين 30 و45 دقيقة، في حين يستغرق تعبئة إناء كامل قرابة 12 ساعة، وفي السنة يمكن لكل نخلة انتاج ما بين 40 إلى 60 لترا من شراب اللاقمي.
ويتنوع مذاق اللاقمي حسب نوعية النخلة وطولها؛ فكلما زاد طولها كلما كان طعم الشراب المستخرج منها أفضل وألذ.
ويوضح الصويعي الأمر قائلا: “من بين أحسن أنواع اللاقمي هو المستخرج من نخل (الكركوري) و(البهت) و(العماري) و(العنابي)، وهذه من أجود أنواع النخيل في تونس”.
مباشرة بعد استخراج “اللاقمي”، يتم صب الشراب في أوانٍ فخارية، ثم تصفيته باستعمال قطعة قماش نظيفة، ثم تخزينه في مكان بارد دون أن يُضاف اليه أي مكون آخر، قبيل نقله إلى الأسواق، للبيع داخل أوانٍ فخارية أخرى معدة للغرض.
ويتراوح سعر اللتر الواحد من “اللاقمي” بين دينارين إلى دينارين ونصف (أقل أو أكثر قليلا من دولار) في الأيام العادية، في حين يرتفع سعره إلى أكثر من ثلاثة دنانير (دولار ونصف تقريبا) مع قدوم رمضان أو في فصل الصيف حين ترتفع درجات الحرارة؛ حيث يزداد الطلب على هذا العصير لفوائده الصحية العديدة.
من جهته، قال حسني رجب، أحد مواطني مارث، لـ”الأناضول”: “هنا في جهتنا (منطقتنا) لا يمكن أن تغيب قارورة اللاقمي عن مائدة أي عائلة، خاصة في شهر رمضان عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة، ويُعتبر هذا الشراب لدى بعض العائلات من الوجبات الرئيسية؛ لما له من فوائد صحية”.
وبحسب المختص في التغذية، منير بوستة، فإن شراب اللاقمي يحتوي على الكثير من الأملاح والمعادن والفيتامنيات، ويساهم في تنظيف المعدة والمجاري البولية.
وفي حديثه مع “الأناضول”: دعا “بوستة” من يقوم باستخراج هذا الشراب إلى السعي لنظافة منتوجهم في كامل مراحل استخراجه وتجهيزه بشكل لا يسمح بانتقال الجراثيم إليه.
وقال: “يجب على اللقامة الحرص على تغطية قلب النخلة في أولى المراحل حتى لا تستقر عليها الحشرات، ثم الحرص على نظافة الأوعية التي تستعمل لخزن اللاقمي لضمان سلامة كل من يتناول هذا العصير”.
ووفق المركز الفني للتمور (حكومي)، تبلغ مساحة الواحات في تونس 40.5 الف هكتار، مزروع فيها 5.4 مليون نخلة.
وينشط في فلاحة النخيل 60 ألف مزارع في أربع محافظات جنوبي تونس هي: “قبلي” و”توزر” و”قابس” و”قفصة”، حسب بيانات المركز ذاته.
+ There are no comments
Add yours