“طابا” تشكو هجر زوارها والعمال يحتضرون اقتصاديا

1 min read

>> طابا ونويبع ورأس شيطان.. ملاذات للشواذ والجنس الحرام
>> فرد أمن: نود عودة نظام الإجازات القديم ومنحنا الـ10% زيادة سنوية
>> شبكات المحمول فى طابا خارج نطاق التغطية المصرية
>> "نخل".. شرك داعش لصيد المسيحيين والقضاة وأفراد الجيش والشرطة 

 

شريف المصرى

كان المصريون حكومة وإعلاما وشعبا يحتفون في 19 مارس من كل عام بعودة كامل التراب الوطني ويرددون مع الفنانة المعتزلة "شادية" سيناء رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد.

فبعد انتهاء حرب العزة والكرامة في العاشر من رمضان، بدأت حرب شرسة من المفاوضات لأجل استرداد مدينة مصرية صغيرة بمحافظة جنوب سيناء تقع على الجزء الشمالي من خليج العقبة اسمها "طابا"، وهي آخر جزء من سيناء، حتى تمكن المصريون من رفع العلم فوقها عام 1989.
وتعتبر "طابا" إحدى أجمل المدن المصرية السياحية على الإطلاق،  ويتوافد عليها أعداد كبيرة من السياح من جميع أنحاء العالم.


يوجد بها حوالي 10 فنادق، ويعمل بها حوالي 1804 أفراد ما بين مصريين وجنسيات أخرى، وتبلغ مساحة مدينة طابا حوالي 508.8 فدان.
تمثل المدينة قيمة تاريخية واستراتيجية كبيرة بسبب موقعها المتميز الذي يشرف على حدود 4 دول هي مصر، والسعودية، والأردن، وإسرائيل، وتبعد عن ميناء إيلات الإسرائيلي نحو 7 كم شرقاً، وتقع في مواجهة الحدود السعودية في اتجاه مباشر لقاعدة تبوك العسكرية، وتعد آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة في مقابلة الميناء البحري الوحيد للأردن وهو ميناء العقبة.


يغلف شريط طابا الساحلي الجبال، وتعد هي  الأكثر جمالا على مستوى شبة جزيرة سيناء، حيث تحتضن عددًا من الخلجان والبحيرات و مضيق وجزيرة.
وإذا كان الإعلام المصري والحكومة تجاهلوا هذا اليوم نسيانا أو جهلا أو عمدًا، فإننا لم ننس وآثرنا زيارة هذه البقعة الغالية من تراب مصر لنضع تفاصيل رحيقها بين يدي المواطن المصري ليستعيد ذكريات العزة.


مفاجأة 
هل أنت مسيحي؟ سؤال صادم وجهه لي سائق أتويس شرق الدلتا،  وحذرني مساعدة من السفر إلى طابا إذا كنت مسيحيًا، وعند سؤالي عن السبب، أجاب أن السفر إلى طابا سهل في الذهاب؛ لكن العودة منها إلى القاهرة يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، وربما أخسر حياتي، وأوضح لي المساعد، أن طريق طابا-القاهرة يمر بطريق "نخل" وهو طريق ضيق مليء بالجبال والممرات الضيقة والذى هاجمة الإرهابيون الهاربون من جبل الحلال قبل ذلك وقاموا بعمليات قتل كان ضحايا آخرها إثنين من أمناء الشرطة أوقفتهما داعش وقتلتهما على هذا الطريق الوعر.


لكننا لم نعبأ بتلك التحذيرات حبًا فى الأرض وروح المغامرة، لتبدأ بعدها رحلتنا إلى مدينة طابا الغالية.
وبالفعل ركبنا الباص لنجده خاوياً من الركاب، حيث كانت حمولته أكثر من 50 راكبًا؛ بينما ركابه الموجودين لا يتعدون أصابع اليدين، وبدأت الرحلة وتحرك الأتوبيس نحو طابا؛ ولكن في الطريق كشفوا لنا سراً آخر!


منحدرات لهواة المغامرة 
يكمن السر في رؤيتك لطرق منحدرة لم نعهدها في مصر، ولم نرها ربما سوى مؤخرا في المسلسلات التركية، وبعض الأفلام الأمريكية، وفي الماضي بأفلام مصر التي كانت تصور بلبنان.
طرق منحدرة ومنحنية تأخذ شكل طريق قطار الموت بمدينة الملاهي لكونه شق وسط جبال البحر الأحمر، قد يراه البعض ممتعًا؛ لكنه مخيف ومزعج لآخرين.


ليس الطريق وحده هو العقبة التى ستقابلك عند الذهاب لـ"طابا"؛ ولكن أيضاً كثرة الأكمنة الأمنية وعمليات التفتيش التى تتم،  وهو الأمر الذي سيصيبك باليأس والإحباط؛ ولكن ستنسى ذلك سريعًا بمجرد النظر إلى الطريق بجانبك، حيث البحر والجبال والجمال الذى سيسحرك ويبهرك بمناظر لم ترها من قبل.
  ولكن أمرًا آخر ربما يزعجك وهو كثرة الفنادق المغلقة والكامبات التي هجرها السياح وجميع المقيمين فيها، وكأنك تمر على طريق أصيب بلعنة الموت على جانبيه، ففقد كل معانى الحياة!


شواطىء ساحرة بدون سائحين.. وفنادق فاخرة بلا مقيمين.. وكامبات بسيطة هجرها أصحابها هذا الوضع لن تخطئه عيناك منذ خروجك من مدينة دهب حتى تقابلك أول استراحة على الطريق وهى مدينة "نويبع" المدينة المعروفة تجاريًا وسياحيًا فى سيناء بما تحتويه من ميناء ضخم للحاويات؛ ولكنك ستندهش من خلو المدينة من السكان!


بعد خروجك من نويبع  ستقابلك قلعة صلاح الدين القائمة على جزيرة مرجانية وسط البحر، وتطل على 3 دول حدودية  وخليج فيرود باي، الذي تتدفق مياهه وسط الجبال الشاهقة، وغيرها من أماكن خلابة يأسرك روعة خلقها.


وعلى الرغم من موقعها المتميز، وبنائها الفريد، إلا أنها غير مؤهلة سياحيًا، فقلعة صلاح الدين على الرغم من أنها تبعد أمتارًا قليلة، غير أنه  لا يوجد وسيلة تنقلك إليها غير السباحة، وهي ممنوعة في هذه المنطقة.
الآن وصلت رحلتا إلى المدينة التى يعشقها المصريون والمحفورة في قلوبهم وأذهانهم.

عند دخولنا طابا وحين وطأت قدمانا أرضها تحول هاتفي فورًا إلى تجوال  وتبدأ في تلقي رسائل الترحيب من الدول المحيطة، وستحاسب بأغلى من ثمن المكالمة العادية أضعاف أضعاف، وهو ما يشعرك بالعزلة والاستياء بسبب عدم قدرتك على التواصل مع ذويك وأصدقائك.
الحياة هنا لا تختلف كثيرًا عن كل مدن الجنوب كشرم الشيخ ودهب؛ ولكن الوضع أصعب بكثير لقربها الشديد من حدود إسرائيل، فالطبيعة الأمنية طاغية على المدينة، ولكن طابا تستحق العناء.


حتى تستمتع
إذا أردت الاستمتاع بجمالها متجاهلا كل التشديدات الأمنية، فلزاما أن تستعد لبعض المصاعب خاصة إذا قررت زيارة قلعة صلاح الدين، أو إحدى المحميات الطبيعية، فالمكان ليس به أي كافيتيريا لتناول العصائر أو أية مشروبات كذلك لا توجد محلات تجارية،  أو حتى دورات مياه عمومية، أو أي نوع من الخدمات.


سترى هذا الوضع  في محيط القلعة العتيقة والتى لن تجد أى وسيلة لتذهب إلى  داخلها سوى السباحة وهو الأمر الذي سيجعلك تصاب بالإحباط سريعاً  وتترك هذا المشهد الخلاب وتمضي كما سبق وذكرنا.
نفس الصعوبات تتكرر عند زيارتك لخليج فيورد باي؛ بل أكثر من صعب، فمن المفترض أن مياه الخليج من أنقى مياه السباحة في العالم، غير أن المنطقة نائية وبعيدة عن أي خدمات، ما يجعل أقصى طموحاتك هي التقاط صورة وعدم البقاء لوقت طويل. 


لكن ما وددنا أن يعرفه المصريون، أنه مهما شطح خيالهم في تصور الوضع السياحي المأساوي لهذه المدينة الساحرة، فإن الواقع أكثر سوءًا.
فالمدينة باتت شبه خالية من أي حراك سياحي.. موقف الأتوبيسات لم نجد بع غير أربع سيارات فقط داخله، ولا توجد أى مظاهر للسياحة.
المدينة بدون سائحين والقليل ممن ستقابلهم إما أحد أفراد الأمن أو أحد الموظفين والقليل من العاملين فى المطاعم والمحال ممن ينتظرون أمل عودة السياحة ذات يوم.

 

عبدالله أحد أصحاب مطاعم المؤكولات فى مدينة طابا.. ذكر أن الحياة توقفت بعد الثورة وزاد الأمر تعقيدًا بعد سقوط الطائرة الروسية، وصار الأسوأ هو مايحدث على طريق نخل  من عمليات إرهابية.
وأضاف عبدالله، أنه على سبيل المثال تم قتل اثنان من أمناء الشرطة الأيام الماضية، ومنذ فترة تم توقيف سيارة تحمل حوالى 14 ضابط شرطة مسلحين وتم سرقتهم وسرقة أسلحتهم، لذلك نطالب الدولة بزيادة تأمين طريق طابا القاهرة المار بطريق نخل حتى تعود السياحة الداخلية إلى طابا، فهي قبلة الحياة لنا بعد اختفاء السياحة الخارجية بتحذيرات من إسرائيل.


وحول الوضع الآن فى طابا أكد صاحبنا، أنه سيء.. فأنا صاحب المحل ومع ذلك أعمل بيدي.. كنت فى السابق اكتفي بمتابعة سير العمل.. وكان يعمل معي أكثر من 10 أفراد، أما الآن لايعمل معي سوى 4 فقط نظراً للحالة التى تمر بها طابا الآن والسياحة المصرية بوجه عام.
نحن متواجدون فى طابا.. نعيش على البيع لعمال الفنادق  وتجهيز الوجبات للعاملين.. وكنا فى السابق نعمل ليل نهار وكان زبائننا بالمئات.. ولكن الحال تغير كما ترى، وفي ظل الوضع الأمني الصعب لا استطيع الذهاب بمعداتي إذا تعطلت كي أصلحها في القاهرة وعلى سبيل المثال المتوسيكل الخاص بالدليفرى عندما تعطل ذهبت لإصلاحة خارج طابا ولكني لم أستطع إعادته مرة أخرى والأمن منع دخوله.


أسعار السلع 

قال هاني.. أحد العاملين بطابا.. إن أسعار السلع هنا لاتختلف عن القاهره ولكن أغلبها مجمد لبعدها عن القاهرة؛ ولكن هنا الأمر الصعب هو حالة رغيف الخبز السيئة وسعره الذي قارب على الجنيه.

ملاذات للشواذ

على الجانب الآخر قال أحد ضباط الأمن والذى رفض ذكر اسمة: إن طابا ونويبع ورأس شيطان صارت مدنًا مفضلة لممارسة الجنس الحرام عند المصريين، حيث يستغل الشباب المراهق أن تلك المدن سياحية ولها طابع خاص ليأتى إلى هنا من أجل ممارسة الشذوذ والزنا، ورأيت الكثير من تلك الحالات منتشرة بين أغلب الزائرين الشباب من المصريين.


فهم يأتون إلى هنا بلا عقود زواج ويمارسون مايحلوا لهم ولا نستطيع إيقافهم ولكننا نوبخهم ونطالبهم بالحفاظ على الهوية المصرية وممارسة السياحة بشكل لائق وعدم الخروج عن المألوف لدى الشعب المصري؛  ولكني أيضاً أريد أن أوصل رسالة من خلالكم إلى سلطات الدولة.. ارحموا قوات الأمن فى الجنوب وأعطونا حقوقنا فى الـ10% سنويًا، والتي توقفت منذ العام الماضي.. ارحمونا وأعيدوا نظام الإجازات الماضي.. ففي السابق كنت أعمل 15 يوماً بعيدًا عن منزلي وأعود 15 يومًا إجازة ولكن الحال تغير والآن أعمل 20 يومًا وأعود إلى منزلي 10 أيام، ومع ذلك لانعترض؛ ولكننا نطالب بالاهتمام بنا ومراعاة حقوقنا فى الحياة الكريمة مع حالة الغلاء التى تشهدها البلاد.

 

وهنا انتهت رحلتنا لكن بمفاجأة أخرى.. فعند وصولنا من طابا إلى القاهرة تفاجأنا بطلب البطاقة قبل حجز التذكرة وعند سؤالنا عن السبب قال ناظر المحطة، إن هناك قرار يمنع سفر ضباط الجيش والشرطة والقضاة والمسيحيين على طريق طابا القاهرة مرورًا بطريق نخل، وإن من يريد من هؤلاء العودة عليهم السفر إلى شرم الشيخ ثم العودة إلى القاهرة وذلك لأسباب أمنية وحفاظاً على سلامتهم.
دامت مصر آمنة وكامل ترابها تحت سيطرتها ورغم كل السلبيات والعوائق كانت رحلتي إلى طابا الغالية محل فخر وسعادة، وأتمنى على كل مصري زيارتها.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours