صفقة القرن بين الرفض المعلن والحسابات الخفية

1 min read

أبوبكر أبوالمجد

لم يكن العرب يومًا على استعداد للتضحية بشبر من أراضي فلسطين المحتلة؛ ولكن مع كر السنين تغيرت المواقف، وبدلًا من عدم التفريط في شبر من الأرض المحتلة، بات البحث جاريًا دومًا عن وسطاء يمكنوا العرب والفلسطينين من أي شبر من أرض فلسطين المحتلة!

لعل هذا ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي لم يتبق له غير أشهر في البيت الأبيض، بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، يتجرآن على الإعلان عن مقترح أو طرح غريب وشاذ للسلام، والذي عرف إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، دونما اكتراث بالأمم المتحدة أو الرباعية الدولية أو القرارات المتخذة، والاتفاقات المبرمة، أو حتى الدول العربية أو الإسلامية.

وبالرغم من الرفض الفلسطيني، إلا أن ترامب يبدو متفائلاً من أنه سيحصل على موافقة الفلسطينيين على خطته في النهاية، ويبدو أنه يعول في ذلك على “عدة دول عربية”.

لكن اليوم السبت، وبالإجماع، أقر وزراء خارجية الدول العربية رفض خطة السلام الأمريكية الجديدة، والمعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”، بحسب ما أكد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط.

فهل هناك دولًا ترفض هذه الخطة في العلن وتوافق عليها في الخفاء؟ وهل لدول عربية حسابات خاصة ومكاسب من وراء دعمها لهذه الصفقة؟

خطة أم صفقة

عكفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ 2017 على إعداد خطة للسلام في الشرق الأوسط بهدف إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، على أن يتم تقديمها رسمياً مطلع 2018، وتم تأجيل ذلك عدة مرات، ووفقًا لشبكة فوكس نيوز، تتضمن وثيقة مشروع السلام الأمريكي ما بين 175 و200 صفحة، ويتم تداول الكثير من مضامينها إعلاميًا ولدى بعض الأطراف المعنية على شكل تسريبات، ومؤخرًا ظهر للإعلام بعض تفاصيلها.

لكن ما أثير حول الصفقة حتى الآن يجعل الكثيرون يتساءلون.. أهي خطة للسلام أم تصفية للقضية برمتها؟

ويمكن تلخيص أهم ما تتضمنه الصفقة التجارية المسماه بالخطة الأمريكية للسلام، في حلّ القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وستقوم مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها، وسيتمّ الاتفاق على حجم الأراضي وثمنها.
كما سيتم إنشاء جسر معلق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة.

بعد عام من الاتفاق تجرى انتخابات ديمقراطية لحكومة فلسطين وسيكون بإمكان كلّ مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات.
وسيتمّ فرض عقوبات على جميع الأطراف الرافضة للصفقة بما في ذلك إسرائيل.

وتختلف هذه الخطة عن كلّ الخطط الماضية التي بدأت بالجانب السياسي ثم أتبعها الجانب الاقتصادي مثل كامب ديفيد أو أوسلو ولكن صفقة القرن ستبدأ بالإغراء الاقتصادي لإسالة لعاب النفعيين من العرب.

والصفقة لا تحتوي حلّ الدولتين؛ ولكن دولة واحدة هي إسرائيل، مع إعطاء حكم ذاتي مطوّر للفلسطينيين في مناطق لا قيمة لها لا جغرافيًا ولا استراتيجيًا، بحيث تأخذ إسرائيل كلّ شيء عدا غزة التي لا تريدها أصلاً، فلا تشمل صفقة ترامب على أي انسحاب إسرائيلي إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، أو أي عودة للاجئين المقارب عددهم 6 ملايين تحصل الدول الحاضنة لهم على تعويضات مقابلها.

سر ثقة ترامب

أشرنا في بدء التقرير، كيف عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله بالحصول على موافقة العرب في النهاية على خطته.

هذا التفاؤل أثارتساؤلات حول الدول العربية التي تدعم صفقة القرن، على الرغم من إجماع التصريحات العربية على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية
لكن بالعودة إلى 25-26 يونيو الماضي، حيث ورشة المنامة الاقتصادية لصفقة القرن، حيث شاركت السعودية والإمارات ومصر والأردن وقطر والمغرب، إلى جانب البحرين فيها.
فهل تقف هذه الدول حقًا مع الصفقة؟

الرد العربي

جاء اليوم السبت، الرد العربي على صفقة ترامب وبالإجماع، حيث أقر وزراء خارجية الدول العربية رفض خطة السلام الأمريكية الجديدة، بحسب ما أكد الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط.

ونص القرار أيضًا على عدم التعاطي مع هذه الصفقة المجحفة، أو التعاون مع الإدارة الأمريكية في تنفيذها.

وأكد أن مبادرة السلام العربية، كما أقرت نصوصها عام 2002، هي الحد الأدنى المقبول عربيا لتحقيق السلام، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية العربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

وشدد على أهمية العمل مع القوى الدولية المؤثرة والمحبة للسلام، لاتخاذ الإجراءات المناسبة إزاء أي خطة من شأنها أن تجحغ بحقوق الشعب الفلسطيني ومرجعيات عملية السلام.

ومن جانبه أشاد وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، بالقرار العربي، واصفا إياه بـ”الشامل والكامل ويغطي الجوانب التي يحتاج إليها الفلسطينيون”.

وأضاف أن القرار العربي يؤسس لتحرك دبلوماسي فلسطيني أوسع نطاقا في منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي لرفض الصفقة الأمريكية.

وقال إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتحدث أمام مجلس الأمن الدولي في 11 فبراير الجاري بشأن الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

وينص القرار العربي على رفض خطة السلام الأمريكية الجديدة، لكونها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني.

بين المعلن والخفي

بحسب الكاتب الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان، لدويتشه فيله، فإن الدول العربية من حيث مواقفها من “صفقة القرن” نوعين: “هناك عرب يقومون بالتطبيع مع إسرائيل ويعتمدون بشكل مباشر على الحماية الأمريكية، وهؤلاء سيرضخون للإملاءات الأمريكية”، ويضيف: “في المقابل هناك عرب، وهؤلاء هم الأغلبية، يرفضون الصفقة”.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن كلاً من مصر والأردن والمغرب أمام قرار “تاريخي” وخيارات “صعبة”، ويتابع: “استقرار الأنظمة في هذه الدول سيكون مهدداً في حال وافقت على صفقة القرن، فالشعب المصري يرفض الصفقة والشارع الأردني يطالب بإلغاء التطبيع وفي المغرب هناك حركة نشطة ضد التطبيع”.

لكن الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د. بشير عبدالفتاح يرى أن هناك رفض عربي “واضح” للصفقة، ويقول في حديث لـDWعربية: “الدول العربية جميعها أعلنت أنها لن تقبل بحل لا يتضمن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”، ويتابع: “ربما هناك خطاب آخر يسمعه ترامب من بعض هذه الدول ولكن الواضح هو أن هناك رفض لهذه الصفقة، على الأقل حتى الآن”.

من جانبه يعتقد المحلل السياسي جهاد حرب أن المواقف الظاهرة لبعض الدول العربية تجاه “القضية الفلسطينية” و”صفقة القرن” تختلف عن مواقفها “الخفية”، ويضيف لـDWعربية: “لكن وبالرغم ذلك لا يمكننا الحكم على مواقف دول دون أن نسمع تصريحاً واضحاً منها”.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours