اعتلى الدور الإيراني في سوريا صدارة اهتمامات الكيان الصهيوني (إسرائيل)، واختفت مؤخرا تصريحات مسؤوليها، أو كادت، عن الخطر النووي الإيراني، في تحول مفاجئ للدبلوماسية الإسرائيلية، قد يتطور مع قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، هذا ما خلصت إليه دراسة أمريكية حديثة.
فبمجرد توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 14 يوليو/تموز عام 2015، حولت تل أبيب أنظارها نحو تحركات عناصر إيران وحزب الله على مقربة من الجولان السوري المحتل، مع تخصيص قدر لمواجهة الفلسطينيين، خصوصاً في الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي سيستمر في السنوات القادمة.
وبالرغم من استمرار وصف تل أبيب طهران بـ”التهديد”، وعدم استبعاد مواجهتها على المدى البعيد، وتنامي الوجود الإيراني في سوريا المجاورة، إلا أن ما خلصت إليه دراسة أصدرها مركز “راند” الأمريكي للأبحاث وتطوير السياسات، أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، يشير إلى عدم احتمال وقوع مواجهة قريبة بين الطرفين.
ارتياح وضمانات
اعتبرت الدراسة، بأن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، أنهى “التهديد” الأكبر لإسرائيل في المنطقة، وهو الأمر الذي أكدت عليه نخب أمنية إسرائيلية أثنت على الاتفاق النووي، بالرغم من شن تل أبيب حملة كبيرة عليه قبل توقيعه، تسببت بأزمة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما.
ومنذ انتقال المحادثات بين طهران والغرب إلى مرحلة أكثر جدية، بدأت النخبة الأمنية في تل أبيب بالتركيز على الملف السوري، بالرغم من استمرار الحراك الدبلوماسي الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو، لأشهر بعد ذلك، لتعطيل الاتفاق.
وبالرغم من وصف نتنياهو الاتفاق بـ”الخطأ التاريخي”، أثنت أوساط أمنية وعسكرية في تل أبيب على الاتفاق، مستبعدة قيام أي مواجهة عسكرية مع إيران، بالرغم من النشاط الإيراني المتنامي في سوريا، بل إن قائد أركان الجيش الإسرائيلي “غادي أيزنكوت” ذهب حد وصف توقيع الغرب الاتفاق النووي مع إيران بـ”لحظة تحول استراتيجية، جلبت فرصاً لإسرائيل”.
يشير الارتياح الإسرائيلي إلى وجود ضمانات ما قدمت لتل أبيب حول النشاط الإيراني في سوريا، فمن جهة تمتلك واشنطن ورقة “العقوبات”، ومن جهة أخرى تتواجد الحليفة الأخرى موسكو على الأرض بشكل فاعل في سوريا، الأمر الذي يدل عليه تصريحات لأكثر من مسؤول أمني إسرائيلي باستبعاد أي مواجهة مع إيران في الـ10-15 عاماً المقبلة.
من جانب آخر، فإن الصراع “الصفري” في سوريا، بحسب خبراء إسرائيليين، سيضعف من قوة حزب الله، المتورط فيه، والحليف الأقوى لطهران في المنطقة بعد انهيار النظام السوري فعلياً.
وهو الأمر الذي يتيح لتل أبيب فرصة الترقب واستجماع القوى قبل مواجهة أي خطر قد يأتي من الشمال، والذي إن جاء سيأتي ضعيفاً ومنهكاً بالتأكيد.
وتقترح الدراسة بأن التباين بين التعاطي الدبلوماسي والأمني في إسرائيل تجاه الاتفاق، سعى بالدرجة الأولى للضغط على واشنطن لزادة المساعدات المخصصة لتل أبيب، على اعتبار أن الأخطار المحدقة بها في المنطقة قد تضاعفت، خصوصاً الدعم بالسلاح، حيث طلبت تل أبيب على الفور تزويدها بأعداد أكبر من طائرات F-35 والصواريخ المضادة للدروع ومنظومة الدفاع الصاروخي.
حذر على المدى البعيد
بالرغم من الارتياح الواضح والضمانات، والصراع الذي يقوم باستهلاك جميع الخصوم المحتملين لتل أبيب في سوريا، إلا أن أي تغير في مجرى الأحداث بالقرب من الجولان قد يدفع إسرائيل للتحرك، وهو الأمر الذي قد تسعى تل أبيب لاستباقه بطلب دور ما في إدارة الملف السوري تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
وقد تواترت تصريحات لمسؤولين إسرائيليين في الاستخبارات والجيش، مفادها أن أطماع إيران الاقليمية والميليشيات الشيعية “استراتيجية”، وأن أثر امتداد (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) على إسرائيل على المدى البعيد، يحتم على تل أبيب العمل مع حلفائها، الذين يمتلكون “الاتفاق النووي” كورقة ضغط على طهران، لتحييد ذلك الخطر، الذي اعتبروه أكبر من خطر المجموعات السنية، بما فيها “داعش” و”النصرة”، التي “لم تطلق رصاصة على إسرائيل” بوصفهم.
ويبدو بأن تل أبيب تنتظر التغير القادم على مستوى الإدارة في واشنطن، لتتقدم رسمياً بطلب لعب دور ما في الملف السوري متذرعة بالأخطار المحتملة، وهو ما ترى دراسة “راند”، ذو التأثير الكبير في الأوساط الأمريكية، بأن على واشنطن القيام به لترميم علاقتها مع النخبة السياسية في تل أبيب، وللحفاظ على أمن حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط.
وإلى ذلك الحين، ترى الدراسة بأن القدر الكبير من عمل إدارة نتنياهو الذي كان موجهاً نحو ملف إيران النووي، قد تم توزيعه على الملف السوري وأزمة إسرائيل في الضفة الغربية، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة المواجهات مع الفلسطينيين، في الفترة التي أعقبت توقيع الاتفاق النووي أواخر 2015، وهو الأمر الذي سيستمر في الأشهر، وربما السنوات القادمة، مع إبقاء عين على برامج التسليح الإيرانية.
+ There are no comments
Add yours