بحث فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العماني، مع ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، رئيس الجانب المغربي في اللجنة العمانية – المغربية المشتركة، التعاون القائم بين البلدين على مختلف الأصعدة وسبل دعمه بهدف فتح آفاق جديدة خدمةً للمصالح المشتركة.
وذكرت وكالة الأنباء العمانية أنه جرى خلال اللقاء، الذي حضره يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية، استعراض العلاقات الثنائية المتنامية وسبل تعزيز أعمال اللجنة العمانية -المغربية، وتشجيع القطاع الخاص في كلا الجانبين للاضطلاع بدوره في مجالات الاستثمار، إضافة إلى عدد من القضايا الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وأشاد آل سعيد بالعلاقات الوطيدة بين البلدين انطلاقاً من الروابط الأخوية وحرص القيادة الحكيمة في كل منهما على تحقيق كل ما فيه الخير ويعود بالنفع على الشعبين.
من جانبه، أعرب بوريطة عن تقدير بلاده للدور الذي تضطلع به السلطنة على الصعيدين الداخلي والخارجي، مشيداً بتجربة السلطنة في مسيرة التطوير الشامل الذي تشهده البلاد، مؤكداً على استمرار المغرب في تعاونها مع السلطنة على كافة الأصعدة.
الميزانية العُمانية الجديدة
وضعت الميزانية العامة لسلطنة عُمان 2019، حزمة من التطلعات والمُستهدفات الاقتصادية والمالية ما يُبرهن على أن الجهود الحكومية، فيما يتعلق بتحفيز النمو الاقتصادي ودعم سياسات تنويع موارد الدخل، قائمة ومستمرة وفق رؤية مدروسة تقضي بتحقيق طموحات المواطن، واتخاذ الخطوات التي من شأنها تعزيز برامج الضمان الاجتماعي المقدمة للمواطنين.
الميزانية بأبعادها وتفاصيلها تكشف عن اتباع سلطنة عُمان استراتيجية التوازن بين مخصصات التنمية، وإيرادات النفط، واستدامة الموارد والنفقات، باعتبار ذلك هدفاً من الأهداف العليا لتحقيق سياسات مالية تضمن حقوق الأجيال القادمة، بجانب رسم خارطة طريق تشتمل على آليات تغطية العجز المالي وكيفية سداد الدين العام، بما لا يُعرقل جهود تنفيذ المشروعات التنموية.
ولعل من أبرز ما تستهدفه الميزانية العُمانية العامة الجديدة، الإنفاق على مشروعات التنمية، مع مواصلة جهود تنويع موارد الدخل، وخاصة موارد الوزارات والهيئات الخدمية، والأهم من ذلك كله استهداف تحقيق النمو في الناتج المحلي الإجمالي والذي يُتوقع أن يصل إلى 3 في المئة، وهو المعدل الأعلى بين دول الخليج مُجتمعة، وهذه النسبة تتماشى مع توقعات المؤسسات الدولية، بقدرة عُمان على تحقيق النمو رغم التحديات الاقتصادية.
وكشفت الميزانية عن تراجع العجز المالي والذي تحقق بفضل جهود ترشيد الإنفاق على مدار السنوات الماضية وكذلك في السنة المالية الجارية، واتخاذ المزيد من إجراءات التحوط المالي، والتريث في تنفيذ المشروعات غير الملحة، مع الحرص على تنفيذ المشروعات الخدمية والتنموية الأخرى.
ومن أبرز ما ساهم في تخفيف الضغوط على الميزانية العامة العُمانية في 2019، الانتهاء من تنفيذ أغلب المشاريع التنموية الكبرى، فمطار مسقط الدولي ومطار صلالة وخلال أيام مطار الدقم، مشروعات أُنجزت على أرض الواقع، فضلاً عن مشاريع البنية الأساسية الأخرى من طرق وجسور وخطوط كهرباء ومياه.
وقد وضعت الميزانية هدفين رئيسيين، يشكلان مرتكزاً للانطلاق بقوة وعلى أسس متينة نحو الخطة الخمسية العاشرة والتي تُمثل أولى مراحل تطبيق "رؤية عمان 2040". والهدفان الرئيسيان هما تحقيق الاستدامة المالية ورفع كفاءة الإنفاق، والأخير يتأتى عبر الموازنة بين ما يتحقق من إيرادات مع إعمال سياسات التنويع الاقتصادي من جهة، وبين حجم الإنفاق العام من جهة ثانية، مع وضع قائمة من الأولويات بهدف عدم الضغط على المصروفات، وتنفيذ المشروعات والسياسات وفق المُتاح من الموارد المالية، وعدم إغفال تحقيق العوائد الاقتصادية أو الاجتماعية.
أما هدف الاستدامة المالية فيمكن تحقيقه من خلال المحافظة على مستوى العجز المالي في مستويات آمنة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لخفض حجم الدين العام، وتفعيل خطط هيكلة الإيرادات الحكومية، وزيادة إسهام الإيرادات غير النفطية في الإيرادات العامة، في إطار التصور العام القائم منذ بداية "رؤية عمان 2020" والذي يعتمد على الخفض التدريجي للاعتماد على النفط.
ورغم تركيز الميزانية العُمانية على مسألة ترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات غير النفطية، إلا أنها أولت اهتماما كبيرا بالجانب الاجتماعي، فبرامج الضمان الاجتماعي تحظى بنصيب جيد في هذه الميزانية، وأيضا الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان، وهذه القطاعات كلها استحوذت على ما يصل إلى 39 في المئة من جملة الإنفاق العام، وهي الأكبر بين بنود الميزانية.
ونال الإنفاق الاستثماري بسلطنة عُمان حصته كذلك في ميزانية 2019؛ إذ تسعى الحكومة إلى تحسين المناخ الاستثماري ضمن خطط تحفيز القطاع الخاص، ولذا خصصت الميزانية 3.7 مليار ريال لبند المشاريع الاستثمارية، منها 1.2 مليار ريال لتنفيذ مشروعات البنية الأساسية التي تشرف عليها الوزارات والوحدات الحكومية، وكل هذه المشاريع من شأنها أن تُعزز النمو الاقتصادي وتوفر المزيد من فرص العمل.
ولقد تضمنت الميزانية العامة للدولة الحفاظ على مستويات المصروفات الاستثمارية في القطاعات المُنتجة، وخاصة تلك التي ستوفر المزيد من فرص العمل والتوظيف وتدعم التنمية الاجتماعية، إلى جانب توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق إسناد نسبة العشرة في المئة من المشاريع والأعمال الحكومية إلى هذه المؤسسات، بما يضمن نموها واستمرارية نشاطها.
إجمالي القول فإن الميزانية العُمانية الجديدة، تستهدف تحفيز الاقتصاد الوطني عبر العديد من الإجراءات، وبما يُحقق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع تطبيق خُطط الاستدامة المالية في إطار من السياسات الداعمة لمسيرة البناء والتنمية في عُمان.
الاستراتيجية العُمانية لتمكين الشباب
يمثل تمكين الشباب استراتيجية مستديمة ومبدأ عُماني أصيل أكدته القيادة السياسية العُمانية خلال مسيرة نصف قرن في بناء الوطن، ويمثل مفردة مهمة من مفردات التنمية البشرية في تاريخ النهضة العمانية الحديثة، التي قادها بكل حكمة واقتدار السلطان قابوس بن سعيد والذي أعطى شارة البدء في عملية البناء والتنمية.
فالرؤية المحورية لمسيرة البناء مثلت في مضمونها جوهر النهج الإنساني والحضاري الذي رسم السلطان قابوس، معالمه للتعاطي العماني مع قضايا التنمية وهموم البشرية، والقائم على أهمية التأكيد على دور الإنسان في إحداث النقلة اللازمة لتغيير واقعه نحو حياة أفضل، تتكامل فيها مظاهر الاستقرار والرخاء والطمأنينة والعيش الكريم والتقدم والرقي، والرغبة في حصد المزيد من المكتسبات لصالح الإنسان والوطن.
لذلك كانت ـ ولا تزال ـ التنمية البشرية والاهتمام بالشباب العماني توجهاً عمانياً أصيلا، انطلاقاً من يقين السلطان قابوس، أن الشباب هم منطلق أي عمل تنموي، وهم حافزه الأول وأيضاً هم هدف أي برنامج تنمية أو تحديث؛ لذا ظل يدعو السلطان قابوس إلى استنهاض إمكانات الشباب وتأهيلهم وتثقيفهم والاهتمام بأحوالهم المعيشية والصحية حتى يكون مؤهلين للقيام بالدور المناط بهم.
كانت النظرة البعيدة المدى لمفهوم التنمية البشرية والاهتمام بالإنسان العماني على أنه هدف التنمية الشاملة، وأنه المحرك الحقيقي للتنمية والقادر على تدوير عجلاتها وإدارة دفة قيادتها، وكذلك المحرك للحياة في مجتمعه بكل تفاعلاتها وتجلياتها ونتاجاتها، فهو منظم هذه الحياة ومجددها ومطورها.
وأدركت مبكراً الحكومة العُمانية أن تدريب وتأهيل الشباب من الأسس المهمة في عملية إعداد الموارد البشرية لعمليات الإدارة والتشغيل والإنتاج لأي مؤسسة أو شركة، حكومية كانت أو خاصة.
ومن هذا المنطلق جاء توقيع هيئة تنظيم الاتصالات وشركة تنمية نفط عمان على مذكرة تفاهم تتعلق بتدريب 200 شاب عُماني باحث عن عمل لمدة سنتين تمهيدا لتأسيس مشاريعهم الخاصة في قطاع الاتصالات تماشيا مع توجهات الحكومة في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير فرص عمل للعمانيين.
وحسب المذكرة، فإن مشروع توطين القوى العاملة في مشاريع الوصلة الأخيرة لخدمات النطاق العريض، يأتي تدريب الشباب العماني في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، حيث تم تصميم هذا البرنامج وتطويره بواسطة العُمانيين خدمة للمواطن العُماني، مع التأكيد على استدامة الجهود لإيجاد فرص التوظيف والعمل التجاري للباحثين عن عمل في مختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها الاتصالات، والعمل على رفدهم بالأدوات والمهارات التي من شأنها تمكينهم لتدشين مشاريعهم الخاصة.
كما أن هذا المشروع سيمكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المساهمة والمشاركة، وسيتيح فرصاً عديدة للمواطنين للعمل في هذه المؤسسات الصغيرة، ومن شأن كل هذه الجهود والاهتمامات أن تكون كفيلة ببناء شباب عُماني واعٍ ومثقف ومبدع ومبتكر، قادر على صنع القرار والتأثير والإنتاج، مدرك لحجم مسؤولياته تجاه مجتمعه ووطنه.
+ There are no comments
Add yours