كتب- أبوبكر أبوالمجد
كانت أهم عامل مكن لمصر في تحقيق أول وآخر نصر على دولة الاحتلال الإسرائيلية الثيوقراطية، هو الخداع الاستراتيجي.
لكن لم يكن ذلك هو العامل الوحيد، فروح القومية العربية التي حركت فجأة دولًا خليجية لقطع البترول عن الغرب وعلى رأسها السعودية، كانت بمثابة صدمة تكفلت بوقوف اسرائيل وحلفائها على ضرورة منع حدوث مثل هذه المفاجآت في المستقبل، ولذا كان من الضروري إحكام القبضة العسكرية والاقتصادية أكثر على العرب.
ولكن فيما يخص الشأن العسكري، وإمكانية إحكام القبضة تتداخل العديد من المسائل.. منها ما يتعلق بالتسليح المتطور والاستخبارات القادرة على الإحاطة بأكبر قدر من المعلومات السرية حول العدو، وأخيرًا وليس آخرًا تكنولوجيا الفضاء، أو الحرب السيبرانية.
وشهد العقد الأخير العديد من الخطوات الإسرائيلية لإدخال مجال الفضاء السيبراني ضمن أدوات الحرب المستقبلية، مستخدمة في ذلك تقدمها التكنولوجي وإســهاماتها العالمية في صناعة البرمجيات ونظم الحماية السيبرانية، ويعتبر عام 2012 عامًا مفصليًا في إسرائيل، من حيث تكثيف الاهتمام بهذا المجال، ولوضع نهاية للمفاجآت غير السارة في أي حرب تقرر خوضها أو ضربة استباقية.
تجديد العقيدة
كشفت وثيقة منشورة عام 2015، فيما يعتبر تجديدًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، مركزية المجال “السيبراني” في استراتيجيّة جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعتبر إسرائيل المجال الإلكتروني فضاءً قتاليًا لا يختلف عن الجو والبحر والبر.
وتطالب الوثيقة جيش الاحتلال بتوفير معدات دفاعية في المجال السيبراني، وتوفير إمكانيات لمواجهة أي هجمات معادية، كما تُشير إلى استخدام السايبر في التأثير على الرأي العام وتحصيل الشّرعية الدوليّة والدعم القانوني، والمحافظة على التفوق الإعلامي بعد الحرب.
وتوقعت الوثيقة أن يوفر السايبر إمكانيات استخبارات قوية، وأن يساهم في دعم شبكات تساعد على التشبيك الميداني والدعم اللوجيستي في حالة وجود هجمات سيبرانية، وأن يكون قادرًا على القيام بحملات أمنية لمنع الهجمات السيبرانية.
لكن لماذا في 2012؟
لماذا في 2012، بدأ الحديث الإسرائيلي عن هذا النوع من الدفاع، أو الحرب؟
خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2012، تعرضت إسرائيل لأكثر من 100 مليون هجوم سيبراني على مواقع إنترنت إسرائيليّة، فيما اخترقتْ كتائب القسام طائرات الاستطلاع الإسرائيلية دون طيار من طراز “Skylark1” ضمن مساعيها لمواجهة الاغتيالات الإسرائيليّة لقيادات المقاومة.
كما جرت محاولة اختراق الشبكة التابعة لشركة الكهرباء الإسرائيليّة وقنوات تليفزيونية خلال حرب 2014، وفي يناير 2016، تم اختراق بث القناتين الإسرائيليتين الثانية والعاشرة خلال الهبة الشعبية، وبالتزامن مع موجة الحرائق التي ضربت غابات إسرائيلية في نفس العام.
وعام 2017، أعلنت دولة الاحتلال عن اقتراب إيرانيين من اختراق نظام الإنذار الصاروخي الإسرائيلي، وفي فبراير 2019 وقعت محاولة اختراق نظام مراقبة تابع للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربيّة.
كذلك أُعلن في مارس 2019، عن اختراق هاتف رئيس أركان جيش الاحتلال السابق بيني غانتس، واختراق هاتف إيهود باراك، بالإضافة إلى هواتف 100 جندي إسرائيلي.
أما أحدث حالة اختراق سيبراني خلال المواجهة العسكرية الأخيرة بين المقاومة في غزة والاحتلال كانت في مايو الماضي، حيث حاولت المقاومة اختراق بنى تحتية مهمة في “إسرائيل”، كما برزت مؤخرًا الاختراقات لبث احتفالية مسابقة “اليوروفيجن” في تل أبيب.
أفق
أطلقت إسرائيل يوم الاثنين الماضي، قمرًا صناعيًا جديدًا لأغراض المراقبة قالت إنه سيوفر لمخابراتها العسكرية قدرات مراقبة عالية الجودة.
ولم يكن القمر الصناعي “أفق 16 (أوفيك باللغة العبرية)” الأول الذي تطلقه إسرائيل إلى الفضاء الخارجي، غير أن إطلاقه فجر الاثنين ارتبط بشكل كبير مع تصاعد التقارير عن شنها هجمات على أهداف في إيران.
وجرى إطلاق القمر الصناعي (أفق 16) إلى الفضاء من موقع في وسط إسرائيل بواسطة صاروخ شافيت الإسرائيلي الصنع والذي استخدم لإطلاق الأقمار الصناعية (أفق) السابقة.
وكتب أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عبر حسابه على موقع تويتر، أن “مديرية الأبحاث والتطوير وهيئة صناعات الفضاء نجحتا في إطلاق القمر الاصطناعي الاستطلاعي أفق 16 إلى الفضاء، في تمام الساعة الرابعة صباح الاثنين بتوقيت القدس”.
وأضاف أن “الحديث يدور عن قمر استطلاع بصري كهربائي مزود بقدرات تقنية متقدمة، وسيخضع في الفترة القريبة لسلسلة من الاختبارات لتحديد مدى ملاءمته ومستوى أدائه”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بالإنابة بيني غانتس: “التفوق التكنولوجي والقدرات الاستخباراتية أمران أساسيان لدولة إسرائيل.. سنواصل تعزيز قدرات إسرائيل والحفاظ عليها على كل جبهة وفي كل مكان”.
ووصفت وزارة الدفاع القمر الصناعي أفق 16 بأنه “قمر استطلاع بصري كهربائي مزود بقدرات تقنية متقدمة”، وسيتم استلام الصور الأولى من القمر الصناعي في غضون أسبوع تقريبًا.
وأشارت الوزارة في بيانها إلى “خضوع قمر الاستطلاع إلى سلسلة من الاختبارات”.
وكتب عاموس جادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، على تويتر أن استخدام “افق 16” سيمنح إسرائيل “قدرات إستراتيجية واستخباراتية خاصة، وهو ما يعد أمرًا هامًا بشكل خاص في هذه الأيام عندما يكون هناك إشارات لإمكانية حدوث تصعيد مع إيران”.
ولم يتطرق بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى مزيد من التفاصيل حول المهمة الرئيسية للقمر الصناعي، لكن الإذاعة الإسرائيلية العامة قالت إنه سيستخدم لمراقبة أنشطة إيران النووية، ولطالما أكدت إسرائيل على أنها ستعمل جاهدة لمنع إيران من امتلاك أسلحة ذرية.
أفق والانفجارات
قال موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري الاثنين: “على الرغم من أن الوظيفة الرئيسية لقمر التجسس الجديد ستكون على الأرجح مراقبة إيران والتطورات في برامجها النووية والصاروخية، فقد نفى مسؤولو الدفاع في إسرائيل أي رمزية في إطلاق الصاروخ وسط تقارير متزايدة عن أن إسرائيل كانت مسؤولة عن عدد من الانفجارات الأخيرة في إيران، بما في ذلك منشأة لتخصيب اليورانيوم وأخرى في مصنع لإنتاج الصواريخ”.
وخلال الأيام القليلة الماضية، وقعت ثلاثة تفجيرات وحرائق “مجهولة السبب” في مجمع نووي ومحطة توليد طاقة كهربائية ومركز بتروكيماويات، في إيران.
ووقع آخر انفجار السبت الماضي في محطة “مدحج زرغان” للغاز بمدينة الأحواز جنوب غرب إيران، وتُعتبر هذه الحادثة هي الثالثة على الأراضي الإيرانية خلال أسبوع، إذ سبقها انفجار وحريق في المركز الطبي “سينا أطهر” أدى إلى مصرع 19 شخصاً وإصابة 14 آخرين، تلاه انفجار في مبنى تابع لمحطة نظنز النووية.
وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين رفضوا الكشف عن أسمائهم، لوكالة رويترز، إن الانفجار الذي حدث بمنشأة نطنز النووية صباح الخميس الماضي، نتج عن هجوم سيبراني.
ونقلت الوكالة عن أحد المسؤولين الثلاثة، أن “الهجوم السيبراني استهدف وحدة تجميع أجهزة الطرد المركزي”، قائلًا إن “مثل هذه الهجمات حدثت سابقا”، کما نقلت رويترز عن المسؤولَين الآخرَين قولهما إن “إسرائيل يمكن أن تكون وراء الهجمات”، رغم أنهما لم يقدّما أي دليل يدعم مزاعمهما.
الشرق الأوسط
نقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” عن شلومي سوداري، رئيس برنامج الفضاء التابع للهيئة الصناعية الجوية الإسرائيلية، قوله: “تتيح شبكة الأقمار الصناعية لنا مشاهدة الشرق الأوسط بأكمله، وأكثر من ذلك بقليل”.
أما رئيس إدارة الفضاء والأقمار الصناعية في وزارة الدفاع الإسرائيلية أمنون هراري، فقال للصحفيين الاثنين، إن القمر الصناعي “سيُستخدم لرصد التهديدات التي تواجه دولة إسرائيل والتي تتطلب مراقبة مستمرة”.
ولدى إسرائيل شبكة من الأقمار الصناعية في الفضاء، فإضافةً إلى الأقمار من سلسلة “أفق”، أطلقت العام الماضي القمر الصناعي “عاموس 17” لغرض الاتصالات، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس إن “إسرائيل واحدة من 13 دولة في العالم لديها قدرات على إطلاق الأقمار الصناعية”.
+ There are no comments
Add yours