كتب- أبوبكر أبوالمجد
إذا ما قررت مصر توجيه ضربة عسكرية للسد الإثيوبي، فإن أنسب موقعين تنتطلق منهما الطائرات المصرية.. عدن وسقطرى.
ومنذ أشهر وتحديدًا في أغسطس الماضي، وثمة معارك وصراعات ومواجهات لا تتوقف بين “المجلس الانتقالي الجنوبي” (موالي للإمارات)، والحكومة اليمنية (الشرعية)، وترعى السعودية منذ نوفمبر الماضي العديد من المساعي للتوفيق بينهما؛ لكن دون جدوى.
موجات المواجهة
في العاشر من أغسطس الماضي، وعقب مواجهات دامية مع الجيش اليمني استمرت أربعة أيام وأسفرت عن سقوط 40 قتيلا و260 جريحًا، سيطرت قوات المجلس الانتقالي على العاصمة عدن، وقبل يومين سيطرت على جزيرة سقطرى.
ولم تستمر هذه السيطرة لأي من طرفي النزاع، فموجات الاقتتال لا تتوقف، ولكن يبدو أن الانتقالي باتت كلمته هي العليا الآن في عدن وسقطرى.
ووضعت الإمارات عينها على الجزيرة، منذ بداية التدخل العربي في اليمن، فكانت أول من أرسل قافلة إنسانية في نوفمبر 2015، لمساعدة سكانها الذين تضرروا من إعصار “تشابالا”، وذلك في منافسة مع الوجود القطري التنموي الموالي لجماعة الإصلاح التابعة لتنظيم الإخوان، وكذلك قطع الطريق على الصفقة التي كانت تجهز لها إيران مع الحوثيين، باستئجار الأرخبيل مقابل 3 مليار دولار، على أن تقدم لروسيا والصين امتيازات في هذا الأرخبيل على المستوى الاقتصادي والعسكري.
وفي مارس 2016، وقع نائب الرئيس اليمني رئيس الحكومة المقال “خالد بحاح”، اتفاقية مع دولة الإمارات، لإعمار وتنمية “سقطرى”، عقب ذلك، دعمت الإمارات الجزيرة، بـ80 آلية عسكرية، تزامنًا مع تخريج دفعة المتدربين في دولة الإمارات.
وجه الخلاف
الخلاف بين الانتقالي والشرعية يعود إلى تصميم الانتقالي على أن تكون له اليد الطولى عسكريًا، تاركًا الشأن السياسي للشرعية، وهو الأمر الذي لا تقبله الشرعية، وتسعى لتقاسم الحكم، أو تنفيذ اتفاق الرياض، وهو ما يرفضه “الانتقالي” جملة وتفصيلًا متهمًا “الشرعية” بولائها للإخوان.
مصر واليمن
إن ما يجري في أي بلد عربي يعني مصر بدون شك كشقيقة كبرى؛ لكن ما يجري في اليمن ربما لا يقل خطورة عما يحدث في ليبيا، ومن شأنه تهديد أمنها القومي.
فهناك، حيث التهديدات لباب المندب، والسفن المارة به، أمر من شأنه التأثير على حركة الملاحة في قناة السويس، ومن ثم التأثير على دخل مصر من العملات الأجنبية؛ ولكن الأهم هو السماح لتواجد سفن عسكرية أو زوارق حربية تهدد أمن الملاحة في القناة، خاصة لو كانت لدول معادية أو ليست على وفاق مع مصر.
وترجع أهمية جزيرة “سقطرى” لمصر حاليًا ليس فقط كونها تتحكم في الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب؛ بل تتجاوز أهميتها لأكثر من ذلك، حيث إمكانية توجيه ضربة جوية لسد النهضة الإثيوبي من عليها، إضافة بالطبع لمدينة عدن، وكلاهما يسيطر عليهما “الانتقالي” الموالي للإمارات الحليف الأبرز لمصر حاليًا.
وتشارك مصر بقوات بحرية ضمن عمليات التحالف العربي، وهي القوات التي تتواجد في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر يتيح لها متابعة الأوضاع في المنطقة الملتهبة.
جزيرة سقطرى
جزيرة سقطرى تبلغ مساحتها 3500 كيلو متر مربع، ولطالما كانت محل اهتمام وتنافس إقليمي دولي على الجزيرة التي تسيطر على أهم خطوط ومضايق الملاحة البحرية.
تقع جزر أرخبيل سقطرى اليمنية في المحيط الهندي على بُعد نحو 80 كيلومترًا قبالة القرن الأفريقي، و380 كيلومترًا في جنوب الساحل اليمني، وهي محمية للحياة البرية معترف بها من قِبل “اليونسكو”، كموقع للتراث الطبيعي العالمي.
الموقع الإستراتيجي
يرى ضابط البحرية والخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية” ألفريد ثاير ماهان”، الذي توفي في 1914، أن “كل من يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعبًا بارزًا على الساحة الدولية” لافتًا إلى “إن المحيط الهندي هو المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي”.
فمن يسيطر على سقطرى يملك مفاتيح السيطرة على البحار السبعة الرئيسية في العالم، فهي تعد ممرًا إجباريًا يتيح الوصول للمحيط الهندي والمحيط الهادئ وبوابة دخول للقرن الأفريقي، بالإضافة إلى كونه منفذًا هامًا يربط غرب وشرق آسيا بقارة أفريقيا وأوروبا.
ويمكن لأي قوة عسكرية في العالم تتمكن من بناء قاعدة عسكرية في سقطرى أن تصبح المسيطرة على أهم المضايق المائية في العالم، وهما “هرمز” وباب المندب، والذي بدوره يؤثر على الملاحة في قناة السويس ما يهدد المصالح المصرية، ومضيق ملقا الذي يفصل بين اندونيسيا وماليزيا.
كما يستطيع من يسيطر على “سقطرى” أن يوجه ضربات بالطيران أو الصواريخ إلى إيران وأفغانستان وباكستان والعراق وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا دون أن يخشى تلقى ضربات مقابلة.
وهذا ما يجعلنا نقول أن الإمارات يستحيل أن تسعى للسيطرة على “سقطرى” دون ضوء أخضر من قوى إقليمية ودولية كبرى.
فمن اليقيني أن سيطرة الإمارات على الأرخبيل يصب في مصلحتها التجارية؛ لكن لا القدرة العسكرية ولا الاستراتيجية تسمحان للإمارات باتخاذ هذا القرار، وهو السيطرة على الأرخبيل دون موافقات من دول كبرى.
وهذا أيضًا ما يجعلنا نقول أن أمن ونفوذ مصر في الألفية الثالثة، يبدأ من هذا الأرخبيل.
الأطماع الأمريكية
وفي إطار السعي الأمريكي للسيطرة على المحيط الهندي بنت الولايات المتحدة قاعدة دياجو جارسيا في ارخبيل تشاجوس على بعد نحو 3 آلاف كيلو متر من جزيرة سقطرى.
وتشير تقارير إعلامية، إلى أن الولايات المتحدة عقدت صفقة مع الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، في 2010 بعد زيارة الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات المركزية الأمريكية إلى صنعاء، تقضي بمنحهم تسهيلات غير مسبوقة في الجزيرة لإقامة قاعدة عسكرية.
روسيا والحلم القديم
وفي مواجهة التوسع العسكري الأمريكي في المحيط الهندي، فإن روسيا من ناحيتها أعلنت أنها لن تتنازل عن رغبتها في إقامة قاعدة عسكرية لها في الجزيرة.
وكانت روسيا منذ استقلال اليمن الجنوبي عن بريطانيا وتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تمتعت بامتيازات بحرية في عدن وسقطرى، لكن هذه الامتيازات لم تلبث أن تقلصت كثيرًا بعد الوحدة اليمنية عام 1990.
وفي عام 2010، بعد اجتماع الرئيس صالح والجنرال الأمريكي بترايوس، أكد بيان من البحرية الروسية أن “روسيا لم تتنازل عن خططها في امتلاك قواعد لسفنها في جزيرة سقطرى”.
+ There are no comments
Add yours