تسعى مجموعة “فيشغراد”، المكونة من أربع دولٍ محاذية لروسيا، وسط وشرقي أوروبا، وهي بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا، إلى تعزيز التعاون المشترك وتشكيل قوة قتالية مشتركة تمهد لتحولها إلى تحالف عسكري، في ظل إجماعها على انتهاج سياسات أكثر صرامة تجاه أزمة اللاجئين.
تأسست المجموعة عام 1991 عقب انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، لتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية على رأسها “اجتثاث ما تبقى من النظام الشمولي، وحماية الديمقراطية، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول والتكامل الأوروبي الأطلسي”، إلا أنها لم تتمكن من التوصل إلى نقطة مشتركة لتحقيق تلك الأهداف.
عادت الرباعية (مجموعة فيشغراد) التي تستمد اسمها من مدينة مجرية عقدت فيها أول قمة للمجموعة، بالظهور مجددًا في المشهد السياسي، عقب إجماع الدول الأعضاء على انتهاج سياسات أكثر صرامة تجاه أزمة اللاجئين، بخلاف دول أوروبا الغربية.
وشدد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، خلال مشاركته في أحد المؤتمرات التي نظّمت مؤخرًا، على ضرورة تطوير وتعميق العلاقات البينية بين بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، دون خلق مواجهة مع الاتحاد الأوروبي، معربًا عن تأييده لاقتراح إنشاء برلمان مشترك بين بلدان الرباعية، وكذلك العمل على تأسيس قوة عسكرية مشتركة.
وفي هذا السياق، قالت خبيرة معهد المجر للتجارة والشؤون الخارجية، ديانا سزوك، إن أزمة اللاجئين رفعت من مستوى التعاون بين “الرباعية”، الأمر الذي انعكس على تصريحات السياسيين في الدول الأعضاء، لذا يجب تقييم التصريحات التي أدلى بها أوربان حول البرلمان والقوة العسكرية المشتركة في هذا السياق.
وأضافت سزوك في حوار مع الأناضول “قد لا يكتب لفكرة تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين دول الرباعية النجاح في المستقبل القريب، لأنها بالنتيجة أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتوفر الأمن والحماية لنفسها عبره”.
و”بالنظر إلى الإنفاق العسكري لهذه الدول في (الأطلسي)، فإننا نرى أن تلك البلدان غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المادية تجاه الحلف، لذا فإن تأسيس قوة عسكرية مشتركة منفصلة عن الاتحاد الأوروبي ستكون بحاجة حتمًا للتمويل وسوف تؤثر بشكل جدّي على اقتصادات تلك البلدان”، بحسب سزوك.
وأشارت الخبيرة المجرية إلى إمكانية دعم دول الرباعية لفكرة القوة العسكرية المشتركة وذلك لأسباب مختلفة، فبولندا على وجه الخصوص، تسعى لإقامة تحالفات عسكرية وزيادة التعاون العسكري، خصوصًا على خلفية الأزمة الأخيرة في أوكرانيا وزيادة النفوذ الروسي في المنطقة، أما المجر فقد تستثمر تلك القوة في حماية حدودها على خلفية أزمة اللاجئين.
وشددت على أن دول الرباعية غير متفقة فيما بينها على سياسة خارجية تتوافق مع سياسات الاتحاد الأوروبي، خصوصًا فيما يتعلق بالملف الروسي، فمن جهة تعارض المجر العقوبات التي فرضها الاتحاد الأرووبي على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، فيما تنظر بولندا إلى روسيا بعين الريبة استنادًا لأسباب تاريخية، وهذا بالنتيجة يمنع خلق سياسة عامة مشتركة بين المتحفظين والمتشككين تجاه الدور الروسي.
ولم تغفل الخبيرة المجرية الإشارة إلى المشاكل الثقافية والتاريخية الأخرى التي تشوب العلاقات البينية بين دول الرباعية، وحالة عدم الثقة التي تشوب العلاقات، مشيرة إلى الأزمة بين سلوفاكيا والمجر، والتي تخص مشاكل الأقلية المجرية في سلوفاكيا، حيث تطالب المجر بمنح تلك الأقلية “حقوقها الثقافية والتاريخية والمواطنة المزدوجة”، ما خلق أجواءً متوترة في العلاقات الثنائية، إلا أن تلك الأجواء تبددت بعد أن طفت أزمة اللاجئين على السطح، العام الماضي.
واستدركت سزوك “إلا أنه مع انقشاع غمامة أزمة اللاجئين، فستعود التوترات لتخيم على العلاقات بين دول الرباعية، وذلك على خلفية التباينات في العلاقات الثقافية وتضارب المصالح داخل منظومة الاتحاد الأوروبي”.
جدير بالذكر، أن مجموعة “فيشغراد” تأسست رسميًا، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، بتوقيع 3 دول هي بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر في 15 فبراير/ شباط 1991 على وثيقة التأسيس، وعام 1993 انقسمت تشيكوسلوفاكيا، إلى جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، ليصبح عدد الأعضاء أربعة.
تتشاطر دول الرباعية العديد من القواسم التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية المشتركة، وتعتبر المنطقة التي توجد فيها تلك البلدان “منطقة عازلة” بين النفوذ السلافي (الروسي) والجرماني (الألماني)، فضلًا عن أن تلك البلدان كانت جميعها جزءًا من الاتحاد السوفياتي.
وشهدت دول الرباعية تحولًا نحو الديمقراطية في فترة ما بعد الحرب الباردة، لتتقدم بطريقة مماثلة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بعد جولات من إجراءات التكامل الاقتصادي والسياسي.
+ There are no comments
Add yours