يعتقد محللون سياسيون فلسطينيون أن اتفاقاً بين "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) وإسرائيل، قد يرى النور قريبا، برعاية أطراف عربية ودولية، وسيشمل وقف إطلاق النار، مقابل "حلول إنسانية"، للأوضاع الصعبة التي يحياها السكان في قطاع غزة.
من بين تلك الأطراف: مصر (ممثلة بجهاز المخابرات العامة)، ومبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف، وقطر.
وقال المحللون، الذين تحدّثوا في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، إنه يجري تدارس الاتفاق داخل "غرف حماس المغلقة"، واجتماعاتها التي تضمّ أعضاءها بالخارج والذين وصلوا غزة، الخميس الماضي .
ويتفق هؤلاء على أن التفاهمات "قد تُفضي إلى إبرام هدنة طويلة الأمد، بغزة، مقابل تقديم حلول إنسانية على طريق رفع الحصار عن القطاع بشكل كامل".
وتزامنا مع استمرار الاجتماعات داخل "حماس"، عقد أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت"، ظهر أمس الأحد، اجتماعا لبحث المقترح المصري للتهدئة.
لكن حتّى اللحظة، لم يخرج إلى العلن أي قرارات من الجانبين تشير إلى اقتراب إبرام ذلك الاتفاق من عدمه.
وترفض حركة "حماس" أي اتفاق هدنة لا يشمل رفعاً كاملاً للحصار الذي تفرضه إسرائيل عن قطاع غزة منذ عام 2006، وبدون تقديم أثمان سياسية.
وفي 2 يوليو/ تموز الماضي، رحّب فوزي برهوم، المتحدث باسم "حماس"، بـ"كل جهد يرفع الحصار عن غزة، ويلبي طموحات أهلها دون أثمان سياسية".
فيما أكد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، في 18 مايو/ أيار الماضي، وجود "خطوات جادة وحقيقية على طريق رفع الحصار"، مشترطاً رفعه كليا لقبولها.
ويرى المحللون أن العرض المصري لاتفاق التهدئة جاء بعد استنفاد المحاولات لإنجاح المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس"، كما أنه من المحتمل أن يتجاوز السلطة الفلسطينية في وقت التنفيذ.
وتُتداول أنباء مؤخرا، عن بلورة مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، بتوافق مصري وقطري، مقترح لتسوية شاملة للأزمة بين "حماس" وإسرائيل.
ويأتي ذلك في أعقاب أشهر من التوتر على خلفية "مسيرات العودة"، التي انطلقت نهاية مارس/آذار الماضي، التي استشهد خلالها نحو مئة وخمسين فلسطينيا، وأصيب الآلاف، وفق وزارة الصحة.
ماذا يدور في غزة
الخميس الماضي، اجتمعت "حماس"، بأعضاء مكتبها السياسي (من خارج فلسطين)، داخل قطاع غزة للمرة الأولى، في توقيت يصفه الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن بـ"الملفت والحساس".
ويضيف محيسن لوكالة الأناضول: " جاء الاجتماع في ظل الحراك الدولي باتجاه الحراك الفلسطيني الداخلي (الأحداث الميدانية ومسيرة العودة وكسر الحصار التي انطلقت منذ 30 مارس/ آذار الماضي)".
ويتزامن أيضا، وفق المحلل السياسي، مع رغبة مصر بـ"النجاح في إدارة ملف القضية الفلسطينية؛ على اعتبار أنها ترى نفسها مرجعية للملف، وترفض تدخل أي طرف فيه".
وأخيراً، فإن الحديث عن اتفاق التهدئة جاء بعد التأخر الذي أظهرته "فتح" في التعاطي مع الورقة المصرية لتطبيق ملف المصالحة، ما تسبب بحسب محيسن، إلى فشل الملف.
ويعتقد أن مصر عرضت على "حماس اتفاق التهدئة مع إسرائيل، قفزاً على ملف المصالحة التي باتت مستعصية على النجاح".
ويرى محيسن أن اتفاق التهدئة مع إسرائيل "سيتم خلاله تجاوز حركة فتح والسلطة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن مصر "حينما رسمت المعالم الأولى للتهدئة مع إسرائيل، رغبت أن تكون العملية في ظل وجود السلطة الفلسطينية بغزة".
ويستطرد أنه "عندما أدركت مصر أن الأمور (بشأن المصالحة) تسير بشكل غير المخطط له، أخرجت الورقة من الدرج واقترحتها على حماس، بعد أن كانت أجّلت ذلك".
اتفاق التهدئة
ويرى محيسن أن مصر قدّمت في ورقة اتفاق التهدئة النقاط الأساسية التي ترى أنها "تلبّي مطالب إسرائيل، والفلسطينيين في قطاع غزة".
ويشير إلى أن سقف المطالب الذي وضعته "حماس" في الاتفاق قد ارتفع، موضحا أن "مصر صاغت في الورقة رفعا تدريجيا للحصار عبر فترة زمنية معينة".
لكن حماس ردّت بطلب رفعه كلّيا وبشكل مباشر، بحسب محيسن.
ومن المقرر، بحسب محيسن، أن تبلّغ حركة "حماس" الجانب المصري بردها على الورقة المصرية للاتفاق (المتعلق بالتهدئة)، اليوم الاثنين.
ويعتقد أن "الكرة في المعلب المصري. هل ستنجح مصر في صياغة نهائية تشمل ترتيبات حماس ورؤية إسرائيل لتبدأ عملية التنفيذ أم ستفشل؟"
وفيما يتعلق بموقف حركة "فتح" من الاتفاق، يرجّح محيسن أنها "قد تسعى لإعاقة تنفيذه، من خلال محاولة ثني إسرائيل عن التعاطي معه".
وصباح أمس، أعلنت الحركة على لسان منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم، رفضها لاتفاق التهدئة ولأي نتائج أو ترتيبات تصدر عن تلك المفاوضات.
الثمن السياسي
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى الصوّاف، يرى أن الثمن السياسي الوحيد الذي ستدفعه "حماس" من وراء موافقتها على الاتفاق هو "التهدئة".
ويضيف الصواف لوكالة الأناضول: " كل ما تريد إسرائيل انتزاعه من حماس هو حالة الهدوء داخل المجتمع (الإسرائيلي)، وطالما توفرت فلا مانع لديها من فتح المعابر والتوسيع على القطاع".
ويؤكد أن "حماس لن تدفع أي ثمن سياسي آخر غير الالتزام بحالة الهدوء ووقف إطلاق النار".
ويعتقد أن مطلب الحركة في هذا الاتفاق "هو رفع الحصار بشكل كامل"، لافتاً إلى أنها لن تقبل بـ"حلول تخفيفه".
ويستبعد الصواف في الوقت ذاته، إعادة طرح اتفاقية التهدئة المعمول بها منذ انتهاء الحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة صيف 2014.
ويقول: " اتفاق 2014 لم يكن مجديا؛ لأن الاحتلال لم يلتزم به ولم يتم تحقيق البنود التي كان يتضمنها خاصة المرتبطة بالتهدئة كالميناء والمطار".
وأشار إلى أن "حماس" لا تزال في مرحلة "دراسة الاتفاق لوضع النقاط على الحروف بكل القضايا المتعلقة بالحصار".
ملف الأسرى
ويستبعد الصواف أن يكون تنفيذ اتفاق التهدئة مرتبط بملف الجنود الأسرى لدى "كتائب عز الدين القسّام"، الجناح المسلّح لـ"حماس".
ويعتقد أن "حماس" نجحت في "فصل الموضوع عن بقية المواضيع المطروحة حاليا".
ومع الصواف، يتفق محمود مرداوي، المتخصص بالشأن الإسرائيلي، قائلاً " إن أهم ما تحصّل في هذه المرحلة هو فصل الملفات عن بعضها، ومن أهمها ملف الأسرى الإسرائيليين".
ويشير في حوار مع وكالة الأناضول، إلى أن هذا الأمر "كان في السابق جزءاً من صفقة التهدئة، لكنّه بات اليوم خارجا تماما".
وتحتجز "حماس"، منذ عام 2014، أربعة إسرائيليين، بينهم جنديان، لم يعرف حتى الآن مصيرهما، حيث ترفض الحركة تقديم معلومات عما إذا كانا على قيد الحياة أم لقيا حتفهما، قبل إطلاق الحكومة الإسرائيلية سراح معتقلين فلسطينيين.
تحديات ومصاعب
ويعتقد مرداوي أن الوصول إلى اتفاق تهدئة سيواجه العديد من المصاعب والتحديات، التي قد تحول دون تحقيقه.
ويضيف: "نحن مرتبطون مع إسرائيل في كثير من الجبهات بالضفة وغزة والقدس، وربما تنفجر الأمور في أحداها".
ويشير المتخصص في الشأن الإسرائيلي إلى أنه "حتّى اللحظة لا يوجد توافق وطني على التهدئة"، موضحا أن "أشدّ المعارضين هي السلطة؛ وهذا ما تشير إليه بياناتها الصادرة عنها".
+ There are no comments
Add yours