واقعة يصعب أن تمر دون تحليل والسؤال عن سبب حدوثها.. إنها واقعة إقالة عبد المجيد تبون، من رئاسة الوزراء الجزائرية بعد أقل من ثلاثة أشهر على توليه المنصب، حيث أرجع البعض إعفاء "تبون" إلى خطة حكومته التي كانت تصطدم مع مصالح رجال مال وأعمال قريبين من السلطة ودوائر فيها.
ملامح نزاع الحكومة التي قادها تبون، لقرابة 3 أشهر، مع التكتل المالي الذي يضم رجال المال والأعمال ظهرت عندما عرض الرجل على البرلمان مخطط حكومته في 20 يونيو/حزيران 2017، وصرّح حينها بأنّه سيفصل بين المال والسلطة.
وأعفى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الثلاثاء الماضي، تبون، من منصبه الذي مكث فيه 79 يوما فقط، وعين مدير ديوانه، أحمد أويحيى، رئيسا للوزراء بدلا من الأخير، دون إعلان سبب الإعفاء.
رجال المال والأعمال
وبحسب مراقبين، فإن النزاع بدأ فعليا بين حكومة تبون ورجال الأعمال، عندما هددت تلك الحكومة بسحب مشاريع ينفذها رجال أعمال، على رأسهم رئيس منتدى المؤسسات (أكبر تنظيم لأرباب العمل في البلاد) علي حداد، المقرب من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومستشاره الخاص.
وبعد أسابيع قليلة من توليه منصب رئاسة الوزراء، تفاقم الصراع بين حكومة تبون ورجل الأعمال الذين يقودهم "حداد"، لاسيما عندما "منع" تبون، في 16 يوليو/تموز الماضي، الأخير من حضور مراسم تخرج الطلبة بالمدرسة العليا للضمان الاجتماعي بالعاصمة الجزائر، بحسب إعلام محلي.
ووفق وسائل إعلام محلية، طُلب من حداد، مغادرة القاعة قبل وصول تبون، رغم أنّ حضوره كان بدعوة من وزارة التشغيل والعمل والضمان الاجتماعي، وهو ما لم تعقب عليه الحكومة المعفاة.
ودفع الموقف برئيس الاتحاد العام للعمال (أكبر تنظيم نقابي في البلاد) عبد المجيد سيدي السعيد، إلى التضامن مع "حداد"، حيث انسحب هو الآخر من القاعة، وفق إعلام محلي.
وعلي حداد، هو أيضا صاحب مجمع شركات للبناء والإنشاءات العامة والري، ويوصف بأنه رجل مقرب من الرئاسة.
سجال
ونقلت جريدة "الشروق" الجزائرية (خاصة)، أنّه بعد واقعة المدرسة العليا للضمان بيومين (18 يوليو/تموز الماضي) "تكتلت، منظمات الباترونا والعمال (منتدى المؤسسات والاتحاد العام للعمال الجزائريين)" وعقد رجال أعمال من تلك المؤسسات اجتماعا بقيادة حداد وسيدي السعيد "لبحث إقالة تبون".
وقالت الصحيفة إن رجال الأعمال عبرّوا خلال الاجتماع الذي جرى بأحد فنادق العاصمة عن "امتعاضهم" من المعاملة التي تعرض لها "حداد" ورجال الأعمال خلال فعالية مدرسة الضمان الاجتماعي.
وحسب الصحيفة، لم يتوقف الأمر عند الامتعاض والاستياء بل وقع المشاركون في الاجتماع على بيان اعتبروه "وثيقة تمثل ثمرة الثقة بين الشركاء".
من جهته، دافع رئيس الجمعية الوطنية للمقاولين الجزائريين (غير حكومية) مولود خلوفي، عن مساندة جمعيته لمنتدى رؤساء المؤسسات، وقال في تصريح صحفي سابق: "مساندتنا تخص ما يتضمنه العقد الاجتماعي الاقتصادي، وليس دفاعا عن شخص رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد".
وأضاف: "حداد، ليس بحاجة إلى دعمنا، ولكن ما أدرج في العقد الاقتصادي الاجتماعي يجب أن يلقى احترام جميع الأطراف".
وكانت المفاجأة غير المتوقعة والمفاجئة لعلي حداد، في انحياز عدد من رجال الأعمال إلى حكومة تبون، بعدم توقيعهم على البيان، واتهام بعضهم لحداد بتزوير التوقيعات.
ورداً على بيان رجال الأعمال، أصدرت رئاسة الوزراء الجزائرية، الأربعاء 19 يوليو/تموز 2017، بياناً أكدت فيه "تكريس الفصل بين السلطة السياسية والمال المدرج ضمن مخطط عمل الحكومة"، مؤكدة على أنه "لا شيء يثني إرادة الحكومة التي ستظل ملتزمة بإنجاز الأهداف الموضوعة في مخطط عملها".
والعقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، هو اتفاق ثلاثي الأطراف ينظم العلاقة ما بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، ويشرح حقوق كل طرف في تعامله مع الآخر، ويجدد كل 5 أو 6 سنوات كان آخرها في فبراير/ شباط 2014.
من جانبه، قال المحلل السياسي، والأستاذ بجامعة الجزائر، توفيق بوقعدة، إنّ "تبون ليس ضحية صراع عصب السلطة، لأنه بالأساس شريك أساسي فيها".
وأضاف "بوقعدة"، في حديث مع الأناضول، "الصراع الناجم عن زواج المال بالسلطة واقع جديد في الجزائر، لم يكن أحد أسباب الصراع السلطوي في البلاد".
وأشار إلى أنّ "تنامي المال الفاسد واستغلاله في العملية الساسية بدأ منذ مجيء بوتفليقة، من خلال ظهور قوى سياسية تستند في قوتها ليس على برنامج أو إيديولوجية بل على تضامن أصحاب المال".
ويعتقد بوقعدة، أنّ تبون، "حلقة في دورات الصراع السلطوية في الجزائر وليس ضحية"، وأن الأخير "قد يقود دورة صراع أخرى ضد الأطراف التي أزاحته".
ويرى في السياق أنّ "اختلاف تبون، مع جماعة الحكم في أعمق من المشاحنات الكلامية عبر وسائل الإعلام مع الباترونا (أرباب العمل)، بحيث يدخل في إطار التوجهات الكبرى لمصالح قوى أجنبية تسعى للهيمنة على السوق الجزائري".
الرئاسة الجزائرية وتبون
بعد أيام من أزمة تبون مع الحداد ورجاله، أفادت قناة "النهار" الجزائرية (الخاصة)، في 7 أغسطس/آب الجاري، بأن الرئاسة الجزائرية وجهت له انتقادات لاذعة تتهمه فيها بـ"التحرش" برجال الأعمال، وطالبته بالكف عن مهاجمتهم والاحتكام للقانون والعودة إلى الرئاسة فيما يتعلق بالقرارت الهامة التي تمس الاقتصاد والسياسة.
وتزامن حديث "النهار"، عن انتقادات الرئاسة لتبون، مع تواجده في عطلة سنوية بأوروبا التقى خلالها رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فليب.
وفور تنحية تبون، ربطت أحزاب سياسية الإقالة بما حدث مع تبون وأرباب العمل، حيث قال حزب حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد) أنّ "هذا التغيير الحكومي يعد انقلابا أبيض على رئيس الوزراء السابق تبون، وعلى برنامجه الذي ينص على فصل المال عن السياسة".
وأكدّ الحزب، في بيان نشره الثلاثاء الماضي، على صفحته بـ"فيسبوك" أنّ التغيير يؤكد على "سلطة رجال المال وتأثيرهم على قرار الدولة، وبرز أنّ أن التنافس على السلطة تحول إلى صراع ظلامي خطير على استقرار الدولة والمجتمع".
واعتبر حزب "جيل جديد" (معارض) الذي يرأسه جيلالي سفيان التطورات الأخيرة أنّها "دليل واضح على حالة التعفن التي وصلت إليها الدولة".
ووصف الحزب في بيان نشره عقب التطورات بين تبون ورجال الأعمال في الأيام الماضية بأنها "انحراف مافيوي خطير يضع السلم وسلامة الوطن في خطر".
وتابع الحزب: "لم يعد مقبولا لجزء اخر من السلطة أن تغض الطرف على قرارات غير دستورية تضع الدولة في خطر".
الخوف من مصير تبون
الصحفي والمحلل السياسي "محمد مسلم"، قال للأناضول، إنه "بإبعاد تبون، عن رئاسة الوزراء يكون المال السياسي "تمكن من فرض منطقه في الجزائر، وهو أمر ينطوي على مخاطر كبيرة، لأن أي مسؤول بعد الآن سيضع نصب عينيه مستقبلا، عدم التعرض إلى المال السياسي".
وأوضح المتحدث أنّ "أي مسؤول يُقْدم على هذه الخطوة سيخشى من أن يكون مصيره مثل مصير تبون".
ورأى أن الأمر من شأنه أن يؤسس لمرحلة مقبلة غير معهودة في الممارسة السياسية بالجزائر.
وأشار إلى أن البلاد ستشهد تداخلا أكثر بين المال والسياسة من أي وقت مضى.
+ There are no comments
Add yours