خريجي الأزهر ترصد إصدارا إرهابيا جديدا للمتطرفين .. والمنظمة: مصر آمنة بوعد الله ورسوله .. لا يضرها كيد كائد ولا تدبير خائن

1 min read

كتب- محمد رأفت فرج

لا تزال الجماعات الإرهابية والمتطرفة تروج الأكاذيب، وتبث الأفكار المنحرفة عن صحيح الدين، زاعمين أنهم أهل الجهاد، وأهل النجاة يوم القيامة، في حين أن رسول الله ﷺ قد بين مآلهم ومصيرهم حين قال: «إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم» [رواه مسلم] 
فقد أصدر الإرهابيون تسجيلا مرئيا جديدا بعنوان «عهد وثبات 2» بصوت الإرهابي أبي هاجر المصري، تضمن التسجيل المرئي ما يلي: 
بدء التسجيل بتلاوة للقرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]. 
أراد الإرهابيون من ذكر تلك الآية الكريمة في افتتاح الإصدار أن يوحوا للمستمعين أن القرآن الكريم أمر المسلمين جميعا بالقتال في كل حين لجميع الناس، وأن ذلك فرض عين عليهم مهما كرهوه، محاولين إيهام الناس بأنهم هم وأمثالهم من المتطرفين هم الذين يقومون بهذا الفرض الإلهي دون غيرهم، وأنهم يقاتلون لأجل طاعة الله تعالى، وتنفيذ أمره.
وهذا كلام فيه من المغالطات ما لا يخفى على طالب علم صغير، قال الإمام البغوي رضي الله عنه في بيان تلك الآية: «واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال عطاء: الجهاد تطوع، والمراد من الآية أصحاب رسول الله ﷺ دون غيرهم، وإليه ذهب الثوري، واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: ﴿فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى﴾ [النساء: 95]. ولو كان القاعد تاركا فرضا لم يكن يعده الحسنى. وجرى بعضهم على ظاهر الآية وقال: الجهاد فرض على كافة المسلمين إلى قيام الساعة… وقال قوم وعليه الجمهور: إن الجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، مثل صلاة الجنازة ورد السلام، قال الزهري والأوزاعي: كتب الله الجهاد على الناس غزوا أو قعودا، فمن غزا فبها ونعمت، ومن قعد فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر، وإن استغني عنه قعد».

فاتضح من كلامه رضي الله عنه:
أن الآية لا توجب على جميع المسلمين القتال، وإنما توجبه على من تعين لذلك من جند المسلمين وجيشهم، إذا أمر ولي الأمر رئيسا أو ملكا أو أميرا بالقتال، إذ إعلان الجهاد من أحكام الإمامة، فلا خلاف بين المسلمين في أن سياسة الجهاد، إعلانًا، وتجهيزا، وتسييرًا، وإنهاء، كل ذلك داخل في أحكام الإمامة، وأنه لا يجوز لأي من أفراد المسلمين أن يستقل دون إذن الإمام ومشورته في إبرام شيء من هذه الأمور، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» [رواه مسلم].
أن قتال المسلمين لا يكون إلا لمن قاتلهم واعتدى عليهم، وليس لجميع الناس على وجه البسيطة، بل قتالهم لدفع من اعتدى، وردع من بغى، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: 190].
أن الكلام في الجهاد عند تحقق شروطه ووجود أسبابه، أما عند انعدام الشروط والأسباب فلا يطالب أحد بقتال ولا نفير. 

بدء التسجيل كذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ  فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ  وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111]. 
يحاولون بذكر هذه الآية الكريمة في غير موضعها إغراء الشباب بالانضمام إليهم، طمعا في وعد الله تعالى لهم بالجنة، وهو استعمال للنص الشريف في غير موضعه، وتنزيل له على غير منزله، افتراء على الله تعالى ورسوله، وحكما بالهوى، ونسبة ما لم يقله القرآن إليه.
 والكلام واضح في أنه في المجاهدين الذين يجاهدون وفق أوامر الله تعالى ورسوله ﷺ لا أولئك الذين يخرجون على المسلمين يسفكون دماءهم ويدمرون بيوتهم. قال الإمام البغوي رضي الله عنه في بيان هذه الآية: « لما بايعت الأنصار رسول الله ﷺ ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل؛ فنزلت هذه الآية».

ذكر التسجيل حديث رسول الله ﷺ: «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو: مات على شعبة من النفاق»، وحديثه ﷺ: «إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض». 
يحاولون الاستدلال بهذا الحديث الشريف في غير موضعه على ما يدعونه من  البهتان والكذب، إيهاما للشباب بأن الإنسان لا بد أن يقاتل ويغزو، وأنه إذا لم يفعل ذلك فهو من المنافقين، وحسبنا ردا لهذا الكلام ما قاله عبد الله بن المبارك رضي الله عنه في بيان هذا الحديث: «فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله ﷺ». فمعناه أنه حكم خاص بأصحاب النبي ﷺ. وإن قيل إنه حكم عام، فالمقصود به عند تحقق شروط الجهاد، وأسبابه ودواعيه، مع توفر أدواته.

دعا التسجيل العناصر الإرهابية فيما أسموه ولاية الشام خاصة، وجنود الخلافة المزعومة عامة: إلى الثبات على هذا الطريق، قائلا: امضوا كما مضى النبي ﷺ على هذا الطريق، إنكم على الطريق الحق، واستعينوا بالله واصبروا. 
ولا نملك إلا أن نقول: إن الذي ينشر أسباب الرعب وعوامل القتل بين المسلمين البرآء، باسم الجهاد في سبيل الله أو الانتصار لدين الله، لا بد أن يعلن أولا عن موقفه من حديث رسول الله ﷺ الذي يقول فيه: «..من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني»[رواه مسلم].
أجل.. لا بد أن يوضح لنا كيف يكون الرجل خادمًا لدين الله منضبطًا بأوامر الله وحدوده، ثم يكون مع ذلك ممن يخالف أمر رسول الله ﷺ فيخرج على أمته، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى مؤمنها؟!
كيف يكون الواحد من هؤلاء مجاهدًا في سبيل شرع الله، عن طريق تحطيمه العملي المعلن لأوامر رسول الله ﷺ ؟!
إن السبيل الوحيد لتخلص هؤلاء الناس من هذا من الوهم الذي يعيشون فيه، هو أن لا يمتطوا الإسلام إلى أهدافهم الشخصية، وأن يصرحوا ـ كزملائهم الآخرين ـ بطموحاتهم السياسية، وينافسوهم على طريق السعي إلى الحكم بقوة متكافئة ومطايا متشابهة. 
فإن هم أبوا إلا أن يمتازوا عن زملائهم بحمل ورقة الإسلام ودعوى الدفاع عن دين الله، فلا بد أن ينضبطوا بأحكام الإسلام الذي يقولون إنهم دعاته وحماته، وساعتها لن نجد أصرح من هذا الحديث الصحيح الذي يضبطهم فيه رسول الله ﷺ بنقيض ما يقولون وخلاف ما يوهمون.

شدد التسجيل على الثبات على مبايعة أميرهم أبي بكر البغدادي، وأرسل للبغدادي نداء أن يمضي في الطريق وأنه ما زال أميرهم . 
وبغض النظر عن أن الخلافة من فروع الشريعة لا من أصولها، وبغض النظر أيضا عما قرره الفقهاء من كونها نظاما ليس ملزما في الحكم وأن أي نظام يحقق مصلحة المسلمين مما يتفقون عليه فلا حرج فيه، وبغض النظر عن أن وحدة المسلمين لا تتوقف على وجود خلافة أو عدمها بشهادة التاريخ.
نقول: بغض النظر عن هذا كله، من يكون هذا البغدادي الدعي المجهول العين والحال، وهل من عاقل يقول إن خليفة المسلمين يكون شخصا مجهولا لا سابقة له في خدمة دين ولا وطن ولم يسمع به أحد من قبل، ولا يعرفه إلا مجموعة من المرتزقة المجلوبين من بلاد شتى، ثم يدعي أنه خليفة على مليار ونصف المليار من المسلمين؟!!

وجه المتكلم في التسجيل إلى أهله أنه عندما يقتل يكون من الشهداء، وأن شهادته سعادة لأفراد الأمة الإسلامية. واستشهد بقول النبي ﷺ: «للشهيد سبع خصال ويشفع في سبعين من أهل بيته». 
وهذا أيضا من أعجب الكلام، فإن ادعاء الشهادة لشخص معين لا يجوز إلا لمن شهد له النبي ﷺ أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم الإمام البخاري رضي الله عنه لهذا بقوله: «باب لا يقال: فلان شهيد». قال في الفتح 90/6: «أي على سبيل القطع بذلك، إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيداً، ولعله قد يكون أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلك، ولكن قولوا كما قال رسول الله ﷺ: «من مات في سبيل الله أو قُتل فهو شهيد»، وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر».اهـ. كلامه. 
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيداً أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي ﷺ مشيراً إلى ذلك: «مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله»، وقال: «والذي نفسي بيده لا يُكْلَم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً اللون لون الدم، والريح ريح المسك» [رواهما البخاري من حديث أبي هريرة].  
فهذا كلام العلماء فيمن ادعى الشهادة لمن قاتل مع المسلمين تحت قيادة الصحابة لتكون كلمة الله هي العليا، فكيف بمن قاتل تحت راية رجل مجهول، وسفك دماء المسلمين، وخرب بلادهم؟! إن هذا لا يصدق فيه وصف الشهادة، بل يصدق فيه قول النبي ﷺ : «من قاتل تحت راية عِمّية فمات فميتته جاهلية» [رواه مسلم]. 


توعد المتحدث في التسجيل وهو يرتدي سترة ناسفة: أن يثأر لقتلاهم من أفراد الجيش والشرطة، وأن النصر قادم لا محالة، ويدعو المصريين إلى البعد عن مراكز الشرطة والجيش لأنهم مستهدفون من قبل التنظيم. 
وهذا التصريح هو أكبر دليل على مدى الضعف الذي وصل إليه هؤلاء، بعد الهزائم المتتالية التي أصيبوا بها على أيدي رجال الجيش والشرطة المصرية البواسل، فهم لا يملكون إلا أن يهددوا ويتوعدوا، في محاولات بائسة منهم لبث روح الخوف في نفوس عوام الناس، وإثبات أنهم لا يزالون موجودين، وهذا ما لا ينبغي أن يسمع الناس له، بل مصر آمنة مطمئنة، آمنة بوعد الله، وآمنة بوعد رسوله ﷺ ، وآمنة بشجاعة جيشها، وآمنة بصلابة أبنائها، لا يضرها اعتداء معتدٍ، ولا كيد كائد، ولا تدبير خائن.

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours