*** إيران أسست لقاعدة سياسية وإعلامية وثقافية تسمح لها بالبقاء لعقود أخرى في العراق
*** قرار بقاء القوات الأجنبية في يد العراق لكنه لا يزال بحاجة إليها
*** السعودية تمتلك خبرات في حماية الحدود يمكن أن يستفيد منها العراق
*** السوق العراقي هام للبضائع الإيرانية والتركية على حد سواء
حوار: أبوبكر أبوالمجد
العراق.. دولة إسلامية عريقة ضاربة في جذور تاريخ كوكب الأرض كله، وليس العالم العربي والإسلامي، وحسب.
مرت منذ 2003 باضطرابات وصراعات أمنية وعسكرية، وهددتها التنظيمات الإرهابية الموالية لإيران وداعش.
ولا تزال هذه الاضطرابات والتهديدات قائمة، قطعتها زيارة بابا الفاتيكان، والتي رأى خبراء أنها ربما تكون نقطة تحول في عهد جديد للعراق على مستوى الاستقرار الأمني والسياسي.
إذا تبقى العراق بقعة مليئة بالأسرار والمفاجآت، والتي نحتاج إلى كشفها من خلال أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها.
ومن أجل تسليط مزيد من الضوء حول مجريات الأحداث في العراق، والدور الإيراني والأمريكي وكذا التجاذبات بينهما إضافة للأتراك والسعوديين، أجرينا حوارًا مع مدير المركز الجمهوري للدراسات الإستراتيجية في بغداد، د. معتز محيي عبدالحميد.
— كيف ترون الوضع الأمني في العراق حاليًا؟
لم يتم القضاء على تنظيمات داعش، والفكر الداعشي لا يزال موجودًا بين الشباب، خاصة وأن هناك بيئة ملائمة خاصة في غرب العراق، وخاصة ديالى وتكريت، وذلك لفقد الكثير من القرى للأمن وعدم عودة أبناء هذه القرى إلى مساكنهم وعدم وجود أي ضمانات أمنية تكفل حمايتهم.
كما أن الحكومة غير قادرة على إقامة استثمارات زراعية وصناعية تحيي القرى والمدن، وتكفل للشباب فرص عمل ووسيلة عيش كريمة لهم، ما يفتح الباب أمام داعش وتنظيماتها لاستقطاب الشباب بالمال، وهو متوفر لدى هذا التنظيم وما شابهه.
وكما ذكرت داعش موجودة، ولا تزال عناصرها المسلحة تقوم بعمليات كر وفر ضد الأمن والحكومة العراقية، خاصة تلك القوات التابعة للحشد الشعبي، والقوات العراقية المسلحة، أو الشرطة الاتحادية.
ولكن القوات المسلحة والأجهزة الاستخباراتية، كشفت مؤخرًا عن تحركات مهمة لقوات داعش وخلاياه وقياداته، وحتى المخابئ السرية، كما تمكنت من رصد المسلحين، وقتل الكثيرين منهم، بالتعاون مع الأمريكان، ومساعدت طائراته، كما حدث في حمرين وكركوك وديالى وغيرها.
إذا المحصلة جيدة حتى الآن بعد تغيير الخطط الأمنية السابقة، ومساعدة ناتو الذي يكرس جهوده أكثر في الوقت الحالي لمساعدة العراق، بوجود 4 آلاف جندي له، وستساعده في توفير المعلومات الاستخباراتية، وتدريب القوات العراقية.
— وماذا عن تقييمكم للدور الإيراني في العراق؟
إيران موجودة في العراق ضمن اتفاقيات أمنية وسياسية واقتصادية، وهي لاعب مهم في الوقت الحاضر ومنذ 2003، وقبلها، فلا يجب أن ننسى الحرب العراقية الإيرانية، وتدخلات إيران في الشؤون العراقية، وإلى الآن لا تزال تمتلك القدرة على استقطاب مجموعات كبيرة جدًا من الأحزاب الدينية، في كل مناطق العراق الجنوبية والغربية، بالتموين والتأثير، وقد قامت بالإنفاق بسخاء على تأسيس العديد من المراكز البحثية، والفضائيات التي تعد واجهتها أحزابًا عراقية؛ غير أنها في الأصل موالية وتابعة للسياسة الإيرانية.
فكل هذه المنظومة لا مهمة لها سوى خدمة مصالح إيران في العراق، ولذا فدورها موجود وباق عبر كل هذه الوسائل التي أنشأتها ودعمتها ولا تزال تدعمها، فضلًا عن الاقتصاد والتجارة، حيث أغرقت إيران الأسواق العراقية ببضائعها، منذ 2003، وإلى الآن.
— ألا ترون أن من يراهنون على إيران كمن يراهنون على أمريكا في استتباب الأمن والاستقرار بالعراق؟
الدور الأمريكي حقيقة يختلف عن الدور الإيراني في استتباب الأمن، فالعراق يربطه منذ قرار الرئيس الأمريكي باراك أورباما، سحب القوات الأمريكية منه اتفاقيات أمنية، وهذه الاتفاقيات نصت على ضرورة الإبقاء على وجود قوات أمريكية في بعض المواقع تم تحديدها في هذه الاتفاقيات، ولذا أنشئت قواعد أمريكية، مثل قاعدة “عين الأسد” الضخمة جدًا، غرب الأنبار، وأيضًا، معسكرات قريبة من مطار أربيل، في مناطق كردستان، وكذلك في مناطق أبوغريب والتاجي وغيرها، فالعراق احتاج ويحتاج دائمًا مساعدة دولية في حربه ضد تنظيم داعش، وهذا ما يدفع العراق إلى تجديد الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لوضع ترتيبات ما بعد الحرب على هذا التنظيم، وهذا كما ذكرت يعتمد على التخطيط والعمل اللوجيستي المشترك ضد داعش، والقضاء على الإرهاب في هذا البلد.
ولكن في رأيي لا تزال توجد ثغرات في هذا العمل الأمني، لم يستطع حتى الآن لا العراق، ولا الولايات المتحدة السيطرة عليها، بسبب وجود ثغرات في الحدود العراقية السورية، والتي تمتد لمسافات كبيرة جدًا، والجانب السوري في هذا الوضع لا يستطيع مساعدة العراق في وضع حد للخروقات الأمنية على امتداد هذه الحدود، وتسلل المسلحين، والذين يقدر عددهم بـ20 ألف مقاتل في سوريا، وكذلك أطراف المدن الساقطة في يد مجاميع مسلحة سورية، وتركية وإيرانية.
كل هذا يحيل دون استتباب الأمن والسيطرة على الحدود ويتطلب كذلك إقامة علاقات مهمة مع كل دول الجوار وخاصة مع المملكة العربية السعودية والأردن، ومع تركيا.
فهناك قواعد تركية في بعشيقة تستغل في الوقت الحاضر من قبل القوات التركية لمطاردة البي كيه كيه (حزب العمال الكردستاني)، والذي له مواطن منذ فترة طويلة في مناطق جبال قنديل، وشمال دهوك، وكذلك دخل بصورة تكتيكية مع إقليم كردستان إلى منطقة سنجار.
ولا شك أن تدخل مليشيات الحزب الكردي التركي هي الأخرى على الخط أثر على استتباب الأمن في هذه المناطق، وسمح للأتراك بالتدخل باستمرار في العراق بعمليات نوعية ونمطية تؤثر على المدنيين في القرى القريبة من هؤلاء المسلحين، حيث تطلب تركيا دائمًا من الحكومة العراقية مساعدتها في إلقاء القبض على هذه العناصر الإرهابية، في ظل أيضًا اتفاقيات ضمنية مع الجانب التركي وقعت في السابق، وزيارة وزير الدفاع التركي أكد على هذه الاتفاقيات، بحيث يسمح العراق لتركيا بالقيام بمثل هذه العمليات الأمنية لحصار عناصر البي كيه كيه، والحد من خطرها وقدرتهم على التوسع ومجابهة القوات التركية داخل تركيا.
لذا من هذا المنظور نجد أن مستقبل العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة محدد ضمن الاتفاقيات الأمنية الموقعة خاصة تلك التي كانت في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والتي تتضمن تدريب وتسليح القوات العراقية؛ لأن القوات العراقية في الوقت الحاضر تعتمد على الأسلحة الأمريكية، وبحاجة إليها، ولتجديدها من حين لآخر؛ فضلًا عن التدريب في المعسكرات التي هيئت لهذه المهمة، وتواجدها من مناطق قريبة من بغداد ومناطق أخرى.
إذا قرار إخراج القوات الأجنبية بغض النظر عن هويتها يعود إلى العراق وإلى حكومته بالذات، ولهذا ليس غريبًا أن نجد مطالب من البرلمان بإخراج القوات الأمريكية والتركية؛ ولكن يبدو أن الحكومة العراقية بحاجة إلى وجود هذه القوات في الوقت الحاضر، كونها لا تستطيع الآن مجابهة أو فتح جبهة صراع جديدة مع القوات الأمريكية والتركية، ولذا تلجأ إلى التعاون وتبادل المعلومات، وتوجد خلية استخباراتية رفيعة المستوى موجودة بالعراق منذ أربع سنوات، تضم روسيا وإيران وسوريا والعراق، تجدد المعلومات حول تحرك العناصر الإرهابية المسلحة وتواجدهم في المنطقة.
— كيف ترون مستقبل الأمن العراقي في ظل التجاذبات الاقليمية بين إيران من جهة وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى؟
الأتراك دائمًا يركزون أيضًا على التعاون الاقتصادي والبضائع التركية موجودة وبكثرة وباب الأسواق العراقية مفتوح على مصراعيه أمامها، وهناك استثمارات كبيرة جدًا أيضًا للعراق في تركيا.
محور التجاذبات إيران وتركيا والولايات المتحدة، هذه التجاذبات انعكست على القرار السياسي العراقي ودور الأحزاب المستقبلي في تنظيم هذه العلاقة على الأرض؛ لأن هناك أزمة الملف النووي الإيراني، والتي خلقت أوضاع غير مستقرة أيضًا نظرًا للعقوبات الأمريكية والأممية المفروضة على إيران، مما خلق وضعًا قلقًا إضافة إلى الاستمرار في ضرب مجاميع تابعة لإيران في العراق، ما دعا القيادة العراقية للأمريكان والإيرانية للتهدئة، وعدم جعل الأراضي العراقية ساحة لتصفية الحسابات والصراعات بين البلدين في المستقبل، وحتى يكون العراق آمنًا وسببًا في خفض الاحتقان بين البلدين والتصعيد، كما يجب احترام رغبة العراق في الاستقرار وعدم رغبته التدخل في شؤون أي دولة، وأن يكون هناك تفهمًا أمميًا لذلك.
ولذا فالعراق منكب على أمنه واستقراره واحترام هذه الأرضيات من الاتفاقيات التي تربطه بهذه الدول جميعها.
وأخيرًا أؤكد أن الحكومة في الوقت الحاضر اتخذت تدابير أمنية كبيرة جدًا في مناطق استراتيجية جدًا بالعراق، حتى تثبت للعالم أن الحكومة العراقية الحالية تختلف عن أي حكومة سابقة، وأنها قادرة بالفعل على تحقيق الأمن والاستقرار، وليس أدل على ذلك من استقبالها لبابا الفاتيكان، والعراق يطمح أن تكون هذه الزيارة بداية جديدة لرؤية واقع أمني ونقطة تحول حقيقة للعراق حول العالم، وأن العراق بكل طوائفه واختلاف دياناتها، والمسارات السلبية والارتباك الذي حدث في السابق، قادر على أن يكون للجميع ودار أمن وأمان لهم جميعًا.
— هل يمكن أن تكون السعودية حلًا من الحلول التي تمنح العراق حالة من الاستقرار والسلام ؟ وكيف ذلك؟
الدور السعودي مهم جدًا، والعلاقات العراقية السعودية شهدت قفزات كبيرة في العامين الماضيين، تمخضت عن تأسيس المجلس التنسيقي بين البلدين، وتبادل الزيارات بين كبار المسؤولين كان آخرها زيارة كل من وزيري الخارجية والداخلية إلى الرياض قبل أيام قلائل، وكذلك زار رئيس أركان القوات السعودية العراق، للتنسيق حول اتمام عمليات تأمين الحدود المشتركة، والدور السعودي والعراقي في حمايتها، والعمليات الأمنية والعسكرية المشتركة لا سيما المتعلقة بتبادل المعلومات والخبرات، خاصة وأن العربية السعودية قطعت شوطًا كبيرًا في مجال حماية حدودها، سواء بالكاميرات الحرارية او الذكاء الاصطناعي، وسوف يستفيد العراق من هذه التجارب في حماية حدوده المشتركة ليس فقط مع السعودية، وإنما مع الأردن وسوريا، إضافة إلى مكافحة التسلل والإرهاب وتنقل الدواعش بين البلدين.
إذا فالعلاقات مع السعودية مهمة جدًا في التهدئة وأمان الحدود العراقية وجلب الاستثمارات السعودية للعراق، وهو قائم الآن في الناصرية وبادية السماوى، في العديد من المجالات، والسعوديون يركزون على الأسواق العراقية لتصدير البضائع لها، وكذلك إنشاء الملاعب والصناعات التحويلية، وللسعودية باع في هذا المجال، والعراق بحاجة إلى مثل هذا الدور.
وبتصوري إن الدور السعودي سيكون له سياسات خاصة ستنتهي بعقد اتفاقيات أمنية وأستراتيجية ربما برعاية أممية لأجل خدمة مصالح البلدين أمنيًا واقتصاديًا.
+ There are no comments
Add yours