مريم رحيم باحثة في الشئون الأوروآسيوية
كان القوقاز و مازال حتى الآن مسرحاً لصراع الدول الكبرى المحيطة به من كل الجهات، بهدف السيطرة على هذه المنطقة الهامة الغنية بالموارد الاقتصادية و الموقع الجغرافي الاستراتيجي.
هذا الصراع للدول الطامعة فى القوقاز تجاوز القوى التقليدية المحيطة به مثل روسيا و إيران و تركيا ليجذب إليه قوى أخرى فى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية التى أصبحت مستفيدة اقتصادياً و إستراتيجيا من تفكك الاتحاد السوفييتي.
لذلك فإنّ حالة عدم الاستقرار التى تشهدها منطقة القوقاز و خاصة النزاع حول منطقة قره باغ الجبلية منذ تفكك الدول السوفيتية الاشتراكية تؤخذ عادة كذريعة للتدخل و التنافس لأجل مصالحها المتعاظمة فى منطقة القوقاز.
وإقليم قره باغ، يقع فى جنوب غرب أذربيجان، والصراع القائم فيه يدور بين أذربيجان و أرمينيا حول الجزء الجبلى، وإذا تعمقنا فى معنى إسم هذا الإقليم، سنجد أن كلمة قره أو qara بالأذربيجانيه تعنى أسود و باغ أو Bağ تعنى حديقة، إذا أصل التسمية الأصلية أذربيجانية.
ذلك يعنى أن قره باغ تختص بشعب أذربيجان دون غيره من الشعوب الأخرى.
الصراع فى قره باغ ليس حديث العهد و لكنّه يعود إلى أكثر من 200 عام، فمنذ إنتهاء الحرب الروسية الإيرانية عام 1828، قامت روسيا بتوطين قسم كبير من أرمن إيران فى مناطق مختلفة من هذة المنطقة ومن ضمنها قره باغ الجبلية التابعة لجمهورية أذربيجان.
أصبح بعد ذلك للجاليات الأرمينية صوٌت لتطالب بحقها فى الأراضى الاذربيجانية، وقدمت هذه المشكلة على أنّها قضية رأى دولى وأنّها مشكلة نزاع قومي.
هذا يجعلنا نشبه ما يحدث من الأرمن بمثل ما يحدث من الإسرائيليين. ووجه التشابه يكمن فى التخريب و التدمير و خلف الوعود والنكوص بها ورفض كل الحلول السلمية، وتعليق قرارات المنظمات الدولية بالنسبة إلى جانب وفرض الحصار والتجويع و التهميش على الجانب الآخر.
ومن أوجه التشابه كذلك، أنّ القضية الفلسطينية وقضية قره باغ تخصان العالم الإسلامي من جهة، والجانب الصهيوني والأرميني المنتميان إلى العالم الغربى من جهة أخرى، وكلا الكيانين الصهيوني والأرميني، تم زراعتهما وسط تلك المناطق بهدف تقطيع أركان المنطقة وتشريد أهاليها.
فى عام 1988 بسطت القوات الأرمينية نفوذها على إقليم قره باغ الجبلى الأذربيجانى عقب نزاع مسلح، وعلى سبع محافظات أذربيجانية أخرى مجاورة.
توصل الطرفان فى إطار مجموعة المينسك التى تضم روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994. وتبنى مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات تُدين الاحتال الأرمينى لأراضي أذربيجان، وتطالب أرمينيا بالانسحاب الفورى دون شروط من أراضى أذربيجان التى تحتلها، كما تطالب بعودة اللاجئين المهجّرين من السكان الأذربيجانيين الذين فروا من بطش القوات المسلحة الأرمنية.
لكن أرمنيا لم تمتثل لهذه القرارات، تمامًا كما تفعل إسرائيل، وضربت بكل هذة القرارات عرض الحائط.
تتجدد الاشتباكات بين الحين والآخر بين الجانبين الآذري والأرميني، وكان آخرها أمس السبت، الموافق الثاني من أبريل، حيث كشر الجيش الأذربيجانى عن أنيابه و اتخذ القرار بالخروج عن صمته والدفاع عن الأراضى المحتلة من قبل الجيش الأرميني، والتى تبلغ خمس مساحة أراضى أذربيجان.
وبالفعل تمكن الجيش الأذربيجاني، من قتل وإصابة أكثر من 100 جندى أرميني، فى ساعات قليلة، وهذا وإن دل فإنّما يدل على أنّ صبر الآذريين قد نفذ مما عانوه من الظلم فى السنوات الماضية، وأنّهم كانوا ولا زالوا على استعداد تام لاسترداد تراب بلدهم المغتصب؛ لكنهم آثروا السلام طوال عقود خلت.
و المعروف أنّ الأرمن اخترقوا وقف إطلاق النار أكثر من مرة، والآن جاء دور الجيش الأذربيجانى فى الرد على سقوط أبنائه واحدًا تلو الآخر بدم بارد.
وهذا بجعلنى أتذكر ما قامت به روسيا، أول وأهم حليف لأرمينيا، وتعمدها اختراق المجال الجوى التركي مرارًا، أثناء تدخلها في سوريا، ما اضطر الأتراك في النهاية من الرد وبقوة، واسقاطها مقاتلتين روسيتين، ما جعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، يتألم بقوة، حتى وصف رد الفعل التركي بالطعنة التى أخذها فى ظهره.
هذا يجعلنا نتساءل.. هل الخروقات المتكررة من الأرمن لوقف إطلاق النار، كان بغرض جر الروس لمواجهة أذربيجان، وبالتالي إقدام الأتراك وحلفائهم على التدخل، فتقع حرب كبرى في هذه المنطقة؟ أم أنّ الصراع سيظل مقصورًا على كلا البلدين؟
+ There are no comments
Add yours