شيماء عمرو باحثة وكاتبة صحفية
كانت أحداث نهاية العالم.. تنهار الجبال.. تنطبق السماء على الأرض.. أُبيد البشر.. كل ما كنت أشعُر به هو أنني أركض وكأنني أطير بدون جناحات.. تُفرش لي الأرض وهي أيضًا تجري من تحت قدمي التي تكاد تلامسها.. يبدو أنَّها كانت تُساعدني.. تخبرني: “انهضي.. أسرعي، أقبلي..” لأجد بيت جدي الذي طالما كان عامرًا بقراءة القرآن كما هو، في محيط يُخيم عليه السلام، والسكون والطُمأنينة.
يأتي أمامي الماء لا أعرف من أين؟ وأتوضأ، لطالما كانت تحتضني، وتُحصني هذه الرؤية ليلًا، في تلك الأيام الخوالي التي انتُزع مني فيها “حجابي”، ليشتد إيماني به، وأذوق حلاوته، ومن يعرف لذة النعم سوى المحروم منها، أدركت أنَّه ليس مُجرد قطعة من القماش؛ بل “حياة…نعيم الله في الأرض” أي سكن نفسي كنت أشعر به حينما كنت أنظر إلى المرآة.
تَعُود.. أرغمك عليه أهلك
تبرق عيناي وتطمئن نفسي حينما كنت أري نورًا على وجه من يكبرونني سنًا وهم يتحلون بالحجاب.. كنت أشعُر أنَّه يُزدهُن جمالًا. بين الحين والآخر أقف أمام المرآة طفلة تعبث بملابس والداتها وجدتها.. أتحلي بالحجاب على ملابسي القصيرة، وفستاني ذو “الحمَّالات”، أشعر أن وجهي قد تغير للأجمل طبعًا، لا أقصد المعايير المادية للجمال؛ بل السكينة والطمأنينة، والهدوء، نشوة داخلية، كأنني أقف في وسط بستان، عامر بالأشجار المُزهرة، أطير بجناحي الصغيرين ويُطاردني عبقها، بينما تُداعبني الشمس بأشعتها التي تنعكس على وجهي، وعيناي ، تنطلق في أرجاء المكان ضحكاتنا.
“فستان قصير يُغطي أسفل الركبة بمقدار قليل، لونه أصفر فاتح، منقط باللون الأحمر الداكن، أكمامه قصيرة، ووشاح أبيض اللون” كان هذا أول حجاب لي في حياتي، حسبما كان يترأى لطفلة، لم يأمرن به أهلي، ولم يأمرن به ربي حينها فلا زلت صغيرة لم أتجاوز الحادية عشر من عُمري؛ بل شكلي يوحي بأنني “أصغر من ذلك…لا زلت أتذكر فرحة ذلك اليوم. “لا والله …..لم يكن تعودًا ولم يُرغمني عليه أهلي”
صراع نفسي
أتعجب ممن يتخلين عن حجابهن بمحض إرادتهن، يعتبرنه قيدًا يُكبل حُريتهن، “أليست الحرية هي الستر”، ضربًا من الخصوصية أنعم بها، لست مُطالبة بالشق عمَّا يختلج صدور الرجال لأحدد من أصافحه باليد ومن لا فكلهم سواء “أنا حرة .. لا أصافح”، ديني يُدافع عني ويدعم موقفي؛ بل ليس من حق أحد أن يغضب.
“أنا حرة..لا أُحب الاختلاط” الهمجي المُفتقر للضوابط التي تحفظ كرامتي؛ لقد رفع حجابي عن كاهلي عناء البحث عمَّا إذا كان من أمامي يُعاني اضطراب الشخصية السيكوباتية، أو النرجسية، يدمن الفتوحات العاطفية، ويستعذب استغلال الجنس الآخر. قد أوصد حجابي الحصون في وجوههم خوفًا علي. “أنا حرة فصوت ضحكاتي ليس مشاعًا..”، لم يكن الوشاح يُفارق حقيبتي.. كلما سنحت لي الفرصة عدت لأحضانه …لم أكترث يومًا لنظرات من حولي ساعة حاسرة الرأس، وأخري بحجاب.. آه لو تعلمون ما بي.
النجاة من الأسر
كانت الأرض تجري من تحتي وكأنها تود الإسراع في خلاصي، ربما صَعِبتُ عليها.. لكن هذا ما حدث في الواقع كل الظروف كانت مُهيأة لأنجو من الأسر.. تكسرت القيود.. أدركت حينها معني أنَّ لله جنودًا في الأرض، يومها كنت واهنة هشة، ليس أمامي من سبيل، عاجزة، بمعايير البشر؛ لكن الواقع كان كما الحلم تمامًا … بالفعل كانت تطوي الأرض من تحتي وسرعان ما عدت لبيت جدي.. واحتضنني حجابي.
+ There are no comments
Add yours