منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والإدارات الأمريكية المتعاقبة تنشر قوات من الجيش في بلاد كثيرة حول العالم رغبة في تحقيق أمن الأمريكيين.
إلا أن تلك التطورات أثارت تساؤلات حول مدى التوازن بين الخبرات العسكرية والمدنية، والذي يراه خبراء بمثابة صمام الأمان للديمقراطية الأمريكية.
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية حاولت الإجابة عن هذه التساؤلات في مقال تحليلي نشرته مؤخرًا تحت عنوان "تقديس الجيش يضر الديمقراطية".
وقالت المجلة إن "الفجوة بين الخبرات المدنية والعسكرية في الولايات المتحدة على مدار 17 عامًا منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 أدت بشكل تدريجي إلى ظهور آراء تشير إلى تآكل الثقة في القيادة المدنية لسياسة الدفاع في البلاد لصالح القيادة العسكرية".
وأوضحت أن تلك الآراء "تشكلت من واقع التفضيل الفائق للجيش على كافة أنواع أذرع الخدمات العامة الأخرى في البلاد، حتى أن الخبرة الميدانية في ساحات المعارك باتت الأكثر موثوقية لخبرات السياسة العسكرية، فيما بدت الخلفية المدنية الخالصة غير كافية للقيادة الدفاعية الاستراتيجية في الولايات المتحدة".
وأضافت المجلة أن هذه الآراء باتت تغذيها كل من المجتمعات العسكرية والمدنية على حد سواء، وأصبحت تؤثر على الرأي العام وكذلك مواقف العاملين في مجال الأمن القومي.
وأشارت إلى أن "هذه الأساطير (تقديس الجيش) هدامة أكثر منها بناءة، وإذا لم يتم الاعتراف بها وتحديدها ومعالجتها، فقد يواجه القادة المدنيون في المستقبل صعوبة في السيطرة على استخدام القوة – وهي مشكلة عميقة في نظام ديمقراطي".
ولفتت المجلة إلى أن اهتزاز الثقة في القيادة المدنية "سيؤدي إلى إضعاف الأمن القومي للولايات المتحدة بل والجيش نفسه".
كما اعتبرت أن "الأسطورة التي يؤمن بها معظم الأمريكيين هي فكرة أن الخدمة العسكرية تتصدر التسلسل الهرمي للواجبات المدنية".
واستشهدت المجلة باستطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث (مقره واشنطن) في عام 2011 وكشف أن 83 بالمئة من البالغين الأمريكيين يعتقدون أن الأفراد العسكريين وعائلاتهم اضطروا إلى تقديم تضحيات منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، لكن في الوقت نفسه، اعتقد أقل من نصف السكان أن الرأي العام الأمريكي يشاطر العسكريين عبء الحرب.
وأشارت إلى أن هذا المفهوم بدأ يشكل تصورًا بوجود عجز في الجانب المدني من المجتمع الأمريكي.
قداسة الجيش
المجلة أكدت أن فكرة "تقديس الجيش" بدأت تتغلغل في ثنايا المجتمع بمختلف قطاعاته حتى أنها وصلت إلى مجال الإعلانات التلفزيونية عن الأحداث الرياضية المهمة بل والإعلانات التجارية التي غالبًا ما تتضمن مشاهد عن أفراد من الجيش أثناء تأديتهم الخدمة.
وامتد الأمر إلى منح الأفضلية للمحاربين القدامى في رحلات السفر الجوية، حيث تُعطى لهم الأسبقية في صعود الطائرات، كما تقدم سلاسل المتاجر عروضًا خاصة لهؤلاء المحاربين دون غيرهم، كذلك فإن قضايا المحاربين تتصدر أولويات العطاء الخيري للعشرات من المؤسسات الخيرية الكبرى.
وتقول المجلة إن "الإعجاب والتعبير عن الامتنان للخدمة العسكرية، لاسيما في زمن الحرب، هو ببساطة الشيء الصحيح الذي يجب أن يفعله المجتمع".
لكن في المقابل شددت على أنّ "الإعجاب بالخدمة العسكرية يتجاوز احترام المؤسسات الأخرى على المستوى الوطني وأشكال الخدمة الأخرى".
وتضيف "فورين بوليسي" أن قدامى المحاربين أنفسهم مستاؤون من تلك المسألة ولا يستمتع الكثيرون بذلك.
ونقلت عن كارل فورسلنغ، أحد المحاربين القدامى قوله: "لا أريد الصعود على متن الطائرة أولًا، ولا أريد مقعدًا من الدرجة الأولى، لا أريد الدخول المجاني إلى المتنزهات الترفيهية".
ووجد استطلاع للرأي أجراه معهد "غالوب" (مقره واشنطن) عام 2017، أن ثقة الأمريكيين في الجيش تصل إلى "أكثر من ضعف الثقة في الرئاسة وستة أضعاف الثقة في الكونغرس".
احتكار الثقة العامة
في هذا الشأن، ذكرت المجلة أن هذه الاتجاهات، مجتمعةً ، تعني أن "احتكار" الجيش للثقة العامة قد يولد إحجامًا عن مشاركة المدنيين في العملية الاستراتيجية العسكرية، وفي المقابل تغلغل الجيش في الحياة المدنية.
وشددت على أن الخبرة العسكرية هي بالفعل "فريدة من نوعها، لكنها ليست كل المعرفة".
وأرجعت المجلة هذه الثقة المفرطة في الجيش لأسباب منها إحباط قطاع كبير من الشعب من قادته السياسيين.
واعتبرت أن الأمريكيين باتوا يتشوقون لرؤية "أبطال" لرفع معنوياتهم.
+ There are no comments
Add yours