أبوبكر أبوالمجد
قبل ساعات خرج الرئيس الكازاخي نورسلطان نزارباييف على الشاشة ليعلن عن قرار فريد من نوعه في هذا العالم، فضلًا عن هذه الأيام وفي منطقة آسيا الوسطى تحديدًا.. لقد أعلن الرجل القوي والزعيم الكازاخي الذي لم يترك شيئًا يخدم من خلاله بلاده إلا وأتاه، ولا قرارًا لصالحها إلا واتخذه.. لقد أعلن نزارباييف استقالته!
تسليم الراية
أنجز رئيس جمهورية كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، الذي أعلن التنحي عن الرئاسة، إصلاحات اقتصادية حيوية حققت نموًا كبيرًا، على مدار ما يقرب من 30 عامًا.
فمنذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، إثر انهياره عام 1991، قاد نزارباييف (78 عاما) كازخستان، وهي دولة غنية بالنفط والغاز تعادل مساحتها (أكثر من 2.7 مليون كيلومتر مربع) مساحة دول أوروبا الغربية مجتمعة.
بشكل مفاجىء، قال نزارباييف في كلمة متلفزة: "لم يكن القرار سهلا (…) قررت التخلي عن سلطاتي كرئيس للبلاد".
لكنه سيحتفظ برئاسة كل من مجلس الدفاع الأعلى، حزب "نور أوتان" (نور الوطن)، وهو أكبر حزب سياسي في كازخستان، وعضوية الجمعية الوطنية، وهي تجمع كافة الأعراق والإثنيات، بحسب الدستور.
وبفضل وضعه الدستوري كـ"قائد الأمة"، وهو لقب منحه له البرلمان عام 2010، سيواصل نزارباييف لعب دور بارز في صنع القرار السياسي، وفقًا لمراقبين.
وجاء قرار التننحي رغم إقرار البرلمان، عام 2007، بقاء نزارباييف في منصبه لعدد غير محدود من الفترات الرئاسية، في بلد يسكنه قرابة 18 مليون نسمة، وله حدود مع كل من روسيا والصين.
لم يعلن نزارباييف، في كلمته، سببا لقراره التنحي، إلا أنه أعلن، عام 2017، اعتزامه تفويض بعض سلطاته للبرلمان ومجلس الوزراء، وهو ما اعتبره مراقبون حينها تمهيدا لانتقال سياسي محتمل.
وسيشغل رئيس مجلس الشيوخ، قاسم جومارت توكاييف، منصب الرئيس مؤقتا، إلى حين انتخاب رئيس جديد.
لعب نزارباييف دورا بارزا في تاريخ بلده، حتى بات يُلقب بـ"باني كازخستان الحديثة"، كما بذل جهودا مكثفة قادت إلى الحفاظ على التماسك الداخلي في بلد يزخر بتنوع عرقي وإثني كبير.
وحققت كازاخستان، خلال حكمه نجاحًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث ارتفع مستوى النمو 15 مرة، وزاد نصيب الفرد من الدخل 9 مرات، وانخفض عدد السكان تحت خط الفقر 15 مرة.
كما دخلت كازاخستان قائمة أكثر 50 دولة نموًا في العالم، وتحولت إلى مركز للعبور بين للقارات، بفضل استثمارات مميزة في البنية التحتية للنقل.
وبفضل إصلاحات لتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، أصبحت كازاخستان، التي جذبت 300 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، دولة رائدة في آسيا الوسطى.
وباتت كازخستان مركز سلام على الساحة الدولية، إذ أغلق نزارباييف موقع Semey، الذي استخدمه الاتحاد السوفيتي، لسنوات عديدة، لإجراء اختبارت نووية.
قاد نزارباييف كازاخستان إلى مشاركة فعالة في المنظمات الإقليمة والدولية، وتم اختيارها عضوا مؤقتا في مجلس الأمن الدولي عامي 2017 و2018.
وجاء قرار التنحي غداة وضع نزارباييف، الإثنين، حجر الأساس، في العاصمة أستانا، لأكبر مسجد في كازخستان ومنطقة آسيا الوسطى، إذ يتسع لثلاثين ألف شخص، على مساحة 57 ألف متر مربع.
وصل نزارباييف إلى الحكم فعليا عام 1989، عندما انتحب أمينا عاما للحزب الشيوعي، ثم انتخب رئيسا بعد عام، وأعيد انتخابه في أعوام 1999 و2005 و2011 و2015.
في الانتخابات الأخيرة، فاز نزارباييف بنسبة 97.75 بالمائة من الأصوات، إلا أنه قرر الاستقالة من منصبه قبل انتهاء ولايته الحالية، عام 2020.
اتصالاته بالرؤساء
وعقب إعلانه التنحي عن الرئاسة، حدث دوي شديد سمعته كل دول العالم، وكان له تأثير في نفوس الكثير من الزعماء والرؤساء، ما دفع الرئيس المستقيل إلى إجراء اتصالات مع عدد من رؤساء دول الجوار، بعد إعلانه التنحي من منصبه.
وأفاد بيان صادر عن المكتب الصحفي الرئاسي في كازاخستان أن نزارباييف اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتباحثا مسألة الاستقالة.
وأضاف البيان أن الجانبين أكدا استمرار إجراء اتصالات منتظمة.
بدوره، أعرب الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرضيائيف، في اتصال منفصل، عن أسفه لقرار نزارباييف الاستقالة، واصفًا الأخير بأنه "سياسي كبير ورئيس يمكنه اتخاذ مثل هذا القرار".
ومن جانبه، قال رئيس قرغيزستان، سورونباي جينبيكوف، إنه يأسف للقرار، مشيرًا أن الكازاخي المُستقيل قدم مساهمة كبيرة في تعزيز علاقات الأخوة بين البلدين، ومؤكدا على استمرار الاتصالات الثنائية.
أشعر بالشرف لخدمة بلادي
هذا وأعرب الرئيس الكازاخي، نور سلطان نزارباييف، في ذات الخطاب عن شعوره بالشرف لخدمة بلاده وشعبه.
وقال: "اتخذت قرارا صعبا بالنسبة لي، وهو الاستقالة". لافتًا إلى أنه بقي في مهامه على مدار 30 عاما.
وأضاف أنه استلم السلطة في بلاده عندما كانت تعاني وضعًا اقتصاديًا وسياسيًا صعبًا مع تفكك الاتحاد السوفيتي.
وأشار إلى أنه "أنهى النظام الشمولي، وحدّث مؤسسات الجتمع كافة". معتبرا أن القيام بذلك كان "من أجل تأسيس بلد ديمقراطي".
وتابع: "استهدفنا تطوير اقتصاد البلاد، وزيادة رفاهية الشعب، ونجحنا في زيادة نمو اقتصاد البلاد 15 ضعفًا (في 30 عاما)، ودخل الفرد 9 أضعاف، فضلًا عن خفض عدد السكان ممن هم في مستوى خط الفقر".
وفي السياق نفسه، قال إن بلاده "دخلت قائمة أكثر البلدان تقدمًا في العالم"، مشددًا على أنها تستهدف الانضمام إلى لائحة الدول الثلاثون الأوائل بهذا التصنيف.
ودخلت كازاخستان في قائمة أكثر 50 دولة نامية في العالم، وتحولت إلى مركز عبور للقارات بفضل استثمارات البنية التحتية للنقل.
وأكد أنه سيواصل مهامة في مجلس الأمن القومي، ورئاسة حزب "نور أوتان"، وعضوية المجلس الدستوري، رغم استقالته من الرئاسة.
وأردف: "سأبقى معكم، وستبقى مخاوف بلدي وشعبي مخاوفي".
من هو خليفته
وبموجب الدستور الكازاخي، يبدأ رئيس مجلس شيوخ كازاخستان، قاسم جومرت توكاييف، رسميًا، الأربعاء، مهامه كرئيس مؤقت مؤقتًا للبلاد حتى 2020، خلفًا لـ"نورسلطان نزارباييف" المُستقيل.
وبعد أداء اليمين الدستورية، سيباشر توكاييف مهامه كرئيس مؤقت حتى عام 2020، موعد نهاية ولاية نزارباييف الأخيرة، وفقًا للدستور.
واستقال نزارباييف من منصبه الثلاثاء، بعد نحو ثلاثة عقود في الحكم.
بدأت مسيرة "توكاييف" السياسية من وزارة خارجية الاتحاد السوفيتي السابق، حيث عمل دبلوماسيًا في سفارة موسكو لدى سنغافوره.
وعام 1992، عين توكاييف (65 عامًا) نائبًا لوزير خارجية كازاخستان، بعد نيلها الاستقلال، ثم تولى حقيبة الوزارة بعدها بعامين.
انتقل توكاييف بعد ذلك لترؤس الحكومة، بين عامي 1999 و2002، قبل أن يعود إلى الخارجية حتى عام 2007، ومنها إلى رئاسة مجلس الشيوخ.
وخلال مسيرته الدبلوماسية، لعب الرجل دورًا هامًا في ملف منع انتشار الأسلحة النووية، ووقّع باسم بلاده العديد من الاتفاقيات في هذا الإطار.
كما تولى توكاييف مسؤوليات دولية مهمة في رابطة الدول المستقلة ومنظمة شنغهاي للتعاون والأمم المتحدة، وقد عُيّن مبعوثًا خاصًا لأمين عام المنظمة الدولية لدى مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح.
وإلى جانب اللغة الكازاخية، يتحدث توكاييف الروسية والإنجليزية والصينية والفرنسية، وكان من داعمي تحويل الكتابة في البلاد من الأحرف الكيريلية إلى اللاتينية.
ويُشتهر الرجل باقتراحه تشديد العقوبات على تجار المخدرات لتصل حتى السجن المؤبد أو الإعدام، حيث اعتبر هذه الأنشطة معادلة للإرهاب الذي يهدد مصالح البلاد القومية.
+ There are no comments
Add yours