قال الباحث السياسي الإيراني، بابك شاهد، إن إعلان القضاء في بلاده اعتبار مشاركة المواطنين في موجة الاحتجاجات الأخيرة، بمثابة "قتال ضد النظام"؛ تسبب بعودة قسم كبير منهم إلى منازلهم.
وفي مقابلة مع الأناضول، أوضح "شاهد"، الخبير في معهد دراسات تبريز (مدينة شمال غربي إيران)، أن الإيرانيين يدركون أن ذلك الموقف من القضاء يعني الحكم على المخالفين بعقوبات مشددة، قد تصل إلى الإعدام.
وتابع أن الاحتجاجات التي اندلعت أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستمرت نحو 10 أيام، كانت عفوية، ولم تكن لها مطالب محددة، قبل أن يتحول عدد منها إلى مظاهرات ضد النظام.
وأضاف أن ذلك سهّل على النظام احتواء تلك الموجة، بدعم من القضاء، مقارنة باحتجاجات عام 2009، التي تمتعت بقيادة ومطالب واضحة؛ حيث انتشرت ادعاءات بتزوير الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها الرئيس السابق، أحمدي نجاد، لدورة ثانية.
ولفت شاهد إلى أن المعارضة المحافظة استغلت، خلال الفترة الماضية، الاستياء الشعبي الواسع من تردي الأوضاع الاقتصادية كوسيلة ضغط على الحكومة، كما اتهموها بالفشل في ترجمة رفع العقوبات عن البلاد، في إطار الاتفاق النووي (وقّع عام 2015)، إلى واقع اقتصادي أفضل داخليًا.
من جانب آخر، فإن الرئيس حسن روحاني وأنصاره اعتبروا أن تلك الأزمات ناجمة عن عدم امتلاكهم الكامل لزمام الاقتصاد، موضحًا أن ذلك أثبت وجود دور للجيش والحرس الثوري في إدارة توزيع مقدّرات البلاد.
وتابع: "في ظل الصراع بين روحاني والمحافظين، نشر نجاد مقطع فيديو، ادعى فيه بأن القضاء متورط بقضايا فساد، ووعد بتغييرات كبيرة في الوقت القريب، وبعدها خرج الناس إلى الشوارع".
وأضاف أن القوى الخارجية التي أعلنت دعمها للاحتجاجات، والمحافظين في الداخل، سعوا لاستغلال المظاهرات لمصالحهم الخاصة.
وشدّد الباحث الإيراني على أن تلك المواقف الخارجية من الاحتجاجات، وخصوصًا الأمريكية والإسرائيلية، ساهمت كذلك في تخلي بعض الإيرانيين عن النزول للشارع، وسهّلت على الحكومة إثبات رؤيتها وحث أنصارها على تكثيف جهودهم في دعمها.
كما أدى اعتماد المتظاهرين في تنسيق احتجاجاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تسهيل عملية احتوائهم، وخصوصًا بعد حظر المجلس الأعلى للأمن القومي عددًا من تلك المنصات الإلكترونية.
وأضاف أن "تصريحات لروحاني، وبعض مسؤولي الدولة، من قبيل أن المطالب الاقتصادية مشروعة، وأنهم سيجدون حلولًا للمخاوف الاقتصادية عندما تسمح الظروف، وأن المظاهرات السلمية مشروعة؛ جميعها أسهمت في خفض التوتر الحاصل".
وفي حوار منفصل للأناضول مع "فرهاد رضائي"، المحلل السياسي في "مركز أبحاث أنقرة-إيران"، أن المظاهرات التي بدأت ضد الغلاء في إيران والفقر، تحولت فيما بعد إلى احتجاجات ضد روحاني، وتوسعت لتنتقد السياسات الإقليمية للبلاد.
ولفت "رضائي" إلى أن الشعب اعتبر بحث إيران عن مصالح في المنطقة، رغم معاناتها داخليًا، بأنها "مغامرة"، واستشهد بهتافات أطلقها متظاهرون، من قبيل: "لا غزة ولا لبنان، حياتي فداء لإيران"، و"غادروا سوريا وفكّروا بنا".
وشدّد على أن الشعب يعاني مشاكل اقتصادية كان لها دور في إعداد أرضية للمظاهرات، التي ساهمت في دعم المعارضة المحافظة ضد روحاني.
وبيّن أن المظاهرات الكبيرة بمدينة مشهد، التي يحظى فيها المحافظون بنفوذ كبير، كان هدفها ليس النظام وإنما الرئيس.
وأكد رضائي أن الأحداث لم تنته بعد، وأنها متواصلة في بعض المدن، وقال: "لا يمكن القول إن المظاهرات انتهت، لكن هناك موضوعا يجب الوقوف عليه، وهو وجود قوة أمنية وطنية قوية للغاية، وتصريحات النظام القاسية وتدخلاته كسرت شوكة المتظاهرين".
جدير بالذكر أن أولى المظاهرات انطلقت في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بمدينتي مشهد وكاشمر (شمال شرق)، لتمتد لاحقاً إلى عشرات المدن، بما فيها العاصمة طهران، قبل أن تنحسر إلى حد كبير في الأيام القليلة الماضية.
+ There are no comments
Add yours