أبوبكر أبوالمجد
لم يعد أدنى شك في أن هذا العالم تديره وتتحكم فيه القوة على كل المستويات.
وما من شك كذلك في أن نظامًا عالميًا حاليًا عازم على أن يدير العالم وفق رؤيته، وهذا النظام العالمي دائرته أضيق مما ضتمه وتضمنته مصطلحات الرأسمالية والاشتراكية عبر عشرات السنين، ويبدو أنه لم يعد يسع لأطروحات ورؤى متناثرة كما كان في عقود خلت، حتى أنه يكتفي اليوم لإنهاء أكبر صراع في الشرق الأوسط بطرح واحد لرجلين طالما عرفا بعقيدة الغاية التي تبرر الوسيلة.
إنهما دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو.
والصراع الأكبر الذي طالما أرق العالم عقودًا هو الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي يقدم له فجأة الآن حلًا يراه واضعوه جذريًا، ومن شأنه إنهائه للأبد.
لكن قطعًا في الأمر شبهة بل شبهات، خاصة وأن من وضعوا هذا الحل رجلان يواجهان أزمة سياسية كبيرة تهدد مستقبلهما السياسي.
ولعل هذا ما جعل محللون سياسيون فلسطينيون يجمعون على أن التوقيت الذي وصفوه بـ”المشبوه” للإعلان عن خطة السلام المعروفة إعلاميا بـ “صفقة القرن”، يأتي خدمة لمصالح شخصية وحزبية لكل من ترامب، ونتنياهو.
فالأول يواجه محاكمة لعزله، والآخر تحاصره تهم الفساد.
تحدي ترامب
انطلقت منذ أسبوع وتحديدًا الثلاثاء الموافق 21 يناير الجاري، محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مجلس الشيوخ، بتهم إساءة استغلال سلطاته الرئاسية، وعرقلة عمل الكونغرس.
واستعرض مجلس الشيوخ خلال الجلسة الوثائق الخاصة بمحاكمة ترامب، فيما قال رئيس هيئة الادعاء، ممثل مجلس النواب آدم شيف إن “الأفعال التي ارتكبها ترامب تستدعي محاكمته وعزله”.
وخلال المساءلة، يستمع أعضاء مجلس الشيوخ، إلى مرافعات تستغرق 6 ساعات يوميا، 6 أيام في الأسبوع.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قد نشرت مقتطفات من كتاب مرتقب صدوره لبولتون تشير إلى أن ترامب أبلغ في أغسطس الماضي بولتون إنه يريد مواصلة تجميد المساعدات الأمنية لأوكرانيا (391 مليون دولار) إلى أن يساعد المسؤولون هناك في تحقيقات مع ديمقراطيين بما في ذلك نائب الرئيس السابق جو بايدن.
هذه المحاكمة ربما يفلت منها ترامب، لكن سيكون لها أثرًا بليغًا على نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.
نتنياهو
أما الرجل الآخر، فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو. فقد أعلن النائب العام الإسرائيلي أفيحاي مندلبليت في نوفمبر الماضي توجيه اتهامات له تتضمن الاحتيال وخيانة الأمانة والحصول على رشى.
وانتهت ولاية بنيامين نتنياهو في 11 من الشهر الماضي، وتتزايد الضغوط عليه بسبب فشله في تشكيل حكومة بعدما لم يسفر إجراء الانتخابات مرتين عن نتيجة غير حاسمة العام الماضي، تاركة إسرائيل في حالة مستمرة من الشلل السياسي.
ووافق الكنيست الإسرائيلي في ديسمبر على قرار إجراء انتخابات عامة جديدة يوم الثاني من مارس المقبل، هي الثالثة في البلاد خلال أقل من عام.
وكان النائب عن حزب ليكود، نير بركات، قد اقترح إجراء انتخابات داخل الحزب على منصب قائم بأعمال رئيسه فقط “لتفادي حدوث انقلاب داخل الحزب من جهة، ومن جهة أخرى للاستعداد ليوم ما بعد نتنياهو”.
نتنياهو متهم بمحاولة التأثير على التغطية الإخبارية لصالحه وبتلقي هدايا باهظة الثمن من رجال أعمال مقابل خدمات سياسية.
مسعى إنقاذ
وبدلًا من أن يواجه الرجلان أزمتهما السياسية العصيبة، فضلا أن يهربا إلى أعلى، ويعلنا عن خطة يرياها صفقة القرن الحادي والعشرين، لكنها في الحقيقة بمثابة قنبلة فتاكة تلقى من المريخ على الأرض.
حيث تقترح الصفقة، وفق ما جاء بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأحد الماضي، إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس، على أن يربطها بقطاع غزة “نفق” يكون بمثابة “الممر الآمن”.
كما تسمح هذه الصفقة لإسرائيل بضم ما بين 30 – 40 %، من أراضي المنطقة “ج”، والتي تشكّل 61% من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية؛ ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
وهذه الصفقة يراها الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني تيسير محيسن، أنها صفقة بدأت تسير وفق “وقائع عملية تراتبية هندسية تصوغها الإدارة الأمريكية مع إسرائيل تباعًا، منذ أكثر من 26 عاما ( في إشارة لـ 1993 عام توقيع اتفاقية أوسلو)”.
وأردف محيسن، أن كل ما يرشح عن الصفقة “يجري تطبيقه تباعًا على مرأى ومسمع من كل العالم والقيادة السياسية”.
واستكمل قائلا: “الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي استطاعوا خلال العقود الفائتة أن يفرضوا واقعًا يتعارض كليًا مع البنية السياسية التي تم إنتاجها في إطار إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي تحت ما يسمى عملية السلام (حل الدولتين)”.
ويعتقد المحلل الفلسطيني أن توقيت الإعلان عن هذه الصفقة يأتي لخدمة الأجندات السياسية ودعم لتيار اليمين الذي يقوده نتنياهو.
وأفاد محيسن: “واضح أن نتنياهو أيضا يوظف مخرجات أفكار الإدارة الأمريكية تحت مسمى صفقة القرن، لخدمة أجندته السياسية للترويج أنه حقق نجاحات خلال ولايته لحكومة الاحتلال”.
وعلى الصعيد الدولي، يواصل نتنياهو مساعيه، وفق محيسن، لـ”كسر الجليد مع المحيط العربي؛ وهذا (التطبيع) أيضًا جزء من الصفقة التي تتناول إعادة موضعة الاحتلال في الإقليم وبناء علاقات مع الكيانات العربية المختلفة”.
وبيّن أن إسرائيل نجحت في تهشيم “كافة المكونات الديمغرافية والجغرافية للدولة الفلسطينية، ما يعني أن 60% من مساحة الضفة الغربية أصحبت تحت طائلة الضم وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، كما أن هناك تهديد بضم الأغوار تحت تأييد ترامب؛ وهذا جزء من الصفقة”.
ومن جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وديع أبو نصار، للأناضول، إن توقيت صفقة القرن يأتي لإنقاذ نتنياهو، مستبعدًا أن تقدّم الصفقة أي حق للفلسطينيين.
وأضاف: “التوقيت مشبوه، يأتي بالتوازي مع بداية جلسات الكنيست للبت بحصانة نتنياهو، ترامب يريد أن يساعد نتنياهو، ويساعد نفسه كي يظهر أما اليمين المتطرف بالولايات المتحدة أنه قادر على تقديم أي شيء لحماية إسرائيل”.
أما على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، أثار توقيت الإعلان عن الصفقة ريبة عدد من قادة الأحزاب، من بينهم رئيس “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر ذلك التجاء من نتنياهو لواشنطن.
واستكمل قائلاً:” لو أن ليبرمان رأى أن إعلان الصفقة يصب في مصلحة إسرائيل لبارك هذه الخطوة”.
وفلسطينيا، اعتبر أبو نصار أن الوضع الذي تمر به القضية من أصعب الأوضاع بسبب غياب “الاستراتيجية الوطنية”.
ويرجح أن تنجح هذه الخطوة في إنقاذ مستقبل نتنياهو السياسي؛ كون أن المعارضة الإسرائيلية باتت تتبنى ذات الأفكار التي تطرحها الصفقة، كما ستجعل من دونالد ترامب رئيس الضرورة الذي استطاع أن يملأ خزائن الولايات المتحدة بالمال وتمكن من توفير ملايين الوظائف ثم ها هو الآن يظهر في ثوب القادر على وضع نهاية لصراع عاش العالم فيه عشرات السنين.
+ There are no comments
Add yours