ترامب.. دمية أمريكا الملغمة

1 min read

أبوبكر أبوالمجد صحفي وباحث في شؤون آسيا السياسية والاقتصادية

بحكم المكانة وقياس التغطيات الإعلامية للحدث، فإن تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يظل هو الحدث الأبرز في أسبوع مضى.
وكم ترددت على ألسنة وأسنة أقلام المحللين والإعلاميين اسم ترامب، وكلمات تصف وتحلل شخصيته.. البعض منها أنصفه والأغلب تجاوز في تقديري تقييم الرجل، وحرّكته رؤىً قاصرةً أو أهواء حزبية وأيدولوجية مناهضة لسياساته وتوجهاته.


ترامب، الذي تم تنصيبه رسميًا الجمعة الماضية، أعلن أن أمريكا أولًا، وأعلن عن أول قراراته التي سيتخذها عقب دخوله إلى البيت الأبيض.
ولكن قبل الولوج إلى أعماق ترامب، وتحليلنا الشخصي لما يمكن أن يكون، وتكون عليه أمريكا في عهده، دعونا نستعرض أولى قرارات الرئيس الأمريكي الجديد في البيت الأبيض، والتي كان أولها التوقيع على أمر تنفيذي بشأن توجهات تؤدي إلى تخفيف الأعباء التنظيمية المتعلقة ببرنامج "أوباما-كير" الصحي.


كما وقع ترامب أوامر التفويض لوزير دفاعه، جيمس ماتيس، وأعاد تمثال رأس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل إلى البيت الأبيض خلال اليوم الأول من تنصيبه، بدلًا من تمثال مارتن لوثر كينج الذي وضعه أوباما.


وأقال الرئيس الأمريكي الجديد كل سفراء الولايات المتحدة في الخارج بعد وقت قصير من حلفه اليمين الدستوري، فضلًا عن ذلك، أرسل باقي ترشيحاته الوزارية إلى "الشيوخ" من أجل البت فيها، واعتزم تخصيص عيد رسمي هو "يوم الوطنية".


وأمر بتوجيه تعليمات للوكالات الحكومية؛ لتشجيع تطوير سوق حرة ومفتوحة في التجارة بين الولايات لطرح خدمات الصحة الأفضل، بالإضافة إلى الحفاظ على أقصى قدر من الخيارات للمرضى والمستهلكين.


ترامب سيعلن خلال ساعات أو أيام قليلة مقبلة عن قيود على هجرة ودخول مواطني 7 من الدول الإفريقية والشرق أوسطية، ذات الأغلبية المسلمة، وهي سوريا والعراق واليمن وإيران وليبيا والصومال والسودان، وسيكون من بين هذه القرارات التي سيوقع عليها ترامب منع إصدار تأشيرات الدخول لكل مواطني هذه الدول.


ويعكف ترامب في البيت الأبيض على التخطيط "ليوم مهم"، بحسب وصفه بالنسبة للأمن الوطني الأمريكي، يشمل الإعلان عن تشييد سور على طول الحدود الأمريكية المكسيكية، طوله نحو 2000 ميل وبتكلفة 8 مليارات دولار.


وفيما يخص الأمن القومي، أكد ترامب إنه "سيطلب من وزارة الدفاع ورئيس الأركان وضع خطة شاملة لحماية البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة من الهجمات الإلكترونية والهجمات الأخرى على أشكالها".


أما على الصعيد الاقتصادي فينتوي الرئيس الأمريكي الانسحاب من اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" (تي بي بي) الذي وقعته 12 دولة عام 2015 باستثناء الصين.
وأوضح أنه سيستعيض عنه باتفاقيات تجارية ثنائية عادلة تعيد الوظائف والصناعة إلى الأراضي الأمريكية.
وفي ملف الطاقة، أشار ترامب إلى أنه سيلغي القيود التي تعيق توفير فرص العمل في مجال إنتاج الطاقة الأمريكية، بما في ذلك الصخر الزيتي والفحم النظيف.


مما تقدم نجد أننا أمام شخصية براجماتية من طراز خاص، ووطنية أيضًا، وصادقة وتعرف ما تريد.
نعم إن ترامب كان ولم يزل صادقًا في تصدر أمريكا والأمريكيين ومصالحهم الأمنية والاقتصادية لاهتماماته؛ ولكن هل يعني ذلك أن أمريكا في عهده ستترك عجلة قيادة العالم لروسيا وأوروبا، وبعض الدول الإقليمية الفاعلة في الشرق الأوسط والأقصى؟


إن ترامب في تقديري ليس أكثر من دمية أمريكية ملغمة.. فزاعة للجبناء.. مبتزة للأصدقاء.. متفجرة في وجه الأعداء.
شخصية ترامب التي يبدو عليها التهور وربما الهمجية هي صورة تطلبتها طبيعة المرحلة لأمريكا الجديدة، كي يراها زعيمًا متهورًا في كوريا الشمالية أو بعض الدول الأخرى الحليفة لروسيا أو الصين، لتدرك أنها أمام رجل بإمكانه أن يذهب لأبعد ما يمكن أن تتخيله قيادة سياسية في أي دولة بالعالم على كل المستويات خاصة العسكرية.


وفي نفس الوقت، شخصية تجارية تستطيع بسهولة كسب المزيد من النفوذ والمال عن طريق الابتزاز بالخوف، فدول كدول الخليج أو كوريا الجنوبية أو اليابان أو حتى الهند وباكستان فضلًا عن بعض دول أوروبا الشرقية، تحميها القواعد الأمريكية من تهديدات أعدائها، يمكن بسهولة أن تنال مقابل أكثر لما تقدمه من حماية لهذه الدول الصديقة بين قوسين على يد ترامب.


ورغم ما يعلنه ترامب من ضرورة التقارب مع روسيا، غير أن هذا لا يفسر ولا يبرر أبدًا ترك كل هذه المساحة الكبيرة للروس في الشرق الأوسط لاستعراض قوتهم وإبراز قدراتهم، ولا بد أن هناك خطة.


ترامب هو الدمية التي ربما يبدو لشخص كبوتين أن من السهل التلاعب بها، وربما تسمح أمريكا عن طريق هذه الدمية بتوغل أكثر لروسيا في بلدان الشرق الأوسط وبصحبتها إيران ومن ورائهما تركيا، وإطالة فترة توغل هذه الدول خاصة على الصعيد العسكري يعني استنزاف كامل لقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ومن ثم إمكانية الإجهاز عليهم بسهولة، والسيطرة على قرارتهم على المدى ربما المتوسط وليس البعيد، ما لم تتنبه لهذا الشرك الأمريكي.


خلاصة قولي أن ترامب لأمريكا وليس لدولة أخرى، ولا أرى أن أمريكا في عهده ستقدم عونًا حقيقيًا لدول الخليج أو مصر أو سوريا أو ليبيا أو العراق لانتشالهم من حالة التدهور الاقتصادي والصراع السياسي والعسكري الذي ينذر بتقسيمها، كما لا أرى أن بإمكان ترامب أن يخل باتفاقيات بلاده مع دولة كإيران؛ لكن يمكن الضغط عليها أكثر، وتحقيق مكاسب أكبر ما يسمح له بالنفاذ إلى قلب وعقل العرب في الخليج.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours