قبل أن يحل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضيفًا على المملكة العربية السعودية كان تفكير جديد قد حل، تفكير يتصل بتحول اقتصاد المملكة من حالة الاقتصاد الريعي النفطي إلى عالم اقتصاد الابتكار، وبدا أن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو صاحب هذا الاتجاه الجديد، كنوع من أنواع المبادرات الاقتصادية الخلاقة، التي تخرج اقتصاد المملكة واقتصادات المنطقة برمتها، من دائرة الضغوطات المالية والاقتصادية الأمريكية التي يمكن أن تمارسها واشنطن عندما تريد.
قبل الخوض في رؤية اقتصاد الابتكار، يتوجب علينا الإشارة إلى أن دوائر غربية عدة كانت ولا تزال تعول على نهاية الحقبة الذهبية للنفط العربي، بسبب ظاهرة النفط الصخري، وهو أمر غير حقيقي بمطلقية المشهد لأكثر من سبب، منها ما يتصل بتكلفة إنتاجه ونقله في الداخل، عطفًا على أن هناك أسواقًا تبدو متعطشة بأكثر قدر لنفط الخليج، كالصين والهند وكثير من الدول القادمة بقوة ضمن دائرة البريكس، وجميعها تتطلع إلى نفط المملكة، ما يعني أن السعودية لا يمكن أن تكون خاضعة في لحظة ما لضغوطات اقتصادية تتصل بالنفط وأسعاره وإنتاجه فقط.
والشاهد أن الأمير محمد بن سلمان، ومن قرأ بعناية حواره الأخير مع وكالة «بلومبيرغ»، ظهر كالخبير في عالم اقتصاد الابتكار، الذي يتجاوز عصر النفط.
يرجع هذا المصطلح في أصله إلى عالم المستقبليات الأمريكي جيمس كانتون (من مواليد 1951) الذي يعد أفضل من يقرأ توقعات الاتجاهات العالمية المستقبلية، في مجال التكنولوجيا والرعاية الصحية والسكان والعلوم والمناخ والقوى العاملة والأمن.
يعني اقتصاد الابتكار القفز على توصيف العلوم الكلاسيكية للاقتصاد بأنه تدبير جماعي للإنتاج والتوزيع، ويصل بنا إلى أن اقتصادات القرن الحادي والعشرين ستعيش وتزدهر بمعايير علمية وتكنولوجية ومعرفية متطورة، وفي هذه الحالة ستتمتع الدول والأحزاب بأنصبة من أكبر مولد للرخاء عرفه العالم.
كثيرًا وطويلاً تم حصر اقتصاد المملكة في استخراج النفط، ولم يتوقف أحد أمام الثروات المعدنية في باطن أراضيها وفي مقدمتها الذهب الذي يقدر مخزونه بنحو 20 مليون طن، والنحاس الذي يتجاوز 60 مليون طن.
أما عن الزراعة فحدث ولا حرج عن المملكة المكتفية من زراعة القمح، فالأفكار الابتكارية الخلاقة قد كفلت، في الماضي، وتضمن بتطورها في المستقبل، تحويل مساحات عريضة وشاسعة من صحراء المملكة، إلى أرض خضراء منتجة.
النفط ذاته الذي يود البعض تطويعه لجعله خنجرًا في الخاصرة السعودية، يمكن أن يكون بمثابة «كنز قارون»، فالبرميل الذي لا يتجاوز ثمنه اليوم بضع عشرات من الدولارات في صورته الخام، يمكن أن يرتفع مردوده إلى بضعة آلاف من العملة نفسها، حال تحويله إلى منتجات عبر الصناعات البتروكيماوية، ولهذا تسعى المملكة إلى جذب تريليون دولار استثمارات أجنبية خلال الفترة المقبلة.
تبقى المملكة كذلك المركز الروحي لنحو مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، وهذا يعني أن مسألة السياحة الدينية بالنسبة لها قادرة على تعويض أي نقص في مداخيل النفط الخام، وفي هذا الإطار نذكر بأن أعمال التوسعة في الحرم وحول المناسك المقدسة، سوف تتيح الفرصة للمزيد من الحجاج، وعليه يتوقع البعض أن تبلغ عوائد الحج والعمرة في عام 2020 أكثر من 47 مليار ريال.
عندما تحدث الأمير محمد بن سلمان عن رصد تريليوني دولار لمشروعات استثمارية جديدة تكفل استقلال وحرية القرار السياسي للمملكة، كان يتحدث عن الابتكار الجذري الذي ينقل السعودية إلى قائمة الدول القائدة في هذا المنحى الاقتصادي العالمي الجديد والمثير.
دخول المملكة عصر اقتصاد الابتكار يعني مقدرتها على تخليق عالم من التغير السريع والمثير، ومواكبة عصر ستزدهر فيه الأفكار التي تولد القيمة وتمنح الحلول، وتشبع الاحتياجات جارفة إلى أعماق الذاكرة الأفكار والمنتجات والخدمات والآليات السابقة البدائية مقارنة بما هو قادم.
هل يتصل اقتصاد الابتكار بعالم السياسة؟
قطعًا ذلك كذلك فعلاً وقولاً، فأدوات وآليات الابتكار، ستضحى في المستقبل القريب القوة الحقيقية للقضاء على الإرهاب عبر محاربة الفقر، وتوفير الوظائف، ومجابهة البطالة، فالطبيعة المتأصلة في الأفراد لتحسين أنفسهم والازدهار وأن يكونوا أحرارًا في خياراتهم، وأن يخلقوا ويبتكروا، هي التي تحقق اقتصاد الابتكار.
رؤية محمد بن سلمان لاقتصاد ما بعد النفط، رؤية تتسق وعالم اقتصاد الابتكار، وهنا يصدق القول إن أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل هو صناعته من اليوم.
الخلاصة: اقتصاد الابتكار ثورة اقتصادية تكفل إعادة حالة التوازن إلى عالم السياسات المختل، والذي تلاعبت فيه الرأسمالية المتوحشة بمقدرات دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة
إميل أمين
+ There are no comments
Add yours