مصر :بمناسبة الذكري الـ 47 لمجزرة الشرقية.. بحر البقر جرح غائر في ذاكرة التاريخ

2 min read

 

 السيد التيجاني

بعد مرور 47 عاماً من مجزرة تلاميذ مدرسة بحر البقرالإبتدائية بمركز الحسينية محافظة الشرقية ما زال هذا اليوم الأسود شاهد علي انتهاكات الكيان الصهيوني التي راح ضحايتها 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين من أصل 150 تلميذ وتلميذة لثلاثة فصول من طابق واحد حيث قصف طائرات الفانتوم الأمريكية مدرستهم عام 1970 بخمس قنابل وصاروخين لتسبح أشلاء الجثث في بحيرات الدم وتتناثر علي الجدران وتمتزج بالكتب والكراريس كما تركت بصماتها على أجساد المصابين الذين ما زالوا يعانون العاهات والتشوهات التي باتت تلازمهم منذ نعومة أظافرهم   .

 وما زالت كلمات صلاح جاهين تذكر العالم بالمذبحة الوحشية التي مات معها ضمير العالم وصمت علي الحق ولا يبقي منها إلا الذكريات "الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللى على ورقهم سال.. فى قصر الأمم المتحدة.. مسابقة لرسوم الأطـفال.. إيه رأيك فى البقع الحمـرا.. يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية وسمرا.. كانت من أشطر تلاميذي "وقد جاء هذا القصف ضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر لإرغامها على إنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة "روجرز" ولم يكن بغريب علي الصهاينة أن تكذب وتزيف الحقائق وتغيرها حيث وصفت القصف وقتذاك أنها قصفت أهدافا عسكرية وليس مدرسة متحججة بأن التلاميذ كانوا يرتدون الزي الكاكي ويقومون بتدريبات عسكرية.
 وللأسف وبأيدينا طمسنا ومحونا دليل إدانتهم حيث لم يتبقي من المدرسة إلا مكان "النصب التذكاري" للشهداء والذي لا يزيد مساحته عن 16 متراً بعد التعديات عليها بالبناء وإنشاء شارع يؤدي إلي المدرسة الجديدة التي نقل بأحد فصولها مقتنيات الطلبة من الكتب والكراريس والملابس الملطخة بدماء الأطهار وذلك بمباركة المسئولين آنذاك والتي كان وبالأحري أن يصبح مكان القصف مزاراً يلفت أنظار العالم كله وشاهداً حياً ودليل قوي علي جريمة الحرب التي فعلتها إسرائيل


ذهبت "المصرية" إلي قرية 2 بحر البقر وعاشت يوم مع أهالي الشهداء ومصابي المجزرة الذين نجوا من ويلات المجزرة ورصدت بعض المشاكل التى يعانيها أهالى القرية وبعدما رفض الاهالي  الحديث معنا بسبب كثرة الوعود الواهيه وعدم الجدوي من كلامهم طيلة هذا الردح من الزمان

تمكنت "المصرية" من مقابلت الحاجة نبيلة علي محمد حسن 74 سنة والدة الشهيد التلميذ ممدوح حسني صادق  والتي تحدثت قائله أنا زوجي توفي عام 1966م وترك لي خمسة أطفال منهم نجلي الذي كان عمره وقتها 6 سنوات وقالت في صبيحة يوم المجزرة" صحيت بدري لبست العيال علشان يروحوا المدرسة وأحضرت لهم سندوتشات وتركوني وذهبوا لمدارسهم إلا أبني الشهيد ممدوح قال لي"عاوز شندوتش يا أمي أخده معايا" قلت له روح المدرسة وتعالي في الفسحة كل وأشرب براحتك دا المدرسة بتعتك قريبه من البيت " قالي لأ أعمليلي الشندوتش أصل أنا مش هاجي تاني" بالله ده من حنك أبني" وقتها تشائمت من كلامه وطنشت الكلمة ولكنه عاود يكررها فأعطيته الشندوتش وخرج حينها خفت عليه وظللت أراقبه حتي وصل المدرسة و"رجعت علشان أخبز لهم شوية عيش" 

 وتواصل الحاجة نبيله بعد لحظات سمعت دوي الطائرات وضربة قوية جداً أدت إلي سقوط شبابيك البيت والأبواب وبدأ الدمار  يحاصرنا فخرجت مسرعة أبحث عن أولادي والحمد لله وجدتهم أمامي ولكني فوجئت بأبنتي تصرخ في وجهي وتقول " المدرسة وقعت فوق أخويه" ممدوح وقتها سقطت علي الأرض ولم أقوي علي الحركة مطلقاً وغبت عن الوعي لفترة 
وتتابع الأم المكلومة حديثها ل"المصرية"  "أنا نظرت ناحية المدرسة وجدت راجل شايل أبني في حجره وآخر يحمل رجليه قاموا بلملمت أجزاء الجسم في جلبية أبوه وحطوه قدامي وتركوني وولدي غارق في دمه" وظلت الطائرات تقترب فوق رؤسنا وقتها قالوا لي قومي "الطيارة هدكك أنتي وعيالك" ثم تغير وجه الحاجة نبيله أثناء حديثها وانهمرت في البكاء وقالت "ده كان يوم أسود من السواد بشوية " " دا أشلاء الجثث سمعتها بتقول آااااه "حسبنا الله ونعم الوكيل  الحمد لله نصيبي كده.
يوم 8 أبريل سنة 1970م غارت علينا الطائرات ودمرتنا ودمرت المدرسة وحتي الآن لم نأخذ حق الشهيد والدولة تركتنا نعاني غلاء المعيشة ولا رعاية وقالت "ده لو حصل عن اليهود كان صرفوا ليهم فلوس يامه "
ولكن أنا رفعت دعوي علي إسرائيل منذ خمسة سنوات لنحصل علي حقنا وتعويض ولادنا و"القضية بأسمي والله" وأحنا منتظرين النطق بالحكم يوم 22 أبريل الجاري وسكتت الحاجة نبيلة للحظات عن الكلام وتحجر الدمع في عيناها  ثم تواصل قائله " يا مسئولين ولادنا مش فيران لأ دا ولادنا كانوا هيبقوا رجالة دا الولد منهم كان بيقول أن هبقي ضابط " فين حقوقنا ياناس حرام والله كده مش عارفين نعيش" بصولنا بصة من عندكوا كده وأعزرونا بقي أحنا بقالنا 47 سنة نسجل ونقول ونطالب وأنتوا مش سامعين صوتنا وتواصل "دا حتي الميه عندنا مبتتشربش وبنشتريها بالجركن والصرف الصحي مبهدلنا" ومصرف بحر البقر محاصرنا بالتلوث والروائح الكريهة 
وتنهي أم الشهيد حوارها مع "المصرية" قائلة "أنا كبرت يا مسئولين وعايزة معاش أعيش بيه و أزور بيت الله الحرام.

كان سقوط القلم سبباً في نجاة أحمد محمد عبد الرحمن أحد المصابين في المجزرة والذي روي ل "المصرية يوم الهجوم  دخلت المدرسة وجلست علي "التخته" فوجئنا بهرولة وهروب المدرسين عند سماعهم دوي الغارات الإسرائيلة بالقرب من المدرسة والتي لم تشغلنا عن اللعب و"التنطيط " في الفصل فنحن أطفال صغار يهمنا اللعب بعد خلو المدرسة من الكبار وبعد لحظات سقط قلمي علي الأرض فنزلت تحت التخته أبحث عليه ولم أدري بشيء إلا عندما وصلت المستشفي حينها أمر الطبيب بخروجي بحجة أنني أصاباتي ليست بخطيرة بسبب الحالات الصعبة لزملائي المصابين وجثثهم والزحام الذي ملأ المكان 
وقال رضا محمد حسن أخو التلميذة الشهيده "نجاة" منذ ضرب المدرسة وحتي يوم الذكري هذا الشهر وعلي مدار هذا الردح من الزمان  لم يتحدث أحد عن مجزرة مدرسة بحر البقر التي باتت في طي النسيان فقط في كل عام يتم الأحتفال وأخذ الصور التذكارية فقط وذلك في مركز الحسينية بعيداً عن القرية مقر الحدث إلا بعد إنشاء جمعية تنمية المجتمع بالقرية والذي بدأ معها الأعضاء في السعي وراء حقوقنا وتنظيم الإحتفالية بها ولم نري أعضاء مجلس الشعب إلا أيام الأنتخابات فقط ولكن هناك بعض الأعضاء في هذه الذكري تحديداً أتوا وطالبوا بعمل متحف جديد وهذا شيء عظيم وأري "أن تأتي متأخراً خيرأ من ألا تأتي" وأود أن يتم عمل المتحف في المكان ذاته ولكن للأسف لم يعد للمكان من أثر إلا النصب التذكاري
وتقول الحاجة كاملة مصطفي البيومي زوجة أخ أحد الشهداء يوم الحادث كنت طفله صغيرة وأنا كنت خارج القرية وحين عودتي لم أتمكن من الوصول لبيتي فالجثث والأشلاء في كل مكان والأهالي في حالة من الرعب والهلع يبحثون علي سيارات تحمل المصابين للمستشفي فنظرت علي أحدي السيارات الربع نقل وبداخلها السائق فتوجهت نحوها كي أطلب المساعدة وجدته بلا رأس ونافورة الدماء تضرب سقف السيارة 
وتواصل الحاجة كاملة الطائرات فوق رؤسنا والكل يبحث عن زويه فمنهم من يحاول تجميع جثته ومنهم فر هرباً خوفاً من قصف جديد وقتها كانت السيارات تمر علينا محمله بالجثث من قري مجاورة فالطائرات قصفت أكثر من مكان في نفس اللحظة التي ضربت فيها المدرسة ومن حينها لم تجني قريتنا إلا الذكريات.
 
فيما قال علاء عبد الدايم رئيس جمعية تنمية المجتمع بقرية شهداء بحر البقر قمنا بتوجيه دعوي للمسئولين بالتربية والتعليم والشئون الاجتماعية والشباب والرياضة والمحافظة لإحياء ذكري الشهداء مجزرة المدرسة وبالفعل حضر سكرتير عام المحافظة وأعضاء مجلس الشعب عن الدائرة ولفيف من القيادات بمركز الحسينية وتمت الاحتفالية ولكن للأسف الشديد لم يحدث أي تكريم ولو رمزي للشهداء أوالمصابين وأسرهم ولاحتي مجرد شهادة تقدير أو أي شيء يرفع من معنوياتهم 
رغم أن أغلب الأسر من البسطاء يعيشون في قرية ريفية منذ ستينات القرن الماضي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر  فيما يسمي "الإصلاح الزراعي" الذي أعطي لكل رب أسرة خمسة أفدنة ومع مرور الزمن  تقلصت هذه المساحات بالتوريث من جيل لأخر للقراريط بسيطة لا تكفي لأكل القديد وأغلب أهالي الشهداء وحتي المصابين غير موظفين ولا دخل لهم فمن المفترض علي الدولة رعايتهم صحياً بعمل بطاقة علاجية وصرف معاش شهري ليقتاتوا منه 
مشيراً إلي أن الدولة أهملت هذه المجزرة بتدويل القضية ورفع دعوي قضائية ضد الصهاينة لتعويض المصابين وأهالي الشهداء المدنيين الذين تعرضوا للقصف والتشريد والعدوان الغاشم كما فعلت إسرائيل مع ألمانيا وحصلت علي تعويضات جراء محرقة "الهولوكوست"
وأرجع عبد الدايم إحجام الأهالي الحديث مع الأعلام في هذه الذكري إلي أنه علي مدار السنوات الماضية تأتي الصحافة والإعلام يسجلون ويسطرون ويقدموا والوعود بتبني القضية ومخاطبة المسئولين لحل مشاكل القرية وتعويض الأهالي دون تحريك ساكن ماجعلهم يمتنعون عن مقابلة أحد معربين عن غضبهم من التشهير بهم عبر الفضائيات والصحف فقط وهذا أيضاً ينطوي علي أعضاء مجلس الشعب الذين لم نراهم إلا أثناء الحملات الانتخابية وفور وصولهم لكرسي البرلمان نجدهم علي الفضائيات فقط 
وطالب عبد الدايم أن تعامل الدولة هذه القرية والتي لها تاريخ عتيق أن تعامل كأي قرية أخري تنعم بالخدمات العامة كالصرف الصحي ومياه الشرب النظيفة  حيث نعاني الانقطاع الدائم في التيار الكهربائي بالإضافة لمستشفي القرية الذي تم تسليمه منذ 12 عاماً والمبني علي أرض مساحتها 12 قيراط  تبرع من الأهالي ورغم الوعود بجعله مستشفي مركزي إلا أنه تحول إلي وحدة طب أسره يأتيه طيب ممارس عام يستقبل الحالات الصعبة فقط بلا أي أمكانيات تذكر
تصادف حديثنا مع طفل يحفظ القرآن في جمعية تنمية المجتمع بالقرية وسألناه عن علمه بالمجزرة فأجاب أنا من سكان رفح وبسبب الأحداث في سيناء أتيت مع أسرتي إلي هنا وعرفت من زملائي كل حاجة وسكت الصبي ونظر إلي السماء ببراءة وقال إن شاء الله "مش هنسيب حقهم"
من جانبة أكد رائف تمراز عضو مجلس الشعب عن دائرة الحسينية أن ذكري المجزرة تمثل واقع ومرارة في حلق كل المصريين مشيراً إلي رسالة بخط اليد لأحدي التلميذات الناجين من ضرب المدرسة موجهه لزوجة نيكسون  مع صور المتحف للكتب والكراريس الملطخة بالدماء والتي سطرت فيها "لو هؤلاء الأطفال كانوا من الأمريكان وضربوا بطائرات الفانتوم أيه رد فعلكوا" كانت رسالة قوية جداً للعلم كله.
وأضاف تمراز أنه عندما حرق النازيون اليهود "الهولوكوست "بألمانيا تم صرف بدلات وتعويضات ضخمة لهم علي عكس تعامل المصريين مع هذا الملف والذي كان من المفترض ملاحقة من الأمم المتحدة لتعويض شهداء ومصابي المدرسة منوهاً أنه لن يسقط حق بالتقادم ونحن كنواب وبعض الشخصيات في المركز سنرفع قضايا في المحاكم الدولية لأخذ حقوق أبناء بحر البقر وهذا حقهم وليس تفضل ولامنه من أحد مشيراً أن صوتي كنائب بالبرلمان سوف يصل لأعلي المنابر حتي في الأمم المتحدة
وطالب تمراز بضرورة إنشاء متحف يليق بالحدث ويكون مزار للعالم  ليعلموا مدي الخسة والندالة لدولة صهيونية تعدت علي الأبرياء من الأطفال من سن 6 سنوات إلي 12 سنة وهم يتلقون العلم بالإضافة لتجميع المقتنيات التي بات بعضها في متحف هرية بمدينة الزقازيق والبعض الآخرنقل في حجرة بالمدرسة الجديدة والتي تبعد عن المكان الأساسي لقرابة 500 متراً بعد أن أصبح مكان المدرسة لا يسع إلا النصب التذكاري لمساحة  لا تزيد عن 16 متراً 
كما يجب تعويض الدولة لأسر الشهداء وصرف معاش دائم لهم وأيضا المصابين الذين ما زالوا علي قد الحياه يتم معاملتهم كمصابي حرب وهذا دور البرلمان 
وأشار تمراز إلي الإهمال الشديد الذي يعانيه أهالي القرية من سوء حالة الطرق حتي المؤدية للنصب التذكاري متهالكة وأيضاً  وباء مصرف بحر البقر الملوثة الذي يحاصر الأهالي في المأكل والمشرب والقادم من القاهرة الكبري حيث ري الزراعات بمياهه والروائح الكريهه التي لا يطيقها أي مسئول بالدولة ونحن كنواب طالبنا بعمل محطات تنقية وهذه صرخت نائب " أنقذوا الأهالي قرية بحر البقر من سوء الخدمة الطبية والطرق المتهالكة والصرف الصحي ومياه الشرب التي لا تصلح حتي للمواشي .

 


 

 

 

 

 

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours