كتب- أبوبكر أبوالمجد
بعد كورونا لم يعد هناك بد من التزام المنازل.. وبات العمل من البيوت نظامًا متبعًا وأسلوبًا ملهمًا في كثير من بلدان العالم، عدا اليابان!
فملايين الشركات حول العالم فضلت العمل عن بعد -من المنزل- للمحافظة على إنتاجية موظفيها في ظل ظروف الإغلاق القسرية التي فرضتها كورونا.
ونجحت برامج الشركات الداخلية الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات ورسائل البريد الإلكترونية وغيرها من التقنيات الأخرى مساعدة هذه الشركات على تحقيق أقصى قدر ممكن من الإنتاج، وتقليص الخسائر قدر الإمكان.
وثمة توجه عام لدى الشركات لتشجيع العمل من البيت حتى بعد كورونا، خاصة وأنها تحقق الهدف الذي طالما استهدفته الشركات في ظل العولمة وسيطرة الرأسمالية المتوحشة على العالم، حيث تقليص العمالة ومن ثم تقليص الأجور، فخفض التكلفة.
ويجمع خبراء على أن العمل من البيت في زمن كورونا ما هو إلا بداية نمط عمل وحياة يومية جديدة.
آراء الخبراء
خلال عدة أيام منذ مطلع مارس من العام الحالي 2020 انقلبت كل الأمور رأسا على عقب.
فمع اجتياح فيروس كورونا العالم قادمًا من بؤرته في مقاطعة هوبي الصينية، ليطوف العالم كله تقريبًا مُخلِّفا مئات الآلاف من الإصابات وآلاف الوفيات، دفع هذا الانتشار الكبير للعدوى الحكومات بتعطيل الكثير من الوظائف النظامية، وتفعيل منهجية “الحجر الذاتي” في المنازل لوقف ذروة انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا.
“حينها تم إلغاء جميع سفريات العمل لدى أليانتس.. وتعلمنا من التجارب”.. يقول أوليفر بيته، رئيس شركة التأمين العملاقة أليانتس، الذي سيعمل هو الآخر مستقبلًا من البيت، لأن إنتاجيته من هناك تكون أحيانًا أكبر.
سيستمر العمل من البيت حتى بعد نهاية وباء كورونا.. فبحسب بيته، الذي يشعر بنشوة كبيرة وهو يتحدث بفخر عن تجربة شركته التي تشغل أكثر من 140 ألف شخص حول العالم.
في غضون أيام قليلة حولت الشركة في مارس 90 في المائة من العمل في المكتب إلى العمل من البيت، كما قال في حديث مع رويترز في بداية يوليو الفائت.
وعن شركة سيمنس هناك قرار بألا يكون جميع العاملين مجبرين بعد وباء كورونا على العودة كل يوم إلى مكاتبهم.
فمجلس الإدارة صادق قبل أسابيع على “نموذج عمل عادي جديد” يمكّن من العمل من مكان غير ثابت.
والهدف هو أن يتمكن العاملون عالميًا من العمل يومين أو ثلاثة في الأسبوع من خارج المكتب، وذلك دومًا عندما يكون ذلك معقولًا ومناسبًا”، حسب إعلان شركة التكنولوجيا في ميونيخ منتصف يوليو. “ويكون ذلك مرتبطًا بأسلوب قيادة مختلف يتجه حسب النتائج وليس الحضور في المكتب، كما قال رئيس مجلس الإدارة المقبل رولاند بوش.
وباء كورونا بين وبشكل جلي أن مكان العمل المتنقل ممكن في إطار أكبر مما كان يعتقد إلى حد الآن وله فوائد كثيرة.
استطلاعات الرأي
قبل الوباء عمل في قطاع الكمياء والسيارات والآلات بألمانيا فقط في واحدة من بين أربع شركات عاملون بانتظام من البيت.
وفي قطاع شركات الخدمات تتجاوز النسبة 50 في المائة للشركات التي تعتزم المراهنة مستقبلًا على العمل من البيت.
واعتمادا على التجارب الجديدة يخطط الكثير من الشركات لاستغلال العمل من البيت بشكل مكثف قبل بداية الوباء، كما يقول معد الدراسة، دانييل اردزيك من مركز بحوث الاقتصاد الأوروبية.
فيما كانت شركة واحدة من بين ثلاث مجبرة على الاستثمار في تقنيات جديدة حتى تتمكن من استغلال العمل من البيت أثناء الأزمة.
وهذه نتيجة استطلاع للرأي استهدف نحو 1800 شركة.
“ولاسيما في الشركات الكبرى يدفع وباء كورونا إلى توسيع طويل المدى لعروض العمل من البيت.
وعلى هذا النحو تتوقع نحو 75 في المائة من الشركات في اقتصاد المعلومات انطلاقًا من 100 موظف توسيعًا طويل الأمد للعمل من البيت”، كما يقول دانييل اردزيك.
ولدى الشركات المتوسطة الحجم تصل هذه النسبة إلى 64 في المائة ولدى الشركات الصغيرة حتى 19 موظفا تصل إلى 40 في المائة.
لكن ليس جميع الشركات الألمانية الكبرى تراهن بقوة على العمل من البيت. فلدى شركة التأمين Munich Re يعمل حاليا نصف الموظفين في المكتب بمركز الشركة في ميونيخ.
فيسبوك
في الولايات المتحدة الأمريكية ستكون الشركات مجبرة لوقت طويل على حماية الموظفين من وباء كورونا من خلال العمل من البيت.
فشركة فيسبوك تسمح لموظفيها بالعمل من البيت على الأقل حتى يوليو 2021 بسبب وباء كورونا.
كما أن العاملين يحصلون على ألف دولار لتحسين التجهيزات، حسب ما أعلنت متحدثة باسم الشركة.
وبهذا تتبع فيسبوك ما قامت به شركات أخرى مثل غوغل وتويتر.
وتفيد فيسبوك بأنه من غير المرجح أن تعود الكثير من المكاتب في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية لفتح أبوابها مجددًا هذا العام بسبب أعداد الإصابة العالية بعدوى فيروس كورونا.
اليابان استثناءً
إذا كان هذا حال الشركات حول العالم إلا أن الأمر يبدو غير ممكن في اليابان، لأسباب تتعلق بطبيعة شعبها.
في العاصمة طوكيو، لا تزال القطارات مكتظة بالركاب، فيما تتصرف العديد من الشركات وكأن شيئا لم يحدث، رغم كل تداعيات “كوفيد 19″، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وتحث حكومة المدينة سكان طوكيو، البالغ عددهم نحو 13 مليون نسمة، على البقاء في منازلهم، مع زيادة عدد الحالات الجديدة في الأيام الماضية.
وسجلت اليابان حتى الآن نحو 3800 إصابة بالفيروس، إلى جانب 85 حالة وفاة، ومع استمرار ارتفاع الضحايا تزايدت الدعوات للحكومة المركزية بإعلان حالة الطوارئ.
لكن وفقًا للصحيفة الأمريكية في إبريل الماضي، فالسبب الذي يجعل جل الموظفين في اليابان لا يفضلون العمل عن بُعد هو “ثقافة العمل في هذه البلاد”.
وتحتم هذه الثقافة على اليابانيين، العمل من مقار الأعمال، والتفاعل وجهًا لوجه مع الزملاء “لإظهار نوع من الاحترام”.
وفي اليابان، عادة ما يتم الحكم على الموظفين من خلال عدد الساعات التي يقضونها في المقر، وليس من خلال إنتاجهم، وهو ما يجعل مدراء الشركات لا يثقون في عمل موظفيهم عن بُعد.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مصرفي استثماري في طوكيو قوله: “مديري قالها لنا بصوت عال وواضح: إذا سمحت لكم بالعمل من المنزل، فقد لا تركزون في عملكم وتقومون بأمور ثانوية أخرى، من يدري؟ قد تشربون الخمر وتشتغلون في الوقت نفسه”.
ووفقًا للمصدر، فإن ثقافة العمل هذه جعلت اليابان من بين الدول المتقدمة، لكن في الوقت ذاته من البلدان الأقل استعدادًا لتطبيق فكرة العمل عن بُعد.
ويتطلب العمل من المنزل في اليابان تحضيرًا مسبقا من طرف الشركات، خصوصًا فيما يتعلق بالأمور التقنية واللوجستية، لكن “الشركات اليابانية غير جاهزة بعد لهذا الأمر” وفقا للصحيفة.