حوار: أبوبكر أبوالمجد
تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة خطيرة وحساسة للغاية، وكأنها تسير فوق الصراط، فهل تراها تعبر بنجاح أم تسقط في الجحيم؟
حول العديد من الملفات المشتعلة في هذه الأيام كانتخابات الرئاسة الإيرانية، وتطور العمليات التكتيكية لمليشيا الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب، يجيبنا الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، وأستاذ اللغة الفارسية وآدابها بجامعة كفر الشيخ، د. مسعود إبراهيم حسن، عبر هذا الحوار:
* هل ترى التطور والتكثيف النوعي لعملياتهما في المنطقة وأعني هنا مليشيا الحوثي وحزب الله طبيعيًا أم أنه يأتي في إطار الرد على احتمالية تورط الكيان في مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟
أعتقد أن التصعيد الحوثي هو أمر عادي جدًا ومتوقع، ويأتي استمرارًا للدور الذي تقوم به الميليشيات التابعة لإيران خاصة في منطقة البحر الأحمر، كما أعتقد أن التصعيد الحوثي ليس له علاقة من قريب أو بعيد بمقتل إبراهيم رئيسي؛ لأن إيران إذا كان لديها اعتقاد بتورط إسرائيل أو الولايات المتحدة في مقتل رئيسي، فإن الرد سيكون من إيران نفسها وليس مليشياتها العسكرية، وأرى أن إيران تتجنب هذا الأمر خاصة أن البيان الأولي للتحقيقات أثبت أن عوامل الطقس وراء سقوط الطائرة، فإيران من وجهة نظري لن تجرؤ على اتهام إسرائيل في الضلوع في هذه العملية؛ لأن اتهامها يمثل فشلًا كبيرًا للنظام الإيراني، ومسألة الأمن وحماية الرئيس والشخصيات الكبيرة. نعلم جيدًا أن إيران مخترقة أمنيًا سواء في الداخل أو حتى الخارج في ميليشياتها العسكرية؛ لكن نحن نتكلم عن شخصية الرئيس، الرجل الثاني في السلطة في إيران، فمسألة تورط إسرائيل هي إدانة للنظام الإيراني قبل أي طرف آخر، ولهذا أرى أنه لا يجب أن نربط بين التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، ومقتل إبراهيم رئيسي.
لكن التصعيد الحوثي له رسائل آخرى يرسلها النظام الإيراني للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، منها أن إيران لا يزال لديها القدرة على الضغط ولديها الأوراق التي تستطيع أن تلعب بها في هذا الاتجاه، وهذه الأوراق تستخدمها كذلك لتحقيق مكاسب سواء في السيطرة الإقليمية أو الاتفاق النووي، فكلها أوراق تستخدمها إيران لتحقيق مكاسب في هذا الصدد، ولا يمكن أن نؤكد على أن هذه العمليات تأتي كرد على مقتل إبراهيم رئيسي، لأن مليشيات الحوثي منذ السابع من أكتوبر وهي تقوم بالعديد من العمليات النوعية في البحر الأحمر، وما تقوم به الآن هو استمرار لهذه العمليات وتأكيد قدراتها على إصابة السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر المحيط الهندي.
* ما هي قراءتكم لسيناريو الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة وهل ستكون الغلبة للتيار الأصولي المتشدد أم التيار الإصلاحي؟
فيما يتعلق بمستقبل الدولة الإيرانية بعد إبراهيم رئيسي، وانتخابات الرئاسة المقبلة، فنعلم أن الدستور الإيراني يضع كل السلطات في يد المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، سواء كانت تشريعية (مجلس الشورى الإسلامي) أو تنفيذية (رئيس الجمهورية) أو قضائية، وحتى المرشد الأعلى في أول بيان له بعد سقوط الطائرة، أو اختفاء طائرة رئيسي، أعلن أن الأمور في الدولة لن تتعطل، وأنها تسير كما هو معتاد، لأن البيت الإيراني يحكمه شخص واحد، حيث غياب أي سلطة من السلطات الثلاث يعوضها وجود المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، ولذلك فإن ترتيب البيت الإيراني كان جاهزًا وفق الدستور، حيث تم تنصيب نائب الرئيس محمد مخبر، للفترة الانتقالية المحددة ٥٠ يومًا، وبالتالي الأمور تسير بانسيابية ودون تعقيد.
لكن ربما توجد بعض الملفات الشائكة خاصة فيما يتعلق بوزارة الخارجية، حيث راح ضحية سقوط الطائرة أيضًا حسين أمير عبداللهيان، وهذا الرجل كان يمثل قوة ضاربة في الخارجية الإيرانية، حيث كان يدير العديد من الملفات الهامة، منها المفاوضات النووية، والتفاوض مع الدول الغربية، والتطبيع مع بعض الدول العربية، وكان عبداللهيان أحد الشخصيات المقربة جدًا من المرشد الأعلى، وكان يصفه بمستقبل الجمهورية الإيرانية، فأعتقد هذه هي النقطة الأهم التي ستتأثر بها إيران وهو ملف الشؤون الخارجية، وإن كان هناك أسماء مطروحة لتولي هذا الأمر.
ونعود للانتخابات الرئاسية، فأنا أرى أن التيار الأصولي المتشدد سيظل هو المسيطر على السلطات الثلاث في إيران، وكانت البداية إعادة تنصيب محمد باقر قاليباف، رئيسًا لمجلس الشورى الإسلامي ليقود مجلس أصولي متشدد في الفترة الحالية، وهذا ما يجعلني أرجح فوز رئيس أصولي متشدد ليستمر التناغم والتوافق بين السلطات الثلاث، خاصة وأن إيران تمر بتوقيت حرج ودقيق للغاية، ولا تحتمل هذه المرحلة أي نزاعات أو اختلافات، وليكون ذلك فيجب أن يكون الرئيس المقبل من التيار الأصولي المتشدد، وأعتقد أن هناك أسماء كثيرة مرشحة من هذا التيار؛ لكن فيما يتعلق بالتيار الإصلاحي ومع ترشح علي لاريجاني، فثمة اتفاق بين الإصلاحيين على شخصه، وأنه الأنسب لخوض هذه الانتخابات؛ غير أن الشارع الإيراني ليس لديه أي ثقة لا في التيار الأصولي ولا الإصلاحي، والنظام هو من سيحدد من هو رئيس إيران المقبل، وكما قلت الانسجام والتوافق بين السلطات هو الهدف الأسمى للجمهورية الإيرانية في هذه المرحلة الدقيقة، حيث بؤر التوتر الكثيرة المحيطة بها من كل جانب، وقضايا إقليمية مهمة جدًا تتطلب هذا التوافق، وغياب الإصلاحيين أو اخفاقهم المتوقع في الانتخابات المقبلة لا علاقة له بمساعي التيار الأصولي المتشدد في السيطرة بقدر ما فقد الإصلاحيون الزخم في الشارع حيث لم يجدهم في الانتفاضة الأخيرة التي امتدت لأشهر بعد مقتل مهسا أميني، وهي في قبضة الشرطة.
* بعد إعلان إيران نقلها تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وصاروخ “قدر” المضاد للسفن فهل من شأن ذلك تعبيد الطريق بصورة أسرع نحو حرب كونية ثالثة؟
فيما يتعلق بنقل تكنولوجيا الصواريخ إلى مليشيا الحوثي من إيران، فإن هذا ما اعتدناه منها، وهو دعم المليشيات العسكرية في المنطقة بالأسلحة ليس فقط في اليمن وإنما في لبنان والعراق، وهذا يجعلنا نتساءل أين هذه التكنولوجيا من حماس، والقسام وحركات المقاومة في فلسطين، حيث تدعم إيران المليشيات التابعة لها بأحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية والصواريخ الباليستية، فلما لم تصدر هذه التكنولوجيا إلى مجاهدي فلسطين؟!
أقول هذا حتى ندرك أن إيران لا تدعم مطلقًا المقاومة الفلسطينية، وما دعمها لحماس في وقت من الأوقات أو فترة من الفترات إلا لأهداف إيرانية متعلقة بأطماعها في المنطقة وصراعها مع الكيان، كما تستغل مليشياتها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، فأعتقد أن إيران عندما ترى أي مكاسب تصب في مصلحتها فإنها تدعم أي فصيل في سبيل ذلك بكل الوسائل العسكرية الممكنة سواء بالسلاح أو التكنولوجيا العسكرية. ومليشيا الحوثي في هذه المرحلة هي أهم مليشيا تابعة لها في هذا التوقيت لعدة أسباب أهمها الموقع الجغرافي لتمركز هذه المليشيا، حيث البحر الأحمر وباب المندب والسيطرة على ثلث حركة التجارة العالمية تقريبًا، الأمر الثاني أن الحوثيين الآن على رأس الدولة اليمنية وإن كان بالتنازع مع الجنوب لكن وضع الحوثي أفضل كثيرا من وضع مثيله حزب الله في لبنان الواقع في صراع عميق مع الدولة اللبنانية في هذه الأثناء، وأي محاولة منه لتصدر المشهد في هذا التوقيت سيكون بمثابة بداية النهاية له.
لكن الأمر مختلف تماما مع مليشيا الحوثي حيث يتصدرون المشهد في اليمن ولديهم السلطات والقوة العسكرية والقدرة والموقع الجغرافي كما أشرنا يمكنهم من القيام باحتكاكات عسكرية تحقق لهم أهدافهم، ولذا فإن مليشيا الحوثي هي الأهم في هذا التوقيت بالنسبة للنظام الإيراني، ولذا فإنها تدعمها بكل خبراتها وكل أسلحتها من أجل القيام بدورها الخدمي للمصالح الإيرانية.
أما عن فكرة جر مليشيا الحوثي المنطقة إلى حرب كونية فهو من وجهة نظري أمر مستبعد لأن المليشيا تدرك أيضا أنها لا قدرة لديها على المواجهة بشكل مباشر؛ لكن هي تقوم بعمليات تكتيكية في البحر الأحمر ضد سفن تجارية وعسكرية، ومن حين لآخر ترد الولايات المتحدة ودول تحالف حارس الازدهار على هذه العمليات؛ لكن فكرة المواجهة المباشرة ستخسرها مليشيا الحوثي بالقطع، وهي تدرك ذلك من غير شك.
ونعود لنكرر الحوثي ليس إلا أداة وورقة ضغط في يد إيران تستخدمها وقتما شاءت من أجل الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية؛ لكن لن توصل الأمر إلى مستوى الحرب الكونية.
+ There are no comments
Add yours