انعكاسات انهيار أسعار النفط على عائدات دول «أوبك»

1 min read

وليد خدوري كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

تشير معلومات صدرت عن الأمانة العامة لمنظمة «أوبك»، إلى انخفاض الريع المالي الناتج عن الصادرات البترولية لأقطار المنظمة من 1.183 تريليون دولار عام 2012 إلى 446 بليوناً في 2016، ما يعني خسارة أقطار «أوبك» نحو 62 في المئة.

والسبب في اختيار هاتين السنتين، هو بدء تدهور الأسعار في النصف الثاني من عام 2014 والذي استمر حتى نهاية 2016. إذ تراجعت الأسعار إلى نحو 27 دولاراً للبرميل في الربع الأول من 2016 لتستقر بعد اتفاق «أوبك» مع بعض الدول المنتجة وتحديداً روسيا، في نطاق ضيق يتراوح بين 50 و55 دولاراً للبرميل في الأشهر الأولى من العام الحالي.


لكن بدأت الأسعار تتراجع مجدداً إلى نحو 47 دولاراً في الأسابيع الأخيرة، بسبب الزيادة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ما ضعضع الجهود لخفض المخزون العالمي الذي يضغط على الأسعار.


وتشير معلومات منظمة «أوبك» إلى أرقام انخفاض ريع الصادرات النفطية للأقطار الأعضاء بين عامي 2012 و2016، كالآتي: السعودية من 337.5 بليون دولار إلى 134.4 بليون، وإيران من 101.5 بليون دولار إلى 41.1 بليون، والإمارات من 88 بليون دولار إلى 45.8 بليون، والكويت من 108.5 بليون دولار إلى 41.5 بليون، وقطر من 65.1 بليون دولار إلى 23 بليوناً.


وسُجل هبوط في ريع الصادرات النفطية في الأقطار الأعضاء التي تشهد اضطرابات ونزاعات عسكرية داخلية بين عامي 2012 و2016، وواجه أيضاً بعض هذه الدول تراجعاً في الأسعار والإنتاج، مثل ليبيا ونيجيريا بسبب الاضطرابات والنزاعات العسكرية. ففي العراق تراجع من 94.1 بليون دولار إلى 43.8 بليون، وفي فنزويلا من 93.6 بليون دولار إلى 25.1 بليون، وفي ليبيا من 60.2 بليون إلى 9.3 بليون، وفي ونيجيريا من 95.8 بليون دولار إلى 27.8 بليون.


ويبرز هذا التدهور الضخم في الريع المالي ثلاث ظواهر، الأولى قديمة ومعروفة، وتتمثل بخطورة الاعتماد الشامل للدول المصدرة على الريع المالي للصادرات النفطية، إذ إن المتغيرات في الأسعار شاسعة وسريعة، ما يؤدي إلى إرباكات وتحديات لموازنات الدول المصدرة وخططها.

وبما أن اقتصادات هذه الدول تؤثر على كل من القطاعين العام والخاص، فهي تفضي بدورها إلى قلاقل اجتماعية وسياسية من الصعب التعامل معها عند انهيار الأسعار، خصوصاً إذا لم تتوافر بدائل اقتصادية كافية.

وتُنتهز هذه الفرص للاستغناء الجماعي عن اليد العاملة الأجنبية. وأُقيل بالفعل في بعض الدول آلاف الموظفين والعمال من المؤسسات الحكومية، ناهيك عن الخسائر التي لحقت بالشركات الخاصة واضطرارها أيضاً إلى صرف الكثير من موظفيها، لخفض النفقات.


لكن، توجد أمثلة عن دول تستخدم الموظفين والعمال المحليين، إذ اضطرت هذه الدول إما إلى الاستغناء عن عمل عدد من المواطنين، أو تقليص معاشاتهم ورواتب تقاعدهم وتأجيلها. وهذه التجربة قد تتوسع تدريجاً في المستقبل، مع ازدياد الاعتماد على الموظفين المحليين وتقليص عدد الأجانب في البلاد.


الظاهرة الثانية حديثة العهد، إذ برزت مع ظهور صناعة النفط والغاز الصخريين في أمريكا، والتي أحدثت تغيرات أساسية في الأسواق النفطية. إذ لا يمكن الشركات المنتجة للبترول الصخري الأمريكي وحكومة الولايات المتحدة، التفاوض مع منظمة «أوبك» لخفض الإنتاج وتوازن الأسواق، لأن القوانين الأمريكية تمنع التفاوض مع منظمات وشركات احتكارية، وهي صنفت «أوبك» احتكارية.

من ثم، تضطر المنظمة مع دول منتجة أخرى، إلى تحمل مسؤولية خفض الإنتاج على عاتقها منفردة. لكن، تدل تجارب السنوات الماضية، على زيادة ملحوظة في إنتاج النفط الصخري مع خفض «أوبك» والدول المنتجة الأخرى إنتاجها، وتمكن زيادة الإنتاج إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً وبسرعة غير متوافرة في بعض الحقول التقليدية.

وهذا ما يؤدي إلى صعوبة تقليص الفائض العالمي بالسرعة اللازمة. كما أخذ يزداد الأمر تعقيداً مع إمكان صناعة النفط الصخري تقليص نفقاتها وتحسين التقنية التي تستعملها، بحيث أخذ بعض الحقول ينتج بربحية حتى مع هبوط الأسعار إلى 35 دولاراً للبرميل.


والظاهرة الثالثة مستقبلية متوسطة وبعيدة المدى، تتميز بتزايد العوامل المؤثرة في الصناعة البترولية، التي تشمل ازدياد الاعتماد على بدائل طاقة متعددة، واتفاقات المناخ وبرامج مكافحة التلوث ومعالجة ثاني أوكسيد الكربون، والاكتشافات في مياه البحار العميقة والقطب الشمالي.

ويتوجب على الصناعة البترولية الأخذ في الاعتبار هذه العوامل الحديثة، وفي وقت تحسب تكاليفها التقليدية لتطوير الحقول. إذ أخذت بعض التكاليف الفنية تتقلص، لكن بدأت تبرز مؤثرات حديثة على الصناعة الهيدروكربونية.

كما يوجد دور العوامل الجيوسياسية المتزايدة الخطورة، التي تؤثر مباشرة على الصناعة. وكانت هذه المؤثرات سابقاً تعتبر سبباً لزيادة الأسعار. أما الآن، ومع ازدياد الفرص لاكتشاف النفط والغاز في مناطق مختلفة من العالم، وزيادة الإمدادات وتحديداً تلك القريبة من الأسواق الضخمة، أخذت استثمارات الشركات تبتعد تدريجاً عن المناطق المثيرة للخلافات الجيوسياسية، لتطوير مناطق أقل عرضة للمشاكل.

وإذا لجأت الشركات إلى المناطق الموعودة ذات الخلافات الجيوسياسية، فهي تفرض كلفة الأخطار على الدول المنتجة ذاتها. وخلافاً للسابق، تتوافر فرص كثيرة للشركات للعمل خارج الدول المنتجة التقليدية، خلافاً لما كان عليه الوضع سابقاً.


إضافة إلى ذلك، هناك التخوف من ازدياد دورات انهيار الأسعار ومدى إرباكها للصناعة. على سبيل المثال، اضطرت الشركات إلى تقليص مشاريع إنتاجية جديدة أو الاستغناء عنها خلال الانهيار الأخير تقدر بمئات بلايين الدولارات. ويُتوقع أن يؤدي هذا النقص في الاستثمارات إلى خلل في ميزان العرض والطلب في المستقبل القريب، والذي سيفضي بدوره إلى زيادة الأسعار ثانية ولو لمرحلة قصيرة.


ولا يجب إغفال ظاهرة ازدياد استهلاك الطاقة (النفط والغاز) في الدول المنتجة ذاتها. إذ أخذ بعض هذه الدول يسجل أعلى معدلات الارتفاع لاستهلاك الطاقة، بحيث أخذت هذه الزيادات في حال عدم محاولة معالجتها والتعامل معها بسرعة، تهدد مستويات التصدير للسنوات المقبلة.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours