اليونسكو.. خروج عن النص الصهيوأمريكي أنصف القدس

1 min read
أبوبكر أبوالمجد

المؤسسات الدولية هي الدائرة التي صنعتها الدول الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية بهدف السيطرة على العالم تحت إطار قانوني يحقق مصالح هذه الدول، ويستحيل أن تخرج هذه المنظمات عن النص المكتوب لها من قبل هذه الدول وعلى رأسها أمريكا وذيلها إسرائيل.

وتحت مظلة السلام، والحفاظ على أمن العالم تتحرك هذه المؤسسات ثقافيا واقتصاديا وسياسيا في الاتجاه المرسوم لها، فقط بما يحقق مصالح هذه الدول الكبرى ومن والاهم.

وكم عانى العرب أشد المعاناة من هذه المؤسسات، وظهر هذا جليا في قضية القضايا (فلسطين).

فقد تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونيسكو” الثلاثاء 18 أكتوبر مشروع قرار بالحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية.

وتم اعتماد القرار بعد تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة عليه بشكل نهائي، بعد أن كانت لجنة تابعة للمنظمة صوتت عليه الخميس الماضي وأقرته، ليكون تصويت المجلس التنفيذي نهائيا ولا رجعة فيه، رغم الضغوطات الإسرائيلية الكبيرة على الدول الأعضاء بالمنظمة لثنيها عن دعم القرار.

وينص مشروعا القرارين اللذين تم اعتمادهما الخميس 13 أكتوبر، خلال جلسة لإحدى لجان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” على “الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية” واعتبار المسجد الأقصى وكامل الحرم الشريف موقعا إسلاميا مقدسا ومخصصا للعبادة.

وصوتت 24 دولة لصالح القرار الفلسطيني مقابل 6 دول فقط عارضته، بينما امتنعت 26 دولة عن التصويت وغاب ممثلو دولتين. 

ولم تدعم أي دولة أوروبية القرار الفلسطيني، حيث انتقلت فرنسا والسويد وسلوفينا إضافة لدول الهند والأرجنتين وتوغو، من موقف المؤيد إلى الممتنع عن التصويت، فيما غاب ممثلو جمهوريتي تركمنستان وصربيا. 

وصوت لصالح القرار الفلسطيني كل من البرازيل، الصين، مصر، جنوب أفريقيا، بنغلادش، فيتنام، روسيا، إيران، لبنان، ماليزيا، المغرب، ماوريتسيوس ، المكسيك، موزنبيق، نيكاراغوا، نيجيريا، عمان، باكستان، قطر، جمهورية الدومينيكان، السنغال، السودان. 

وعارض القرار كلّ من الولايات المتحدة، بريطانيا، لاتفيا، هولندا، إستونيا، ألمانيا.

ويطالب المشروع إسرائيل بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائما حتى سبتمبر من عام 2000، “إذ كانت دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية، السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد”، كما يطالب إسرائيل بوقف انتهاكاتها بحق المسجد، مؤكدا أن تلة باب المغاربة هي جزء لا يتجزأ من المسجد الاقصى، ويرفض الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب.

وبالرغم من كون منظمة اليونسكو مؤسسة ثقافية تنموية، إلا أنها فى أحيان كثيرة تتعرض للضغوط السياسية والابتزاز المالى من قبل أمريكا وإسرائيل وفق أهدافهما وأهوائهما، وكثيرا ما عانت فلسطين من تلك هذه القرارات التى أثرت على القضية الفلسطينية، وكان آخرها إقرار منظمة اليونسكو بأن مسجد القدس يخص التراث الإسلامى، وأنه لا يوجد ارتباط تاريخى بين اليهود والقدس، وبعدها تراجعت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لـ"اليونسكو"، وأعربت فيه عن رفضها لهذا القرار، مشددة على أن "مسجد الأقصى أو الحرم الشريف هو أيضًا جبل الهيكل، وفيه حائط المبكى أقدس مكان لليهود".

محطات لا تنسى في مسيرة فلسطين بالمنظمة

فى عام 1967، ظلت إسرائيل تخرِّب وتدمر مواقع تاريخية وثقافية ودينية وطبيعية فى أرجاء مختلفة فى الأرض الفلسطينية المحتلة، فقد أقدمت السلطات الإسرائيلية عقب احتلالها القدسَ مباشرةً، على هدم حارة المغاربة فى البلدة القديمة، واستولت على مبانٍ تاريخية ودينية مثل متحف فلسطين للآثار.

وفى عام 1989، سعت دولة فلسطين للانضمام لمنظمة اليونسكو، ولم يكن الاعتراض الأمريكى ليعوق الانضمام لليونسكو مع حصول الفلسطينيين على ثلثى أصوات المؤتمر العام لليونسكو فى باريس، ويضم وفود 193 دولة.

عام 2010، أكدت اليونسكو أن محاولة إسرائيل لضم الحرم الإبراهيمى “كهف البطاركة” فى الخليل ومسجد بلال بن رباح “قبر راحيل” فى بيت لحم لقائمة التراث الوطنى الإسرائيلى تمثل “انتهاكًا للقانون الدولى” واتفاقات اليونسكو وقرارات الأمم المتحدة، وفى مطلع عام 2012، حذفت إسرائيل الموقعين من قائمة المواقع التى ستخضع للترميم، وعزت ذلك لاعتبارات مالية.

وفى عام 2010، عندما فكرت مصر ترشيح “فاروق حسنى” وزير الثقافة الأسبق لرئاسة المنظمة، هددت أمريكا قبل عامين بأنه فى حال تولى شخصية عربية مسلمة رئاسة “اليونسكو” فإنها ستعمل على مقاطعة المنظمة، وذلك لانحيازه للقضية الفلسطينية وبالتالى ستقطع عنها ميزانيتها، والتى تمثل حوالى 25% من المنظمة الدولية، وذلك فى إشارة إلى عدم تولى فاروق حسنى رئاسة “اليونسكو”.

وفى عام 2011 قرر المؤتمر العام لليونسكو المنعقد فى باريس قبول انضمام فلسطين عضوًا كامل العضوية فى اليونسكو، وقد صوتت 107 دول لصالح القرار، من بينها فرنسا وإسبانيا والنرويج من دول الاتحاد الأوروبي؛ فى حين صوتت 14 دولة ضد القرار من بينها: الولايات المتحدة وإسرائيل وكندا وألمانيا، بينما امتنع عن التصويت 49 دولة، وبذلك تنتقل فلسطين من عضو مراقب إلى عضو كامل العضوية تتمتع بكل الامتيازات التى تتمتع بها الدول الأخرى.

وفى أكتوبر 2011، تجاهلت المحكمة العليا الإسرائيلية التزامات إسرائيل بموجب المعاهدات والبروتوكولات المنبثقة عن اليونسكو واعتبرت أن الأعمال الأثرية متوافقة مع القانون المحلى الإسرائيلى.

وفى مثالٍ صارخ آخر، يعكف مركز “سيمون فيزنتال” على بناء متحف التسامح فى القدس الغربية، الأمر الذى اقتضى إجراء حفريات فى مقبرة مأمن الله القديمة واستخراج مئات الجثث والرفات من قبورها، يعود تاريخ المقبرة إلى القرن السابع الميلادى، وأعلنته سلطات الانتداب البريطانى كموقعٍ أثرى، ولا تزال أعمال الحفر متواصلة فى انتهاك لالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية حماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى لعام 1972 المنبثقة عن اليونسكو.

وفى نوفمبر 2011 قررت واشنطن وقف تمويل منظمة اليونيسكو، احتجاجاً على قيامها بقبول العضوية الكاملة لـ”دولة فلسطين” وتوقفت أمريكا عن دفع 80 مليون دولار، كانت واجبة الدفع فى تلك الفترة، كذلك اتخذت كندا نفس السبيل وتوقفت عن المشاركة بما قيمته 10ملايين دولار.

بركان غضب صهيوأمريكي

فجر هذا القرار بركان الغضب، لدى الحكومة الإسرائيلية وخصوصا أنه لا يأتي على ذكر “جبل الهيكل”، إذ اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن النصين الجديدين إنكار للعلاقة بين الشعب اليهودي والحرم القدسي الشريف، “اليونيسكو اتخذت مرة أخرى قرارا ينطوي على الهذيان حول عدم وجود صلة بين شعب إسرائيل والحرم القدسي وحائط المبكى”، واصفا هذا النفي كنفي صلة الصين بسور الصين العظيم والعلاقة بين مصر والأهرامات.

في السياق ذاته، دعت الولايات المتحدة منظمة اليونيسكو إلى عدم اعتماد القرار، إذ أعرب الناطق بلسان الخارجية الأمريكية عن قلق واشنطن إزاء تكرار هذه القرارات السياسية واصفا إياها بغير”المفيدة”.

والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، بينما يعتبر اليهود حائط البراق (المبكى عند اليهود) “الواقع أسفل باحة الأقصى آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذي دمره الرومان، وهو أقدس الأماكن لديهم”. 

 في ذات السياق أكد السفير الإسرائيلي لدى اليونيسكو 17 أكتوبر أن المديرة العامة لهذه المنظمة تعرضت لتهديدات بالقتل بسبب إبدائها تحفظات على مشروع قرار عربي بشأن القدس الشرقية.

 

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours