حقيبة على الظهر، وبنطلون “جينز” مهترئ وقميص شبابي.. هكذا بدت الشابة الرواندية ماريا في طلّتها وهي تقف في إحدى محطّات العاصمة كيغالي، في انتظار وصول حافلتها.
ورغم طول انتظارها، لم تبد عليها علامات الضجر أو التذمّر، بل بالعكس، بدت غير مرتبطة بتلك الجلبة المحيطة بها إلا بجسدها، في حين استغرقت بذهنها في متابعة أخبار العالم عبر هاتفها المحمول.
“أنتظر الحافلة منذ أكثر من 8 دقائق”، تقول ماريا لمراسلة الأناضول، دون أن ترفع عينيها عن هاتفها الذكي، وسط نظرات الفضوليين المنتشرين في المحطة، “وفي الإنتظار”، تضيف، “أشغل نفسي بالتواصل مع أصدقائي والإطلاع على المستجدات”.
لحظات فقط كانت كافية قبل وصول حافلة سرعان ما احتشد أمام بابها الأمامي جمع غفير من الركاب. وبعد تدافع استمر لبضع دقائق، توزع الركاب في مقاعدهم، ليطلق السائق العنان لمحرك حافلته ويجوب أحياء العاصمة الرواندية.
ومع أن مواعيد الحافلات غير مضبوطة، إلا أنّ طول الإنتظار وما يرافقه من ضجر وامتعاض يومي يعيشه عشرات الشباب في العاصمة الرواندية، لم يعد يشكل إشكالا بالنسبة لهم، فلقد وجدوا، أخيرا، ما يخفف من حدّته في نفوسهم، ويبث فيها طاقة صبر وتحمّل غريبة، وذلك من خلال الإستفادة من تقنية “الواي فاي” المتاحة في المحطات الرئيسية بالمدينة وبجميع حافلات النقل الحكومية فيها.
تقنية جهّزت بها السلطات الرواندية حافلاتها بالعاصمة، ما منح عشاق مواقع التواصل الاجتماعي في كيغالي فرصة الإبحار عبر النت، وتبادل صور “السلفي” والمحادثات مع ذويهم وأصدقائهم داخل البلاد أو عبر العالم، متخذين المحطة ومقاعدها خلفية لها.
وخلال احتفال إطلاق خدمة إنترنت الجيل الرابع “4G” في الحافلات، في الـ 18 فبراير/شباط الماضي، أعلن جون فيلبير نسنجيمانا، وزير الشباب والتكنولوجيات الحديثة أن الإنترنيت في الباصات باتت متاحة بالمجان دون وسيط، داعيا، في السياق ذاته، “الركاب إلى تقديم تشكياتهم في صورة عدم توفر الخدمة”.
وباتت مئات الحافلات في بوروندي تتيح لركابها فرصة الاتصال بالشبكة العنكبوتية، في المحطات أو على طول الطريق الذي تسلكه في العاصمة، خاصة الشباب منهم الذين لا يترددون في سحب هواتفهم الذكية والإنتفاع بالخدمة المجانية حتى بلوغ وجهتهم، من بينهم ماريا.
الطالبة الرواندية، قالت في هذا الخصوص، للأناضول: “لن تدفع شيئا، ولست بحاجة لشحن هاتفك أو شراء خدمة انترنيت”، مضيفة “كل شيء مجاني، وهذا ما يجذبنا”.
هكذا هي يوميات ماريا في موقف الحافلات، عينان مصوبتان نحو شاشة هاتفها المحمول، لترتسم إبتسامة، بين الفينة والأخرى، على شفاهها خلاال محادثة مع أصدقائها عبر تطبيق “واتساب” أو عقب مشاهدة فيديو مسلي على مواقع “تويتر” أو “فيسبوك”.
ومثل أغلب أبناء جيلها، تنكب الشابة ماريا على كتابة الرسائل بلغة “كينيا رواندا”، إحدى اللغات الأكثر انتشارا في بلادها، قبل صعود حافلة شركة “رواندا فيديريشون ترنسبورت كوبيراتيف”، احدى مؤسسات النقل العمومي الثلاثة في كيغالي.
سيلستين نغاروهوتس، منسق الشركة بالمنطقة الثالثة بالعاصمة الرواندية قال للأناضول: “لسنا بحاجة إلى رمز دخول للإنتفاع بالأنترنيت داخل الحافلات أو في موقفها. يكفي أن تفتح “الواي-فاي” عبر هاتفك لتجد نفسك موصولا بالشبكة العنكبوتية مباشرة”.
وأردف هيرفي تويشيم، مستثمر شاب للأناضول: “عن طريق النت في الباصات نربح بعض الوقت، كما تعلمون”، مضيفا “نستطيع دخول بريدنا الإلكتروني وأخذ مواعيد مع المزودين والتحدث مع الموظفين وحتى مع الاسرة، في اللحظة ذاتها”.
وعلاوة على كلفة النقل العمومي “المنخفضة جدا” التي تتراوح ما بين 150 و300 فرنك رواندي (0.25 إلى 0.50 دولار)، أي نصف سعر التنقل بواسطة دراجة نارية (تستخدم للنقل) و3 مرات أقل من تكلفة التاكسي، يتمتع الشباب والركاب، بصفة عامة، بإمكانية الحصول على بطاقة ممغنطة تمكن حاملها فور شحنها مباشرة وإدخالها في عداد مركز في حافلات شركات “كيغالي باص سيرفيس” و”روايال إكسبريس” و”رواندا فيديريشون ترنسبورت كوبيراتيف”، من ركوب الحافلات دون الحاجة إلى إقتطاع تذاكر بشكل يومي وسط الطوابير الطويلة.
وفي هذا الإطار، أشار هيرفي تويشيم إلى أنه “يكفي أن تضع بطاقتك لتدخل، على غرار موزع أوتوماتيكي”.
وخلال احتفال إطلاق خدمة إنترنيت الجيل الرابع “4G” في الحافلات، في الـ 18 فبراير/شباط الماضي، أعلن جون فيلبير نسنجيمانا، وزير الشباب والتكنولوجيات الحديثة أن الإنترنيت في الباصات باتت متاحة بالمجان دون وسيط، داعيا، في السياق ذاته، “الركاب إلى تقديم تشكياتهم في صورة عدم توفر الخدمة”.
ووعد الوزير بتعميم خدمة الجيل الرابع في كامل حافلات النقل العمومي في البلاد.
اجراءات أسعدت المواطنين، في بلد يسعى جاهدا، للإلتحاق بركب الدول التي أضحت الشبكة العنكبوتية دعامة إقتصادها وركيزة مجتمعها.
وفي هذا الإتجاه، أعرب إيمانويل غاتورانو، دليل في محطة وسط العاصمة، عن فخره قائلا: “منذ يناير/كانون الثاني 2015، أضحت رواندا بلدا متصلا، بالكامل بشبكة الأنترنيت، الأمر الذي أسعد شريحة الشباب”.
“في كل مكان، بما في ذلك محطة النقل البري، يكفي أن تفتح هاتفك حتى تشاهد ما يحدث حول العالم”، تابع غاتورانو “وبما أن معظم السكان من الشباب، فهم، بالتالي، أول المتمتعين بالخدمة”.
ووفق أحدث تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي، المتمحور حول “التجديد في الاقتصاد الرقمي”، صنفت رواندا من بين الدول العشرة الأولى في إفريقيا التي أدمجت تكنولوجيات الانترنيت صلب تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
وصنفت رواندا في المرتبة 80 عالميا و الخامسة إفريقيا، خلف جزر الموريس وجنوب إفريقيا والسيشيل والمغرب.
+ There are no comments
Add yours