مضت 3 أعوام على سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، شمالي العراق، والتي تعد ثاني أكبر مدن البلاد وأهمها من حيث التنوع الديني والمذهبي والقومي.
اقتحم التنظيم في 6 يونيو/حزيران 2014 المدينة من جانبها الغربي، فواجه مقاومة خجولة من قبل قوات شرطة نينوى المحلية إلا أن تلك القوات سرعان ما انهارت لعدم وصول الإمدادات العسكرية لها، ليتمكن التنظيم من فرض سيطرته على أحياء تموز والإصلاح الزراعي وصناعة وداي عكاب والعريبي والحاوي ومشيرفة والنجار وشيخ فتحي والصحة.
واصل التنظيم التقدم نحو مركز المدينةـ وتمكن في غضون ساعات قليلة من السيطرة على جميع الأحياء الجنوبية والغربية التي كانت تحت سيطرة قوات الشرطة الاتحادية، التي انهارت دون أي مقاومة تذكر وهروب قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان وقائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبود كنبر وقائد عمليات نينوى مهدي الغراوي وقيادة الفرقة الذهبية ومسؤولي الحكومة المحلية.
وتمكن التنظيم من السيطرة على جميع مناطق الجانب الغربي، بعدها انهارت القطعات العسكرية في الجانب الشرقي لتصبح المدينة بأكملها تحت سيطرة التنظيم.
وفي غضون ذلك شهدت مدينة الموصل أكبر موجة نزوح جماعي، فقد اضطرت آلاف العائلات للفرار من المعارك والقصف المدفعي العشوائي والتوجه نحو مناطق البلاد المختلفة.
دخول التنظيم للمدينة رافقه انهيار الواقع الخدمي، فالمدينة عانت من انقطاع خدمة التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب والوقود والخدمات الأساسية اليومية الأمر الذي تسبب بإيقاف عجلة الحياة ودفع المدنيين على مواصلة النزوح، وهم في صدمة من أمرهم على ما حدث للمدينة بين ليلة وضحاها.
عانت الموصل أيضًا في 10 يونيو/حزيران قبل 3 أعوام من أزمة غذائية حادة فجميع محال التجارية أغلقت أبوابها ما دفع السكان لدفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على ما يسد جزءً بسيطًا من احتياجاتهم اليومية.
شوارع المدينة كانت شاهدا على الأسلحة خلفها وراءه الجيش العراقي وانتشرت بقاياها على جانبي الطرقات والمراكز الحيوية في حين تفرغ التنظيم للسيطرة على الدوائر والمؤسسات الحكومية ومنع الاقتراب منها وبالأخص المصارف الاهلية والحكومية، كذلك الاستيلاء على المعدات القتالية التي خلفتها القوات الأمنية بعد انهيارها.
سارع "داعش" لتدمير معالم المحافظة الدينية ولعل أبرزها جوامع النبي يونس والنبي شيت والنبي جرجيس عليهم السلام، فضلا عن تدمير عشرات المزارات الدينية التي تعود لمسلمين ومسيحيين وديانات أخرى، واستولى على محتوياتها ونقلها الى أماكن مجهولة.
لم يقف التنظيم عند تدمير معالم نينوى الدينية بل قام بتدمير صروحها المعمارية والحضارية متمثلة بمتحف الموصل الحضاري ومدينة النمرود ومدينة الحضر وبوابة نركال وقصر سنحاريب وآثار منطقة خورسباد، كما قام بتهريب عشرات القطع الأثرية النفيسة التي لا تقدر بثمن الى الخارج وبيعها في المزادات العالمية لتمويل جانب من نفقاته دون الاكتراث الى قيمتها التاريخية عند سكان المحافظة والعراق والإنسانية جمعاء.
وضع الموصل الاقتصادي في ظل سيطرة "داعش" وبحسب تقارير خبراء سجل تدهورا كبيرا إثر الحصار الذي كان مفروضا على المدينة وكذلك توقف اغلب المهن عن العمل بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وقلة الوقود ومضايقات التنظيم ما دفع بأصحاب المصانع لتسريح العمال وإغلاقها وهو ما أدى الى ارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب وتسبب بزيادة نسبة الفقر حتى وصلت الى 30% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، بعد ان كانت 19% في عام 2014 حسب الإحصائية الأخيرة الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية.
الخبير الاقتصادي عدنان عبد الهادي النعمة، رأى أن "من أسباب الركود الاقتصادي الذي خيم على الموصل خلال فترة احتلالها من داعش وما رافقه من توقف جميع المهن تقريبا هو توجه اهتمام سكان الموصل نحو توفير المواد والاحتياجات الغذائية وتخزينها في منازلهم لتجنب الكوارث الإنسانية".
وأوضح للأناضول أن "السكان كانوا لا يهتمون بالاحتياجات الأخرى بقدر اهتمامهم لما يمكن أن يضمن لهم استمرارية الحياة".
ولفت إلى أن "داعش الإرهابي عمل منذ اليوم الأول لسيطرته على الموصل من أجل شل الحركة الاقتصادية فيها وجعل سكانها يعيشون تحت خط الفقر لاشغالهم بتأمين لقمة العيش دون التفكير في كيفية التخلص منه".
وتابع أن "تضرر اقتصاد نينوى ستظهر نتائجه السلبية على اقتصاد العراق في القريب العاجل وقد تعاني البلاد من أزمات اقتصادية متلاحقة كعجز الدولة عن تأمين رواتب الموظفين وتوفير فرص عمل للشباب وتطوير البنى التحتية".
مشافي نينوى ومراكزها الصحية تعرضت هي أيضاً لأضرار بالغة، فهي ولغاية اليوم تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لعلاج المرضى بعد ان بدأ التنظيم باستغلالها لعلاج جرحاه، ما دعا وزارة الصحة العراقية ومنظمات طبية الى القلق على الوضع الصحي وإطلاق تحذيرات من وقوع كارثة صحية.
الواقع الاجتماعي في الموصل لم يسلم من الآثار السلبية التي أوجدها "داعش" في المدينة، فقد حظر التنظيم استخدام الهوات النقالة وأوقف عمل أبراج الاتصالات الأمر الذي جعل التغطية ضعيفة للغاية لمن كان يحتفظ سرا بالهواتف المحمولة، كما أن "داعش" فرض رقابة شديدة على الانترنت الذي كان يتوفر فقط في مقاهي الانترنت ذات الخدمة الرديئة أيضا لتدخل المدينة عمليا في عزلة شبه تامة، كما تلاشت الى حد كبير العلاقات الاجتماعية كالزيارات والاحتفال بالمناسبات داخل المحافظة لصعوبة التواصل بين الأهالي.
الناشط في المجتمع المدني والأستاذ في جامعة الموصل الدكتور وليد جاسم، قال في حديث للأناضول، إن "الوضع العام الذي تعيشه المدينة مجرد من مظاهر الحياة ومتعتها ولا توجد هناك رغبة في العمل لغياب الهدف",
ولفت إلى أن "التنظيم حاول جعل الموصل معزولة عن العالم وتجريدها من كل الأمور الإيجابية فهو كرس جهده لحث الشباب على القتال والمواجهة ومنعهم من التوجه نحو الابتكارات الحياتية والتطور لضمان بقائه في المنطقة لفترة أطول".
وأشار إلى أن "التنظيم اتجه لبث أفكاره لدى الأطفال من خلال فتح عدد كبير من المدارس وتدريس مناهجه فيها، في محاولة منه لتعزيز سيطرة فكره على المنطقة".
ورأى جاسم أن "هذا الأمر له خطورة كبيرة جدا على المجتمع العراقي والمجتمع العربي عامة كون إزالة تأثيرات هذا الفكر ستتطلب وقتا طويلا جدا فكل الآراء تشير إلى أن صعوبة الوضع في مدينة الموصل لا تكمن في الخلاص من التنظيم وإنما في الوقت الذي ستحتاجه المدينة لإزالة آثار فكر هذا التنظيم الذي تغلغل في مرافق الحياة كافة وأصبح كالمرض المستعصي على الأطباء إزالة".
ويعتبر واقع نينوى التعليمي من أكبر القطاعات المتضررة من "داعش" إذ خسر الطلاب 3 سنوات دراسية، ووزارة التربية أكدت وفي أكثر من مناسبة عدم اعترافها بالنتائج الدراسية في ظل سيطرة التنظيم، بينما عانى الطلبة النازحون، من عدم توفر مدارس تحتضنهم.
كل هذه السياسات والممارسات التي انتهجها "داعش" في الأعوام الثلاثة الماضية دفعت بنخب المجتمع الموصلي وكفاءاته العلمية والأدبية والاختصاصات الأخرى إضافة إلى صحفيين ومحاميين وركائز مجتمع هامة للهجرة والفرار.
هاجروا وفروا إلى الإقليم الكردي شمالي العراق، وبغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وإلى الدول المجاورة للعراق، حيث تؤكد منظمات الأمم المتحدة في الدول المجاورة أن أعداد المتقدمين من الموصليين الراغبين في الحصول على لجوء ارتفع بشكل كبير جدًا، لتمثل هذه الإحصائيات أكبر موجة نزوح تعرضت لها مدينة الموصل في تاريخها.
النازحون من الموصل بمختلف طوائفهم وقومياتهم وأديانهم ليس أفضل حالا ممن بقي داخل المدينة إذ يعاني الآلاف من الموصليين المتواجدين في المحافظات العراقية من تدهور أحوالهم في ظل انعدام الدعم الحكومي المقدم لهم، فعشرات الأطفال توفوا وأصيب آخرون بأمراض البرد والصدر والأمراض الجلدية الخطرة، كذلك هو حال النازحين من كبار السن.
3 أعوام انقضت ولسان حال أبناء نينوى كافة يرفضون الإرهاب ويدعون للوحدة والتعايش السلمي والاستقرار وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.
وبين اليوم والأمس تبقى حقيقة واحدة هي أن أهالي الموصل هم الأكثر تضررا من الأحداث التي رافقت الأعوام الماضية، سواء من نزح منهم أم من بقي داخل المحافظة، فالجميع بانتظار تحرير المدينة بالكامل وإنهاء المظاهر المسلحة والبدء بالمصالحة والإعمار لكي تعود الأمور لسابق عهدها، أن تكون الموصل حاضنة لجميع أبناء العراق بمختلف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم.
والموصل مدينة ذات كثافة سكانية سنية، وتعد ثاني أكبر مدن العراق، سيطر عليها "داعش" صيف 2014، وتمكنت القوات العراقية خلال حملة عسكرية بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من استعادة النصف الشرقي للمدينة، ومن ثم بدأت في 19 شباط/فبراير الماضي معارك الجانب الغربي.
+ There are no comments
Add yours