قال المفكر الباكستاني البارز، البروفيسور أنيس أحمد، إن المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأنه “انتقد المنظومة الحاكمة في أمريكا”.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع البروفيسور أحمد، الجمعة، تناولت عدداً من الملفات، أهمها خلفيات نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وانعكاساتها على بلاده، بالإضافة إلى الشأن الباكستاني الداخلي، حيث حث “أحمد” الأحزاب الباكستانية إلى التوقف عن استدعاء الجيش في السياسة، واللجوء إلى الشعب وتلبية تطلعاته.
خلفيات فوز “ترامب”
أشار “أحمد” إلى عدد من المؤشرات التي يطرحها فوز “ترامب” برئاسة الولايات المتحدة، أهمها أن المنظومة الحاكمة التي انتقدها ترامب بشكل صادم، في أكثر من مناسبة، قد فشلت بالفعل في تحقيق تطلعات الناخب الأمريكي ومستوى الرفاهية التي يطمحون إليها.
ودلل المفكر الباكستاني على ذلك بما لاحظه أثناء إقامته في الولايات المتحدة من “انطوائية شديدة” لدى الأمريكيين، خصوصاً البيض منهم، حيث قال أنه “لا يهمهم ما يحدث في فلسطين أو كشمير أو تركيا”، الأمر الذي تسبب بنقمة لديهم على تلك المنظومة، التي تضم إلى المؤسسات الرسمية كلاً من اللوبيات والإعلام والشركات العابرة للدول، في ظل اهتمام تلك المنظومة بالخارج على حساب المواطن الأمريكي.
وأضاف “أحمد”، أن الرأي السائد بأن الجماهير يسهل توجيهها وخداعها قد ثبت أنه خاطئ، فالناس “ليسوا مجرد تابعين للأحزاب، بل إن كثيراً منهم يفكرون”، الأمر الذي يظهر لدى عقاب الناخبين للأحزاب والمرشحين الذين فشلوا في تحقيق وعودهم.
وفي المحصلة، فإنه بالرغم من إدراك الناس للتفاوت الكبير بين المرشح الجمهوري، ومنافسته الديموقراطية، هيلاري كلينتون، وبالرغم من “تقززهم” من لغة ترامب “البذيئة”، بوصف البروفيسور، فإن الناس إما صوتوا له أو أحجموا عن التصويت لكلينتون، عقاباً للمنظومة التي فشلت، وللحزب الذي لم يف بوعوده.
تداعيات فوز “ترامب” على العلاقات الأمريكية الباكستانية
ولدى سؤال البروفيسور أنيس أحمد، عن رؤيته لتأثيرات فوز ترامب على مستقبل علاقات بلاده مع واشنطن، قال: “إن الرأي الذي كان سائداً في باكستان، هو أن الديموقراطيين أقرب إليهم من الجمهوريين، ولكن الأمر ليس كذلك”.
وأضاف: “إن باكستان لا تحتاج إلى الولايات المتحدة بقدر حاجة الأخيرة إلينا، فباكستان تقع في موقع استراتيجي مهم لواشنطن، فالخوف من الصين والاتحاد السوفييتي السابق لا يزال قائماً في أروقة صنع القرار الأمريكي”.
وعرج “أحمد” على تصاعد العلاقات بين أمريكا، وغريم باكستان التقليدي، الهند، حيث قال إن الهنود قد نجحوا في خلق لوبي قوي في الولايات المتحدة والدخول بقوة في الإعلام الأمريكي، حيث “تلعب اللوبيات والمؤسسات الإعلامية أدواراً كبيرة في التأثير على سياسات واشنطن”.
إلا أن ذلك، برأيه، ليس كافياً لدفع الأمريكيين إلى استعداء باكستان، فالأخيرة لن تفقد أهميتها، حيث تقع بين كل من الصين وأفغانستان وإيران، وعلى مرمى حجر من منطقتي جنوب شرق آسيا والخليج العربي.
وبالرغم من ذلك، قال “أحمد”، إن على سياسيي بلاده التوقف عن استجداء الأدوار الخارجية، والتصرف “كقوة صاعدة في المنطقة”، والاعتماد على “الموارد الكبيرة التي حبى الله بها باكستان، طبيعية وبشرية وتعليمية”، في سبيل خلق أساس قوي للسياسة الخارجية، لينتقل الحديث مع المفكر الباكستاني، من تلك النقطة، إلى الشأن الداخلي لبلاده.
الشأن الباكستاني
عبر المفكر الباكستاني عن انتقاده لسياسة الاعتصامات وإغلاق العاصمة، إسلام أباد، التي تنتهجها المعارضة الباكستانية، كما ألمح إلى أن المعارضة تتطلع إلى دور للجيش في الإطاحة بالحكومة الحالية، الأمر الذي عزاه إلى “ضعف في الأسس والممارسة الديموقراطية” لدى تلك الأحزاب.
وقال “أحمد”، إن الاعتصامات ممارسة ديموقراطية مشروعة، وتلقي الضوء على عدد من المشاكل، إلا أنها لن تتمكن من تغيير النظام، حيث إن التغيير “يأتي من خلال البرلمان، الذي يعبر بدوره عن آراء الناس وتطلعاتهم”.
وفي سياق التعليق على تدخل المحكمة العليا في منع إغلاق المعارضة للعاصمة، الذي كان مقرراً مطلع شهر نوفمبر الجاري، قال البروفيسور: “إن على المحكمة العليا أن تساهم في نزع فتيل الإشكال، ولكن دون تمكين طرف على الآخر”.
وأضاف: “أعتقد بأنه إذا أدركت الأحزاب السياسية بأن عليها أن تتبنى رؤى وبرامج قائمة على أساس المطالب الرئيسية للناس، وبأنه ليس عليهم أن يستحوذوا على السلطة، بل العمل من أجل الناس الذين وثقوا بهم ومنحوهم السلطة”، معتبراً بأنها “رحلة طويلة”، يزيد من وعورتها “تراجع الديموقراطية والثقة في الأنظمة الحاكمة على مستوى العالم”.
وحمل البروفيسور، المفكرين والنخب مسؤولية ضمان احترام العملية الديموقراطية، حيث على من يريد السلطة أن يظهر عمله وإنجازاته، “لا أن يسلكوا طرقاً مختصرة”، وضمان ذلك، بحسب “أحمد”، لا يتأتى إلا من خلال احترام الجماهير وأخذ قدرتها على التأثير في الاعتبار، وتثقيفها والاهتمام بمشاكلها، “وعندها ستتمكن الدول من الحصول على التماسك والسلام والعدالة الاجتماعية”.
ويعد “أحمد” من أبرز المفكرين الباكستانيين، حيث أقام قرابة العقدين في الولايات المتحدة، وحاز على عدد من الدرجات الأكاديمية من جامعات باكستانية وأمريكية مرموقة، كما درّس في أخرى، وأصدر العشرات من الكتب والأبحاث. –
+ There are no comments
Add yours