كتب- أبوبكر أبوالمجد
هشام المشيشي.. الرجل الذي كلفه رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد لتشكيل الحكومة الجديدة دون ترشيح من أحزاب أو كتل سياسية!
عقب إعلان الرئيس التونسي تكليف المشيشي، ثار جدل كبير في البلاد حول من رشحه؟ ولماذا؟ وأخيرًا ثمة من يقول أن سعيّد، خالف الدستور ولزامًا أن يعود للشرعية!
حكاية الترشح
رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح لموزاييك أمس السبت، قال إن البلاد في حاجة إلى رجل اقتصاد وليس إلى رجل قانون على رأس الحكومة في هذه المرحلة “له خبرة وليس مجرد نظريات”، وأن يكون “مديرًا ناجحًا’، وذلك لتحقيق أهداف الثورة بما في ذلك الكرامة والتشغيل وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، وفق ما نقله عنه موقع موزاييك.
لكن الرئيس التونسي قيس سعيّد، فاجأ مساء السبت 26 يوليو جميع الأحزاب السياسية وخاصة حزب النهضة بتعيينه رجل القانون وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي، في مهمّة يتعيّن عليه إنجازها خلال شهر في مناخ سياسي متوتّر.
ويمنح النظام السياسي في تونس الذي يمزج بين الرئاسي والبرلماني، حزب الأغلبية في البرلمان اختيار مرشحه لتشكيل الحكومة، وهو ما حصل مع حزب “حركة النهضة الإسلامية” الفائزة بانتخابات 2019.
وفشل مرشح النهضة الحبيب جملي في نيل ثقة البرلمان في يناير الماضي بعد استنفاد الآجال القصوى في الدستور، وجرى نقل المبادرة السياسية إلى الرئيس بحسب الدستور، الذي اختار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ ليتولى مهامه في فبراير الماضي.
ويمنح الدستور رئيس الجمهورية صلاحية اختيار “الشخصية الأقدر” في هذه الحالة بغض النظر عن ترتيب الأحزاب في البرلمان.
وهشام المشيشي الذي لم يكن ضمن الأسماء المقترحة من قبل الأحزاب التونسيّة الموجودة في السلطة، تفاجأ أيضًا الرأي العام الوطني التونسي بأن حركة سيادة كانت وراء ترشيحه، وقد سلم الاقتراح للرئيس قيس سعيد عن الحركة النائب فاكر الشويخي.
ردود فعل
وفي أولى التعليقات الصادرة عن الأحزاب التونسية على قرار الرئيس، عبّر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، عن امتعاضه من أن “مصير الاستشارات الورقية بخصوص رئيس الحكومة كان سلة مهملات القصر، مشددًا على أنّ رئيس الجمهورية “تحوّل إلى عبء حقيقي على الانتقال الديمقراطي في تونس وينكر فعليًا الدستور والنواب والأحزاب”، وفق ما نقل موقع قناة “نسمة” التونسية عن مخلوف.
لكن الكاتب الصحفي والمحلل السياسي طارق السعيدي، قال لقناة “الغد” المصرية، إن الدستور التونسي لا يجبر الرئيس قيس سعيد، على اختيار قائمة الترشيحات المقدمة من الكتل السياسية والبرلمانية.
وعن أسباب تكليف هشام المشيشي، قال، إن اختيار المشيشي جاء لتوليه ملف وزارة حساسة وهي وزارة الداخلية، وكان يديرها بشكل جيد.
وأضاف، السعيدي، أن قيس سعيّد رشح شخصية مقنعة يقبلها الجميع ومن الصعب أن يعترض أحد على المشيشي الذي يقبل الحوار والتفاوض و شخصية ذات كفاءة.
وأوضح المحلل السياسي، أن الأحزاب ستوافق؛ لأن قيس سعيد لم يختر شخصية تم ترشيحها من حزب ما ويرفضها حزب آخر، مؤكدًا أنه من المتوقع أن توافق الكتل السياسية على حكومة المشيشي.
وفي سياق آخر، أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أبوبكر الصغير، في تصريح له لقناة “الغد”، أن الأحزاب التونسية عجزت عن اختيار رئيس الحكومة، والدستور يسمح لقيس سعيد باختيار رئيس الحكومة.
وأوضح أن حركة النهضة خسرت على كل المستويات، فلم ترشح مرشحًا من قواعدها أو قريب منها واختارت الحفاظ على التحالف مع حزب قلب تونس.
وأضاف، الصغير، أن حركة النهضة فوجئت بتكليف قيس سعيد لمشيشي بتشكيل الحكومة التونسية، وتجدر الإشارة إلى أن النهضة رفض تسمية المشيشي كوزير للداخلية في وقت سابق.
ومن جانبه، أكد أسامة الخليفي رئيس كتلة قلب تونس في البرلمان في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك، أن كتلته لا تملك أي تحفظ على شخص هشام المشيشي المكلف بتشكيل الحكومة.
وأشار الخليفي أنّه من الضروري “العمل على ما ينفع الناس” وتحقيق الاستقرار السياسي و”تجنب المصالح الشخصية والمناورات السياسوية”.
وعلى جانب آخر عبّرت النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية في بيان لها اليوم الأحد، عن تثمينها لتكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد لهشام المشيشي بتشكيل الحكومة.
وقالت النقابة إنّ “تعيين رئيس حكومة من الشعب، من الكفاءات الوطنية، من خريجي المرحلة العليا للمدرسة الوطنية للإدارة، رسالة قوية وواضحة لمن لا يريد خيرا لهذه البلاد، ورسالة أقوى للإداريين أن اتحدوا وأنقذوا ما يمكن انقاذه”.
وقال قال رئيس كتلة تحيا تونس في البرلمان مصطفى بن أحمد، إن موقف الحزب من تكليف رئيس الجمهورية لهشام مشيشي بتشكيل الحكومة القادمة مرتبط أساسًا بالتصور العام لتشكيل هذه الحكومة.
وأضاف بن أحمد في تصريح لراديو “موزاييك”، أنّ اختيار الرئيس كان متوقعا منذ بداية الأزمة و أنّ شخصية المشيشي لم يكن عليها اختلاف عند تعيينها وزيرا للداخلية.
ودعا لطفي زيتون وزير الشؤون المحلية المُعفى، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على فيسبوك، إلى إيقاف الحملات المجانية ضد هشام المشيشي المكلف بتشكيل حكومة جديدة.
وكتب زيتون “اختار رئيس الجمهورية الضامن الأول لاحترام الدستور الذي يستأمنه على المصالح العليا للدولة ونظامها الجمهوري الديموقراطي في ظروف صعبة جدًا.. الأخ هشام المشيشي لقيادة فريق حكومي جديد.. احترم اختيار رئيس الدولة، وأدعو كل الفرقاء السياسيين إلى مساعدته في اختيار حكومة وطنية تضم كفاءات عالية لإنقاذ البلاد وتحقيق طموحات المواطنين في التنمية والرفاهية“.
وتابع “رجائي أن تقف هذه الحملات المجانية ضد السيد المشيشي وهذا الخيار وفسح المجال له لفتح مشاورات جدية مع كل الأطراف المعنية بمصلحة البلاد العليا من أجل الانتهاء من تشكيل حكومة إنقاذ في أقرب الآجال“.
العودة للشرعية
مواقع تونسية أشارت إلى أن قيس سعيّد تعمد تجنب الأسماء المقترحة خاصة من قبل حزب النهضة، واعتمد على وجه الخصوص على أسماء تحظى بثقته شخصيًا.
فعند تكليفه المشيشي كان سعيّد قد شدد على أن الوقت حان لمراجعة “الشرعية” في البلاد، في إشارة إلى النظام السياسي القائم.
وقال الرئيس التونسي: “الشرعية نحترمها، لكن آن الأوان حتى تكون تعبيرًا صادقًا عن إرادة الأغلبية”.
ويقصد الرئيس ضمنيًا نسبة انتخابه التي فاقت 70 بالمئة في انتخابات الرئاسة 2019 وبعدد أصوات فاق أصوات الأحزاب مجتمعة في الانتخابات التشريعية في العام ذاته.
ومن بين المقترحات التي ناقشها سعيد في حملته الانتخابية مراجعة النظام السياسي من أجل الذهاب إلى نظام رئاسي لتعزيز صلاحيات الرئيس والحد من تشتت السلطات بين البرلمان والحكومة والرئاسة.
من هو هشام المشيشي؟
يخلف المشيشي، المحامي البالغ من العمر 46 عاماً، في هذا المنصب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي استقال في وقت سابق من الشهر الحالي.
وقبيل منصبه كوزير للداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، شغل المشيشي أيضاً منصب المستشار الأوّل للرئيس سعيّد للشؤون القانونيّة.
كما كان رئيساً للديوان في وزارات النقل والشؤون الاجتماعيّة والصحّة. وبعد تشكيل الحكومة المنتظرة، يتعيّن المشيشي الحصول على ثقة البرلمان بالأغلبيّة المطلقة، وإذا فشل في ذلك، سيتمّ حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر.
وخلال الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في أكتوبر، حلّ حزب النهضة الإسلامي أوّلاً، لكنّه فشل في الحصول على الغالبيّة، إذ حصد 54 مقعدًا من أصل 217، ووافق في نهاية المطاف على الانضمام إلى حكومة ائتلافيّة.
وتزامن تكليف المشيشي أمس السبت بالذكرى الثالثة والستّين لإعلان الجمهوريّة التونسية الذي تمّ فيه إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري سنة 1957.
كما صادف التكليف الذكرى السنويّة الأولى لوفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، أوّل رئيس تونسي منتخب بالاقتراع العام المباشر عام 2014 والذي توفّي قبل أشهر من انتهاء ولايته عن عمر ناهز 92 عامًا.
+ There are no comments
Add yours