القيادة الأرمينية وأسوأ استغلال لأرمن الشام

1 min read

كتب- أبوبكر أبوالمجد

أسفرت موجات هجرة الأرمن من وطنهم على مدى المائة عام الماضية، عن تكوين جالية أرمينية كبيرة حول العالم، يقدّر عددها بما بين 10-12 مليون أرميني.

لكن استطلاعا للرأي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان في 2011، أشار إلى أن 44% من الأرمينيين لا يرون مستقبلا لهم ولأولادهم في أرمينيا!

وفي دراسة سابقة في 2017، أوضح الخبير في مركز دراسات القوقاز وآسيا الوسطى بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أريشيف، أن جاليات أرمينية تكوّنت في روسيا والإمبراطورية العثمانية وإيران منذ القرون الوسطى، إذ تعود موجات الهجرة في القرن العشرين إلى الحرب العالمية الأولى، وزلزال عام 1988، وتفكك الاتحاد السوفييتي.

في أغسطس 2015 وصل عدد اللاجئين الأرمن السوريين في أرمينيا إلى أكثر من 15 ألفًا؛ لكن لا توجد أرقام دقيقة في السنوات الأخيرة تبين نسبة المغادرين وعدد الذين بقوا في سوريا، بعدما كان عددهم يتراوح بين 170 ألفا.

ليس جديدًا

ليس جديدًا تحرك الأرمن في المنطقة بهجرة عكسية إلى أرضي أذربيجان التاريخية حيث كانت موطنًا لهم، فقد عاد عدد منهم من لبنان إبان الحرب الأهلية هناك في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، ومن إيران بعد سقوط الشاه؛ لكن الهجرة هذه المرة تحمل الكثير من المغامرات واللعب بالنار من القيادة السياسية أو إن شئت فقل العسكرية الأرمينية، حيث العسكر هم من يحكمون كل شيء في هذه الدولة الصغيرة.

اللاجئون والحرب

في 28 يونيو 2017، استهلت مجلة الإيكونوميست البريطانية تقريرًا لها عن أوضاع الأرمن في سوريا بعد 6 سنوات من الحرب الأهلية قائلة:”الحرب ربما تقضي على الأقلية الأرمينية المسيحية الموجودة في سوريا منذ قرن”.

دفعت الحرب الأهلية السورية ما يزيد عن 5 ملايين شخص من مواطنيها إلى السعي للحصول على اللجوء السياسي خارج بلدهم.

وفي 2015 و2016، شق مئات الآلاف طريقهم ببطء إلى البلقان سعيًا إلى الأمان في أوروبا.

لكن لم يسلك أي فرد من الأقلية الأرمينية هذا الطريق، وبدلا من ذلك ذهبوا إلى أرمينيا، التي تشهد انكماشا في شعبها الأصلي بسبب الهجرة إلى الخارج حيث وصل عدد المهاجرين الأرمن إلى 3 ملايين شخص في الفترة الأخيرة.

ويعيش العشرات من الأسر القادمة من مناطق زراعية في قاره باغ الجبلية، وهي منطقة يحتلها الأرمن من أذربيجان.

ووفقًا لإحصاءات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وصل نحو 22,000 أرميني إلى وطنهم الأم بين عامَي 2012 و2018.

الإيكونوميست قالت إن بعض الشباب السوري الذي حارب ضمن صفوف الجيش السوري في الحرب، تطوع للخدمة في الصفوف الأمامية لذلك الصراع؛ لكن عددًا كبيرًا من الشباب السوري الأرميني أجلوا طلب الجنسية الأرمينية حتى لا يكون عليهم القيام بالخدمة العسكرية.

لبنان

منذ سنواتٍ قليلة، تشهد أرمينيا إقبالاً لافتاً من الشباب الأرميني اللبناني. بعضهم يزورها للترفيه، والبعض الآخر للاستثمار، وبعض ثالث بحثًا عن الاستقرار.

ولذلك أسباب كثيرة، ليس أهمها الحنين. إذ يندرج إتقان اللغة الأرمنية كأحد أسباب اختيار أرمينيا وجهة للهجرة دون سواها، إضافة إلى سهولة الحصول على الجنسية بمجرّد إثبات أن صاحب الطلب من أصول أرمنية. وثمة أمور أخرى لا تقل أهمية، لها علاقة بسوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان.

“موجة العودة” الوحيدة للأرمن اللبنانيين والتي يمكن التوقف عندها، كانت بين عامي 1946 و1948، حين أجازت سلطات الاتحاد السوفيتي يومها للأرمن بالعودة، فعادت نحو 15 ألف عائلة من لبنان إلى أرمينيا.

وتشير مصادر مجلس الجالية إلى أنه “في 2015، 2016 لوحظ إقبال عدد غير قليل من اللبنانيين إلى أرمينيا “.

وبلغ عدد اللبنانيين ممن حصلوا على الجنسية الأرمينية نحو 18 ألفًا حتى مارس 2018، فالحصول على الجنسية سهل ويبتّ خلال ستة أشهر بقرار رئاسي، بمجرد إثبات صاحب الطلب تحدره من أم أو أب أرمينيين. إلى ذلك، يمكن أي شخص أن يصبح مواطنًا أرمينيًا شرط العيش ثلاث سنوات في أرمينيا.

سر الجنسية

طموح الحصول على الجنسية وجواز السفر الأرمينيين له أبعاد أكثر من الارتباط بالبلد الأم.

فجواز السفر الأرميني يسمح لحامله بالتجول بسهولة والحصول على فيزا «شينغن» (تخوّل حاملها دخول غالبية دول الاتحاد الأوروبي) لخمس سنوات، وتسهيلات إضافية منها الدخول إلى دول الاتحاد الروسي وحوافز ضريبية في العمل والتجارة.

حصول اللبنانيين على تأشيرة لدخول أرمينيا أمر سهل أيضًا، ويستغرق ثلاثة أيام عبر السفارة، أو 30 دقيقة في أي من منافذ الدخول إلى أرمينيا.

استغلال المأساة

تنتهج أرمينيا منذ أشهر سياسة الاستيطان غير القانوني في الأراضي المحتلة بأذربيجان، وتستهدف من ذلك إعادة توطين الأرمن، وخاصة من سوريا ولبنان.

وفي الوقت الذي تقدم فيه العديد من دول العالم وخاصة في أوروبا المساعدات الإنسانية للشعبين السوري واللبناني، وكذلك بادرت وفعلت أذربيجان، تأبى أرمينيا إلا أن تستغل هذه المأساة والمعاناة الإنسانية لأغراضها الاستعمارية.

فنشرت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الجمعة، معلومات حول وضع عائلة لبنانية في مدينة شوشا، التي لها أهمية تاريخية وروحية كبيرة لدى الشعب الأذربيجاني.

وحول هذه الممارسات قال، حكمت حاجييف، مساعد رئيس جمهورية أذربيجان، ورئيس قسم السياسة الخارجية في الإدارة الرئاسية، في بيان صحفي الجمعة: “أود أن أؤكد أن السكان الذين استقروا في أراضينا المحتلة هم في الواقع ضحية لسياسة أرمينيا غير المسئولة والمغامرة، ويجب أن يعلم الجميع أن سياسة الاستيطان غير القانوني في الأراضي المحتلة بأذربيجان ليس لها قوة قانونية وأن أذربيجان ترفض عواقبها تمامًا”.

وأضاف، حاجييف: تستخدم أرمينيا النازحين من سوريا ولبنان كمرتزقة مسلحين، مشيرًا إلى أنها تحاول تغيير الوضع الديموغرافي في الأراضي المحتلة لأذربيجان عبر ممارسة سياسة الاستيطان غير القانوني.

ولفت، مساعد رئيس جمهورية أذربيجان، إلى أن سياسة الاستيطان غير القانوني تعدّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقيات جنيف لعام 1949.

وأوضح رئيس قسم السياسة الخارجية في الإدارة الرئاسية الأذربيجانية، أنه وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب، فيجب على دولة الاحتلال ألا تنقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، وبموجب القانون الدولي، يجب تصنيف سياسة الاستيطان التي تنتهجها القوة المحتلة في الأراضي المحتلة كجريمة حرب.. إذا بالقياس فإن الاستيطان غير القانوني لأرمينيا في الأراضي المحتلة بأذربيجان هو جريمة حرب.

وأكد، حاجاييف، أن العمل العدواني الذي ارتكبته أرمينيا في اتجاه توفوز على حدود الدولة بين البلدين في يوليو من هذا العام، ومحاولة العملية التخريبية على خط التماس يشير إلى أن أرمينيا تستعد لاستفزاز ومغامرة عسكرية أخرى.

وعلى جانب آخر، أعربت أرمينيا مرة أخرى في الأيام الأخيرة علانية عن عزمها احتلال أراضي أخرى في أذربيجان وهددت بإطلاق الصواريخ على مدينة غانجا.

وأردف، مساعد رئيس جمهورية أذربيجان، أن التصريحات والإجراءات الاستفزازية لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الأرمينيين، بالإضافة إلى التحركات التي تقوم بها على الحدود، وكذلك التوطين غير القانوني  تثبت مرة أخرى أن هدف القيادة الأرمنية هو التدمير الكامل لعملية التفاوض وتحقيق ضم الأراضي الأذربيجانية المحتلة.

وشدد حكمت حاجييف، على أن المسؤولية الكاملة عن الاستفزازات وتفاقم الوضع على الجبهة تقع على عاتق القيادة السياسية والعسكرية لأرمينيا.

ونصح مساعد رئيس جمهورية أذربيجان، من أجل إحراز تقدم في حل النزاع الأرميني الأذربيجاني، يجب سحب القوات الأرمينية من الأراضي المحتلة لأذربيجان، ويجب حل النزاع فقط في إطار وحدة أراضي أذربيجان وسيادتها وحرمة حدودها المعترف بها دوليًا.


التهجير والتوطين

لم يكن كافيًا أن تقدم أرمينيا تعازيها للقيادة اللبنانية وأن ترسل المساعدات الإنسانية اللازمة لمواطنيها الأرمن المقيمين في لبنان؛ بل سعت لاقتراح نقل الأسر الأرمينية التي تم إجلاؤها إلى قاراباغ- ناغورنو كاراباخ-، بهدف تغيير الوضع الديموغرافي، واقترح رئيس النظام الانفصالي خلال اتصال هاتفي مع رئيس كاثوليكوسية كيليكيا في لبنان، الزعيم الديني لأرمن الشتات أراما1، نقل 100-150 أسرة أرمينية من لبنان إلى المنطقة الأذرية المحتلة.

هذا السيناريو ليس جديدًا، فبعد توقيع اتفاقيات جولستان وتركمنشاي، بدأت عملية إعادة توطين مكثفة للأرمن من إيران والأناضول في جنوب القوقاز، لا سيما قاراباغ الجبلية، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، ثم تم تكرارها بأساليب وأشكال جديدة منذ نشأة أرمينيا.

وعندما اندلعت الحرب في سوريا، انتهزت أرمينيا الفرصة لإعادة توطين العديد من العائلات الأرمينية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة منذ عام 2011.

وتؤكد العديد من التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام الأرمينية والمنشورات الأجنبية على إعادة توطين الأرمن السوريين في قاراباغ.

على سبيل المثال، في عام 2014، نزحت 22 عائلة (58 مقيمًا) مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وتقع هذه العائلات بشكل رئيسي في Zangilan و Kalbajar و Lachin.

وجاء في مقال نشرته Times.am عن الأرمن السوريين في قاراباغ عام 2013: “على الرغم من أن كاشاتاغ (كالباجار) هي أكبر منطقة في قاراباغ، إلا أن 8.500 شخص فقط يعيشون هناك منذ عام 2011.

وتعتمد أرمينيا في تغيير ديموغرافيا المنطقة المحتلة على توجه المسؤولين المحليين للقاء أي شخص يريد الاستقرار في المنطقة، ويتم بناء منازل للمستوطنين أو منازل شاغرة بسبب الحرب ويتم ترميمها، ويعينها على ذلك التبرعات والمتبرعين للمؤسسات الأرمينية ورجال الأعمال العاملين في الخارج.

ومن المعروف أنه في مارس 2014 وبدعم من مؤسسة توفينغيان الخيرية، تم بناء وتسليم شقق سكنية في لاتشين لمجموعة من العائلات الأرمينية من سوريا، ومع ذلك قوبلت المشاكل الاجتماعية المتفاقمة ومساوئ العائلات المستقرة بعدم الرضا.

وورد في مقال على بوابة كافكازسكي أوزيل في 2 أغسطس 2019 بعنوان “الأشخاص الذين تم جلبهم من أرمينيا يتحدثون عن تخلف القرية في ناغورنو كاراباخ” أن أولئك غير الراضين عن المشاكل والظروف التي يواجهها سكان ناغورنو كاراباخ لا يعرفون حتى إلى أين يتجهون.

اعترف الأشخاص الذين اشتكوا من الظروف العادية أن أولئك الذين قدموا وعودًا لطيفة للانتقال إلى هنا قد نسوها الآن.
هذه العائلات، التي تم نقلها إلى أذربيجان من أرمينيا وخارجها، آمنت في البداية بالوعود؛ لكنها أدركت لاحقًا أنها استُخدمت ببساطة وتركت للصدفة.

في 15 أغسطس ، أصدرت وزارة الخارجية لجمهورية أذربيجان و Azercosmos OJSC بيانًا مشتركًا للصحافة. وتشير الوثيقة إلى أن جمهورية أرمينيا تواصل أنشطتها غير القانونية، بما في ذلك سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة لجمهورية أذربيجان.

ونتيجة للمراقبة التي قامت بها Azercosmos عبر القمر الصناعي Azersky ، تم تأكيد حقيقة البناء غير القانوني لمستوطنة في منطقة Kalbajar.

ثمة مستوطنة بدأ بناؤها أواخر عام 2019، من 15 منزلاً، وتشير السرعة والتقدم في أعمال البناء إلى أنه سيتم توسيع هذه المستوطنة.

تم الانتهاء من 6 منازل في يناير 2020 ، وفي مارس – 10 منازل، وفي أبريل – 14 منزلاً ، وفي أغسطس وصل هذا الرقم إلى 15.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours