أبوبكر أبوالمجد كاتب صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية
ولا نزال مع العلاقات الدافئة بين مصر والصين، والتي أشرنا إلى أنها ازدهرت بصورة ملفتة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، نظرا لطول الفترة التي قضاها الرجل كرئيس لمصر قبل قيام ثورة 25 يناير 2011، والتي وضعت نهاية لحكمه البلاد.
ثم جاءت مرحلة الشك، أو الاضطراب السياسي في مصر في ظل حكم المجلس العسكري، والذي كان منكبا على الشأن الداخلي بصورة أكبر، وهذا أمر طبيعي في دولة كبيرة بحجم مصر كانت بحاجة أن تستقر داخليا أولا، ويعاد اختيار رئيسا لها وبث الحياة في مؤسساتها الرئاسية والبرلمانية على وجه التحديد.
وبالفعل تم إجراء الانتخابات الرئاسية والتي فاز بها الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي وتم إعلانه رئيسا للبلاد في 30 يونيو 2012.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر من حكمه وتحديدا في 28 أغسطس2012، قام الرئيس المصري بزيارة هامة جدا للصين، انطلقت من قناعات بأهمية الشراكة مع الصين في هذه المرحلة، واستمرت الزيارة ثلاثة أيام سعى خلالها إلى تعزيز التعاون بين مصر والصين عن طريق تطوير وجذب الاستثمارات والمشاريع الكبرى الصناعية والتكنولوجية الصينية إلى مصر، ورفق مرسى خلالها عدداً من الوزراء و80 من رجال الأعمال المصريين.
ووقع الرئيسان مرسي وهو جين تاو حينئذ عقب جلسة المباحثات الثنائية بينهما توقيع 8 اتفاقيات ثنائية في مجال الاقتصاد، والتجارة والزراعة والسياحة والاتصالات والبيئة.
وتتضمنت الاتفاقات التي تم توقيعها بين الجانبين اتفاقا في مجالات التعاون الاقتصادي والفني حول تقديم الصين منحة لا ترد بقيمة تبلغ450 مليون يوان ( نحو70 مليون دولار) لإقامة مشروعات مشتركة في مجالات البنية التحتية، والكهرباء، والبيئة، ومنحة أخري عبارة عن300 سيارة شرطة لمصر، بالإضافة إلي مذكرة تفاهم لمعالجة المخلفات الصلبة، والتعاون في مجال حماية البيئة، واتفاقية في مجال التعاون السياحي، وأخري في مجال البحوث الحقلية في الزراعة، وكذلك اتفاقية تعاون عبارة عن قرض ميسر تبلغ قيمته200 مليون دولار من بنك التنمية الصيني لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كما تم توقيع مجموعة من الاتفاقيات الاستثمارية بين رجال الأعمال المصريين ورجال الأعمال الصينيين باجمالي استثمارات بلغت 4.9 مليار دولار، تمثل هذه الاستثمارات نقلة حقيقية في مسار العلاقة الاقتصادية بين مصر والصين
و تتضمن اتفاقية إطارية بين البنك الوطني للتنمية الصيني ووزارة البحث العلمي في مصر حول التعاون في مجال التخطيط والاستشارات، واتفاقية عبارة عن مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاتصالات بين وزارة الاتصالات في مصر ووزارة الصناعة والمعلوماتية الصينية.
والتقى الرئيس مرسى أثناء الزيارة بالعديد المسئولين الصينيين من بينهم نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئيس الحالي لجمهورية الصين الشعبية، ورئيس الوزراء ون جيا باو, وكبير المشرعين الصينيين (رئيس البرلمان) ووبانغ قوه كما شمل البرنامج زيارة منطقة التكنولوجيا المتقدمة فى العاصمة بكين, كما التقي أبناء الجالية المصرية فى الصين.
وأكدتا مصر والصين في البيان المشترك حينها والذي – صدر فى 30 أغسطس2012، عقب اختتام الرئيس مرسى زيارته للصين، دعمهما لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بكامل السيادة على أساس حدود 1967، على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية، كما ساند البيان مشاركة فلسطين فى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
ثم تولى حكم مصر المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق في انتخابات رئاسية أجراها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، والذي تم تعيينه بعد بيان 3 يوليو عقب انتفاضة 30 يونيو الشعبية في 2013 ضد الرئيس المصري محمد مرسي.
تولى السيسي حكم مصر في مايو 2014، وبعد عام ونصف تقريبا وتحديدا في الأول من سبتمبر 2015 من حكمه توجه في زيارة رسمية إلى الصين.
نالت هذه الزيارة ترحيبا واسعا من جانب جميع الأوساط الصينية، نظرا لتوقيتها على الصعيد الداخلي المصري والإقليمي والدولي، وأشاد الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه بالرئيس المصري، وبما تتمتع به من ثقل في العالم العربي والقارة الإفريقية والعالم الإسلامي، وأكد على حرص بلاده على تعزيز العلاقات الثنائية وأنها ماضية قدماً لتدعيم علاقات التعاون والشراكة مع مصر، التي تُعد نموذجاً للعلاقات الصينية – العربية، والعلاقات الصينية – الإفريقية، ومثالاً يحتذى للتعاون بين دول الجنوب.
وقدم الرئيس السيسي الشكر لنظيره الصيني على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، موجهاً له الدعوة لزيارة مصر، وهو ما رحب به الرئيس الصيني، مؤكداً حرصه على تلبيتها وبالفعل سيزور مصر في 20 يناير 2016.
وأثنى السيسي خلال زيارته عن ترحيب مصر بمقترح الصين لتطوير العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وبمبادرة الرئيس الصيني لإعادة إحياء طريق الحرير البري والبحري، منوها إلى دور مصر وموقعها الاستراتيجي كنقطة ارتكاز رئيسية لتنفيذ هذه المبادرة الطموحة وتحقيق أهدافها.
وأكد الرئيس المصري خلال زيارته على احترام بلاده لمبدأ الصين الواحدة، وتأييدها لوحدة الأراضي الصينية، كما أشار إلى حرص مصر على تطوير التبادل التجاري مع الصين، مستهدفة إصلاح خلل الميزان التجاري، ومشاركة الصين في المشروعات التنموية وزيادة استثماراتها في مصر، وتعزيز التعاون في عدد من المجالات العلمية والتكنولوجية، داعياً إلى زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للشباب المصري في الجامعات الصينية، وإنشاء جامعة صينية للعلوم والتكنولوجيا في مدينة الاسماعيلية الجديدة لتقديم خدمة تعليمية متميزة للمصريين من أبناء سيناء.
وقد أعرب الرئيس الصيني عن ترحيب بلاده بالشباب المصريين الدارسين في الصين، منوها إلى الدعم الذي تقدمه بلاده لتدريس اللغة الصينية في مصر، ومؤكدا على أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات والمعاهد المختلفة في البلدين، واقترح إقامة لجنة ثقافية مشتركة لتوجيه العلاقات بين البلدين في هذا المجال، ورحب في هذا الصدد بإقامة فعاليات ثقافية بالتبادل بين البلدين في عام 2016 الذي سيشهد الاحتفال بمرور ستين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وأكد الرئيس الصيني أن ترفيع علاقات البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة سيدعم التنسيق المشترك والتعاون بين البلدين سواء على المستوى الثنائي أو في القضايا الحيوية في المحافل الدولية، وأعرب عن اهتمام بلاده بالعمل والاستثمار في مصر، خاصة في ضوء ما لمسه الجانب الصيني من جهود مصرية لتحسين مناخ الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين.
وفي ختام المباحثات وقع الرئيسان على وثيقة إقامة علاقات شراكة إستراتيجية شاملة بين البلدين، كما وقع الوزراء المعنيون في البلدين على الاتفاقيات التالية:
• اتفاقية للتعاون الاقتصادى والفني بين البلدين.
• اتفاقية إطارية للتعاون في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة.
• اتفاقية إطارية للتعاون في مجال الفضاء بين هيئة الفضاء الوطنية الصينية CNSA والهيئة القومية المصرية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء.
• مذكرة تفاهم لإنشاء معمل مصري- صيني مشترك للطاقة المتجددة بين وزارة البحث العلمي المصرية ووزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية.
• محضر أعمال الدورة السادسة للجنة التجارية والفنية والاقتصادية المشتركة التي عُقدت في بكين خلال شهر ديسمبر 2014.
ووقع الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني شي جين بينج في ختام مباحثاتهما على بيان بشأن إقامة ”علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين البلدين ينظم كافة جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا سيما بعد ترفيع العلاقات بينهما إلى هذا المستوى المتقدم.
وشمل البيان المشترك فيما يخص المجال السياسي:
• يتمسك البلدان بثوابت العلاقات الاستراتيجية الشاملة ويعملان معاً لتحقيق المصالح المشتركة. كما يكثفان الزيارات المتبادلة ويواصلان التشاور في إطار آلية الحوار السياسي بين وزارتي الخارحية. ويؤكد الجانبان على أهمية تأييد المصالح الحيوية ومراعاة الشواغل الخاصة بكل منهما، ويحترم كل منهما الشئون الداخلية للآخر ويؤيد حقه في تحقيق مصالحه والحفاظ على أمنه القومي بكافة أبعاده ووحدة وسلامة أراضيه.
يتبع..
+ There are no comments
Add yours