مما لاشك فيه فإن للدول المشاطئة للبحر المتوسط أهميتها الإستراتيجية الكبرى لأسباب كثيرة منها الموقع الفريد ، والمؤهلات الاقتصادية والأمنية والسياسية ، وغيرها.. الأمر الذى يستوجب الحفاظ على استقرار المنطقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً عن طريق خلق مسارات جديدة في توطيد العلاقات بين شمال المتوسط وجنوبه وشرقه .
ويأتى هذا البحث بعنوان ( الفكر اليهودي الإستراتيجي في شئون المتوسط ) ليتناول التوجه الإسرائيلي نحو التفكير التوسعي في دول الأورومتوسطي حيث إن سياسات إسرائيل ترتبط مع تلك الدول بكم هائل من المحددات والمصالح. كذلك يهدف البحث الى التعرف على المشكلات التي يثيرها اليهود في تلك المنطقة من خلال المحاور التالية:
أولا : التوظيف الديني لخدمة الإستراتيجية الإسرائيلية.
ثانياً : الفكر الإسرائيلي تجاه الحضارة العربية.
ثالثاً : السياسة الإسرائيلية تجاه الدول الأورومتوسطية.
رابعاً : مصالح إسرائيل المائية في منطقة البحر المتوسط.
يتناول المحور الأول التوظيف الديني لخدمة الإستراتيجية الإسرائيلية
حيث إن للدور الديني مبرراته الأيدلوجية في هيكلة البناء الصهيوني وتفعيله وذلك عن طريق رجال الدين أو استلهام النصوص الدينية وتأويلها ، كما يقوم نخبة من القادة الدينيين في إسرائيل بالمساهمة في المشروعات الاستيطانية التوسعية بما يطرحونه من أفكار ورؤى. من أبرزهم الحاخام ( تسفي كاليشر ). الذي دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين دينياً ومعنوياً ومادياً في فترة من أهم الفترات في القرن 19 وكان لجهوده الأثر الأكبر في إنشاء عدد من التجمعات الاستيطانية اليهودية.
ويتناول المحور الثاني : الفكر الإسرائيلي تجاه الحضارة العربية
فيتحدث عن كيفية قيام المراكز والمعاهد البحثية الإسرائيلية بتوظيف الدين لتشويه كل ما يمت للإسلام بصلة على كافة المستويات السياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها .كما تنطلق الأبحاث الاستشراقية اليهودية، باُستخدام التاريخ بمدلولاته، بعد تزييفها ، كأداة لبناء منظومة من الرؤى والمفاهيم،والعمل على تصديرها كحقائق تاريخية ثابتة.
ويأتي المحور الثالث الذي يحمل عنوان السياسة الإسرائيلية تجاه الدول الأورومتوسطية و يتناول قضية الصراع العربي –الإسرائيلي التي تعد من ابرز المشكلات التي تهدد أمن حوض المتوسط و التي بدأت بإتفاقية سايكس بيكـو عام 1916، و وعد بلفور نوفمبر 1917، ثم إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948، وما تبع ذلك من صراع طويل بين العرب و إسرائيل. ويركز هذا المحور على العلاقة بين إسرائيل والدول العربية الواقعة في شمال إفريقيا وشرق المتوسط والتي تعترضها مشاكل عدة من أبرزها الموقف الشعبي العربي المعارض للتطبيع مع إسرائيل. في مقابل الموقف اليهودي المتعنت من قضية القدس والأراضي العربية المحتلة عام 1967 .
كذلك السياسة الإسرائيلية في منابع الأنهار، التي ترى فيها إسرائيل فرصة للضغط على الدول العربية.
ولاريب في أن التقارب الأورومتوسطي دائما ما يعترضه رغبة إسرائيلية عارمة في إحداث الانشقاق بين طرفي المتوسط ، فإسرائيل تعتبر نفسها الابن الشرعي للحضارة الأوربية في التفكير والممارسة السياسية والاقتصادية ، فضلا عن أنها تعتبر نفسها وسيطا إستراتيجيا كبيرا ومعبرا للعديد من الدول الأوربية الراغبة في توطيد الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كانت معظم العلاقات الأوروبية بدول المتوسط، ذات بعد اقتصادي وتجاري ، غير أن السياسة المتوسطية الشاملة فتحت أمام جميع بلدان حوض المتوسط، أُفقا أوسع من مجرد الاتفاقات التجارية، مما نتج عنه إبرام عدة اتفاقيات بين الجماعة الأوروبية وهذه البلدان، بدءا بإسرائيل في مايو 1975.
وترتبط مؤشرات السياسة الإسرائيلية تجاه الدول الأورومتوسطية ارتباطاً وثيقاً بما يدور في الأراضي الفلسطينية والمواقف الأوربية منها ، كما أن السياسة الإسرائيلية تجاه الدول العربية ترتبط بالمشروع التوسعي الإسرائيلي في المنطقة ، سواء كانت الأهداف التوسعية موجهة إلى التوسع المائي النهري، أو التوسع في مياه المتوسط وما تخبئه من مخزون طاقوي ، أو التوسع في الخريطة الجغرافية لإسرائيل والمشروع الإسرائيلي المسمى بـ ” إسرائيل الكبرى “.
ويتناول المحور الرابع والأخير مصالح إسرائيل المائية في منطقة البحر المتوسط حيث أدت كشوفات الغاز والنفط الأخيرة في شرق المتوسط إلى فتح آفاق جديدة في المنطقة مما يؤصل لمستقبل جديد يعاد فيه رسم العلاقات الاقتصادية والخارطة الجيواستراتيجية للمنطقة. فعلى صعيد مياه الأنهار العربية ، نجد أنه منذ النصف الثاني من القرن العشرين وتسعى إسرائيل لتشجيع ودعم أثيوبيا في بناء مشروع سد النهضة الأثيوبي والذى سوف يؤدى الى أضرار مائية لكل من مصر والسودان .
وخلص البحث إلى عدد من النتائج والتوصيات من أهمها ضرورة حل النزاعات والمشكلات التي تعترض دول هذه المنطقة ، والعمل من أجل استقرارالمنطقة وتعزيز سبل التعاون خاصة بين شمال المتوسط وجنوبه لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية واقتصادية وتنموية.
أ.د. هدى درويش
عميد معهد الدراسات الآسيوية سابقاً
جامعة الزقازيق – مصر
+ There are no comments
Add yours