اهتمام كبير تبديه إفريقيا للسندات الإسلامية أو ما يعرف بالصكوك، أو بالأحرى هذه الصيغة التمويلية المستندة إلى فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية، في قارّة أضحت لبعض بلدانها على غرار كلّ من السودان وجنوب إفريقيا، تقاليد في استخدام هذه الآلية التمويلية، بينما تخطو على الدرب نفسه، بلدان أخرى مثل النيجر وكوت ديفوار وغيرها، بخطوات تنضح طموحا بتحقيق النجاح ذاته.
فمن تونس إلى جوهانسبورغ (جنوب إفريقيا)، بات للتمويل الإسلامي، وبشكل متزايد، قدرة كبيرة على استقطاب اهتمام صنّاع القرار السياسي والاقتصادي على حدّ السواء، بحسب خبراء أشاروا إلى أنّ إصدار سندات لتمويل أصول ملموسة (مثل مشاريع البنية التحتية) يمكّن البلدان الباحثة عن الازدهار الاقتصادي والسلام الاجتماعي، من تنويع مصادر تمويلها.
السودان كانت من البلدان الإفريقية السبّاقة إلى تبنّي هذا النموذج، حيث اختارت إصدار صكوك بقيمة 1.5 مليار دولار في 2012، لتمويل خطّ أنابيب النفط. ووفقا للصحافة الإفريقية، فإنّ هذا البلد يصدر، منذ ذلك الحين، بمعدّل 4 مرات سنويا، “صكوك المشاركة” (تدار على أساس الشركة أو على أساس المضاربة)، وقد وفّرت لها إيرادات تتراوح من 16 إلى 19 % من قيمتها الأصلية.
وفي يونيو/ حزيران 2014، أطلقت السنغال صكوكا بقيمة 200 مليون دولار، تلتها جنوب إفريقيا، بضعة أشهر إثر ذلك، بإصدار أول صكوك لها بقيمة 500 مليون دولار، وقد حققت نجاحا منقطع النظير، بحسب الصحافة المحلية.
وفي عام 2015، وقّعت كلّ من النيجر وكوت ديفوار اتّفاقات مع “المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص”، لإصدار 150 و300 مليار فرنك إفريقي على التوالي (ما يعادل نحو 300 و600 مليون دولار) من الصكوك بحلول العام 2020، وفق بيان المؤسسة.
اتفاقيات تأتي في وقت أعلنت فيه “المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص” و”المركز الإفريقي للدراسات العليا في الإدارة”، في بيان صدر في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، توقيع اتفاقية لإنشاء أكاديمية للتمويل الإسلامي في غرب إفريقيا ووسطها.
مشروع يرمي إلى إرساء تكوين ذي جودة ينتهي بالحصول على دبلوم، والقيام بأنشطة البحث والإرشاد في مجال التمويل الإسلامي. أما على المدى البعيد، فيهدف إلى إنشاء “أكاديمية التميّز في التمويل الإسلامي بكل من غرب إفريقيا ووسطها”، بحسب النص نفسه.
أرنو راينوارد، نائب الرئيس المكلّف بالشؤون الدولية بجامعة باريس دوفين، والتي تعتبر الشريك الثالث في المشروع، قال معقّبا، في حينه، عن الموضوع: “نحن مقتنعون بالإمكانات الهائلة وفرص التمويل الإسلامي لتنمية إفريقيا، ولهذا السبب، نؤمن، باعتبارنا مؤسسة للتعليم العالي حسّاسة للمسؤولية الاجتماعية، بتعزيز جميع القدرات التي تساعد على تحفيز النموّ”.
أما في شمال إفريقيا، فتعتبر المغرب نموذج الدولة التي انخرطت في نظام التمويل الإسلامي، وأثبتت نجاعته، بل استطاعت أن تصبح، في وقت قياسي، محور هذا النظام بحسب مختصين في الاقتصاد. فالمملكة بدأت تقطف ثمار تطويرها لـ “التمويل التشاركي” أو التمويل الجماعي، بدل “المصرفية الإسلامية”، حتى أنّ مصطلح “المصارف التشاركية” هو المستخدم والمدرج ضمن مشروع قانون للإشارة إلى تلك المؤسسات المالية.
تمويل تشاركي من المنتظر أن يمكّن المغرب من تحقيق ما بين 3 إلى 5 % من مجموع أصولها المصرفية بحلول 2018، أي بإمكانات متوقّعة مقدّرة بنحو 70 مليار درهم مغربي (ما يعادل 7.3 مليار دولار)، بحسب تقرير صادر في 2014 عن معهد طومسون رويترز حول التمويل الإسلامي في المملكة.
توجّه يدعمه حزب “العدالة والتنمية” ذو المرجعية الإسلامية، والحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان المغربي في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي يستثمر بشكل متزايد في مشروع تطوير التمويل الإسلامي، هذه الآلية التي ينظر إليها على أنها وسيلة لضخ ديناميكية جديدة في اقتصاد البلاد، وفق رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران.
وعلى صعيد آخر، أجمع الخبراء المجتمعون خلال جلسات المنتدى الإفريقي للتمويل الإسلامي المنعقد في نسخته السابعة، في فبراير/ شباط الماضي بالمغرب، على أنّ “التمويل الإسلامي يقدّم “معاملات ملموسة وعلى غاية من الوضوح”.
وفي سياق متصل، اعتمدت المملكة في 2015، مشروع قانون لإصدار منتجات التأمين “الحلال”، من خلال تحديد قائمة المنتجات التي يمكن تسويقها في مجال التأمين الإسلامي وإعادة التأمين، بل إنّ “مبادئ وطرق ممارسة التمويل الإسلامي” أضحت موضوع تدريب وتكوين في الجامعات المغربية، بحسب ما تداولته وسائل إعلام محلية.
تونس أيضا تعتبر من البلدان الإفريقية التي اقتنعت بمزايا وفوائد التمويل الإسلامي، حيث غيّرت مؤخرا من القانون الأساسي لمصرفها المركزي، من أجل الاستفادة من الفرص التي يوفّرها هذا النظام التمويلي البديل للمالية الكلاسيكية. وتبعا لهذا التغيير، أصبح التمويل الإسلامي مقنّنا بدعم من المصرف المركزي التونسي و”هيئة السوق المالية” (تتمتع بالشخصية المدنية وبالاستقلال المالي وتسهر على حماية الادخار المستثمر في الأوراق المالية)، وقد أذنت تونس بإصدار صكوك إسلامية بقيمة 525 مليون دينار (ما يعادل 262 مليون دولار) قبل موفى العام الجاري، بحسب بيانات وزارة المالية التونسية.
+ There are no comments
Add yours