لكن ذلك لا يمنع ان الهند تولي إهتماما خاصا للمحيط الهندي، المجال الطبيعي منذ قرون، لجولان وتنقّل الأشخاص والممتلكات بين الجانبين، حتى أنّ 3 من جملة القواعد البحرية الـ 8 التابعة للسلاح البحري الهندي، الفرع البحري للقوات المسلحة الهندية، متمركزة في جزر سيشل على سواحل موريشيوس ومدغشقر، ضمن خيار استراتيجي يترجم أهمية هذه المنطقة بالنسبة للعلاقات الثنائية، بحسب معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس).
على خطى العملاق الصيني، تسعى الهند إلى تعزيز تواجدها في القارة الإفريقية، وتمتين مجالات شراكتها بعدد من بلدانها، اعتمادا على استراتيجية ناعمة، يبدو أنّها أثمرت الكثير على جميع الأصعدة، وخصوصا الاقتصادية، بحسب مختصين.
فعلى مدى 15 عاما من الشراكة بين الهند والقارة السمراء، تضاعفت المبادلات التجارية بين الجانبين 25 مرة، لتمرّ من 3 مليار دولار في عام 2000 إلى 75 مليار دولار في 2015، بحسب تصريح أدلى به مؤخرا وزير الخارجية الهندي، فيجاي كومار سين.
تطوّر، أضاف الوزير خلال المؤتمر الحادي عشر للشراكة الهندية الإفريقية، المنعقد في نيودلهي، بتنظيم من بنك التصدير والاستيراد وغرف التجارة والصناعة الهنديين، واختتمت أعماله في 15 مارس/ آذار الماضي، إنّه يترجم التطوّر الكبير الذي شهدته العلاقات بين نيودلهي والبلدان الإفريقية في السنوات الأخيرة.
وبحسب الصحافة الهندية والإفريقية، فقد تطوّرت الصادرات الهندية منذ 2002، بنسبة 25 %، سنويا، لتستقرّ في حدود 27 مليار دولار في 2013، كما شهدت الصادرات الإفريقية نحو الهند ارتفاعا بنسبة 33 % لتصل إلى 43 مليار دولار، خلال الفترة نفسها.
سانوشا نايدو، مديرة الأبحاث في جامعة ستافوردشاير البريطانية، وهي أيضا مختصّة في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إفريقيا والهند والصين، قالت إنّ: “الهند في حاجة إلى إفريقيا لتنشيط اقتصادها، ما يفسر ارتفاع واردات المواد الأولية والخام. من جانبها، تحتاج القارة الإفريقية للهند لتحويل هذه المواد إلى بضائع مصنعة”.
ولئن لا يزال حجم المبادلات التجارية بين إفريقيا والهند دون المستوى الذي بلغته الصين، والتي حققت رقما بهذا الشأن بقيمة تتجاوز الـ 200 مليار دولار في 2014، بحسب البيانات الرسمية، إلاّ أنه بوسع الهند، هذه القوة الاقتصادية التي حققت مؤخرا نموا بنسبة 7.5 %، وفق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ااستثمار تباطؤ النمو الصيني، لتعزيز حضورها في القارة السمراء.
وخلافا لمنافستها الصين والتي تحصل على حصتها من السوق الإفريقية عبر الحملات الدبلوماسية، فإن الهند تمنح الأولية، في هذا الصدد للقطاع الخاص.
وبحسب نشرية أعدّت خلال القمة الإفريقية- الهندية الأخيرة، المنعقدة في أكتوبر تشرين الأول الماضي، فإنّ المبادلات التجارية بين الهند والقارة السمراء، تشمل بالأساس البلدان الإفريقية الناطقة بالأنجليزية (بوتسوانا وملاوي وجنوب إفريقيا وموزمبيق وزيمبابوي الخ)، لكن هذا لا يمنع أنّ العملاق الهندي يتطلّع بذات الإهتمام نحو بقية أرجاء القارة، وخصوصا منطقة وسط إفريقيا.
مناطق تشكّل دائرة اهتمام كبير بالنسبة للهند، نظرا لما تزخر به باطن أراضيها من ثروات، علاوة على مناجم الذهب والماس والمنغنيز والنحاس، أي جملة المعادن التي تستخدمها لتصنيع المكوّنات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية الصغيرة.
نايدي أشارت أيضا إلى أن الهند التي لا تمتلك آبارا للنفط، رغم الحاجة الملحة لمثل هذه الموارد، وخصوصا في ما يتعلّق باستهلاك الفحم والنفط والغاز، وتتطلّع بشكل متزايد نحو القارة الإفريقية، حيث تستفيد من انخفاض سعر النفط، منذ يونيو/ حزيران الماضي، من أجل استيراد احتياجاتها من هذا المورد الحيوي من إفريقيا.
واستنادا إلى بيانات الخارجية الهندية المنشورة على موقعها الرسمي على شبكة الأنترنيت، فإنّ خمس (20 %) البراميل المستوردة من النفط متأتية من القارة الإفريقية، وأنّ ثلثي (66 %) هذا النفط من أنغولا ونيجيريا.
وفي المجموع، تتوجّه نحو 95 % من الصادرات النيجيرية نحو الهند، وفقا لأحدث المعطيات المنشورة على موقع “الحل التجاري العالمي المتكامل”، في حين تصدّر بوتسوانا، من جهتها، 96 % من ماسها وأحجارها الثمينة إلى العملاق الهندي. أما صادرات السنغال من المواد الكيميائية نحو البلد نفسه، فتبلغ 72 %.
ووفق المصدر نفسه، 65% من الصادرات الهندية إلى جنوب إفريقيا تشمل المنتجات المصنعة، بالأساس، في حين أن 43% من صادراتها باتجاه بوتسوانا تعنى بالمواد الكيمياوية. و38% من مجمل صادرات العملاق الهندي إلى مالي تتوجه إلى قطاع النسيج والملابس.
الهند تستثمر، كذلك، في القطاع الزراعي، وفي هذا الصدد، أشار المختص الإقتصادي سيري سي، والذي يشرف على مكتب “أفريكا ورلد وايد غروب” للاستشارات في الجيوسياسية والجغرافيا الإقتصادية، ومقره في العاصمة السنغالية داكار، إلى أنّه “يتعيّن على الهند تأكيد خبرتها في المجال الميكانيكي والحوسبة، عبر التحكّم في المياه على سبيل المثال (الآلات الزراعية، بناء السدود والتوقّعات الجوية)، بما يسمح لها ولبلدان وسط إفريقيا بتحقيق أكبر استفادة ممكنة”.
ففي أنغولا، تشارك شركة “أنجيليك الدولية” الهندية، في بناء مصنع لغزل القطن، بقيمة تقدّر بـ 15 مليون دولار. وبكلفة مماثلة، تنشط الشركة نفسها في مالي، وتحديدا في أنشطة تحويل المانجو والطماطم، وكذلك في تطوير زراعة الأرز، بحسب بيان للشركة الهندية.
لكن ورغم الحضور الذي تسجّله الهند على مستوى استيراد المواد المذكورة آنفا، إلا أنّ هذه القوة الآسيوية، تفتقد إلى إستراتيجية فعالة في ما يتعلّق بغزو البلدان المنتجة لليورانيوم، مثل النيجر، سيّما وأنها في حاجة إلى هذا المعدن لإعطاء دفعة جديدة لنموّها الاقتصادي، على حدّ تعبير نايدو.
الهند، هذه القوة الديمغرافية التي يبلغ عدد سكانها حوالي ملياري نسمة، والعملاق الآسيوي الذي يخطو بثبات، محققا قفزة نوعية في القارة الإفريقية على حساب الصين، من خلال الإرتفاع المطرد الذي تسجله مبادلاتها التجارية ومعدلات نموها بشكل عام، ترنو إلى زيادة نفوذها السياسي في العالم وفي إفريقيا بشكل خاص، بحسب المصدر نفسه.
في المقابل، فالهند التي تعدّ أكبر مستورد للأسلحة في العالم، لا تبدو معنية في هذا المجال بإفريقيا التي تؤمن احتياجاتها من الأسلحة من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما قد يفسّر غياب الأرقام بشأن معدلات واردات أو صادرات الأسلحة بين القارة السمراء والعملاق الآسيوي.
+ There are no comments
Add yours