يتسابق السياسيون النمساويون، المتنافسون في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها للمرة الثانية، في 2 أكتوبر/ تشرين أول المقبل، على إطلاق التصريحات المعادية لتركيا، في محاولة لكسب أصوات اليمين المتطرف، بدلاً من دعم النضال الذي خاضه الشعب التركي للحفاظ على الديمقراطية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/تموز الماضي.
وتعيش النمسا في الأيام الحالية أجواءً سياسية مماثلة لتلك التي شهدتها بريطانيا، قبيل الاستفتاء الذي أسفر عن قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، في 23 حزيران/ يونيو الماضي.
كما أن وجود احتمال فوز المرشح اليميني للرئاسة، نوربرت هوفر (عن حزب الحرية النمساوي)، دفع أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط، التي تحكم البلاد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، نحو انتهاج خطاب لكسب أصوات اليمينيين.
واستغل حزبا “الاجتماعي الديمقراطي” و”الشعب”، اللذان يشكلان الحكومة الائتلافية، تصاعد اليمين المتطرف، ولجؤوا إلى انتهاج خطابٍ معادٍ لتركيا وشعبها، بهدف استعادة شعبيتهما المفقودة بين الناخبين.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أطلق كل من المستشار النمساوي (رئيس الوزراء) كريستيان كيرن، المنتمي لحزب الاجتماعي الديمقراطي، ووزير خارجيته، سيباستيان كورتس، المنتمي لحزب الشعب، تصريحات معادية لتركيا، جاءت أكثر تطرفاً من تلك التي يطلقها “حزب الحرية النمساوي” اليميني المتطرف، في خطابه العنصري.
وفي وقت سابق، نظّم الأتراك المقيمون في النمسا، مظاهرة للتنديد بمنظمة “فتح الله غولن” الإرهابية، والمحاولة الانقلابية التي نفذتها منتصف يوليو/تموز الماضي في تركيا، حاملين أعلام بلادهم، وهو ما قوبل من جهة اليمين النمساوي المتطرف بردة فعل سلبية، عكست حالة العداء التاريخي العميق الذي يكنّه ضد الأتراك، حيث دعا المرشح الرئاسي اليميني نوربرت هوفر، إلى فرض حظر على رفع العلم التركي في النمسا، وإسقاط الجنسية النمساوية عن مواطنيه من أصول تركية، أعقب ذلك قرار من إحدى البلديات، بمنع المقيمين والمواطنين النمساويين من أصل تركي، تعليق أعلام بلادهم على منازلهم.
سياسيون يتسابقون في إطلاق تصريحات معادية لتركيا
انتقد وزير الخارجية النمساوي، كورتس، الأتراك في بلاده بسبب مشاركتهم في مظاهرات مناهضة للانقلابات، وقال “ينبغي على أتراك النمسا إظهار مواقف موالية لبلادنا، أما أولئك المؤيدين لرجب طيب أردوغان (الرئيس التركي) فهم يمتلكون الحرية في مغادرة البلاد”، متوعداً بأن “الأطر القانونية تخوّل الحكومة سحب الجنسية من النمساويين من أصل تركي، وأن التشريعات الصادرة في هذا الصدد واضحة لا لبس فيها”.
أما حزب الخضر، الذي طالما رفع شعارات الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان والحريات، فهو أيضاً تحوّل إلى خطاب يميني متطرف، حيث طالبت زعيمته، إيفا غلافيشنيك، بمنح الانقلابيين إمكانية طلب اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، فيما طالب “يواكيم كوفاكس”، المتحدث باسم “الخضر” في مقاطعة فيينا، بمنع استخدام تحية “الذئب الرمادي” (خاصة بالقوميين الأتراك) وكلمة “الله أكبر” في عموم البلاد، ليطالب النائب عن الحزب في البرلمان، بيتر بيلز، بإغلاق الجمعيات التركية.
وفي هذا السياق، دعا هاينز كريستيان شتراخه، زعيم “الحرية النمساوي” (متطرف يميني)، إلى فرض عقوبات على تركيا، وتعليق محادثات عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وعلى خطى “شتراخه”، سار المستشار النمساوي كيرن، الذي قال في اجتماع بمجلس الاتحاد الأوروبي في 16 سبتمبر/ أيلول العام الماضي، إن الوقت قد حان لبدء النقاشات من أجل تعليق المفاوضات الجارية لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مدعياً أن تركيا لم تلب بعد متطلبات وشروط العضوية في الاتحاد، وأضاف “مفاوضات الانضمام في الوقت الراهن ليست سوى ضرب من ضروب الخيال، جميعنا يعلم أن المعايير الديمقراطية في تركيا لا تخولها لتكون عضواً في الاتحاد”.
إطلاق تصريحات معادية لتركيا من أجل كسب أصوات اليمينيين الانتخابية
كما تسعى الحكومة الائتلافية لكسب الأصوات المحتمل أن يحصل عليها الحزب اليميني المتطرف في الانتخابات الرئاسية، لذا تلجأ إلى خطاب معادٍ للأتراك، وكما هو معروف، فقد فاز مرشح حزب الخضر، ألكسندر فان دير بيلين، في الانتخابات الرئاسية النمساوية التي جرت في 22 مارس/ آذار الماضي، ومع ذلك، ألغت المحكمة الدستورية نتائج الانتخابات لوجود شبهات تزوير واحتيال، وقررت إعادة الانتخابات في 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بين “بيلين”، ومرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر، وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة، إلى وجود احتمال بفوز هوفر بنسبة 51% في الانتخابات المقبلة، لذا اتجه كل من “الاجتماعي الديمقراطي”، و”الخضر” و”يمين الوسط” إلى إطلاق تصريحات معادية لتركيا، لكسب أصوات من اليمين المتطرف.
الخوف من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في المستقبل
إن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة وفوزهم بمنصب الرئاسة يعني تغييرًا تاماً في التوازنات السياسية، قد يؤدي إلى انهيار التحالف المشكل للحكومة الحالية.
وبات معروفاً أن التصريحات المعادية لتركيا تتزايد عادة في فترة الانتخابات العامة بأوروبا، وقد شغلت تركيا حيزاً مهماً من خطابات المسؤولين البريطانيين الراغبين بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبيل استفتاء “بريكست”، حيث دعا مؤيدو الانفصال إلى “التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي بسبب قرب دخول تركيا ذات الـ 76 مليون نسمة”، فيما أكّد مؤيدو البقاء في الاتحاد بأن مرحلة المفاوضات مع تركيا لدخول الاتحاد من شأنها أن تستمر “ألف عام” لذا لا داعي للتسرع والخروج، وقد أكد ذلك رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، حيث قال “حصول تركيا على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي قد يستغرق ثلاثة آلاف عام”.
-النمسا تتعاون مع العديد من الأنظمة الاستبدادية
في مقابلة مع مراسل الأناضول، قال الأستاذ في جامعة سالزبورغ قسم العلوم السياسية، فريد حافظ، إن “الانحياز لصالح الانقلاب في تركيا، بدا واضحاً وجلياً من خلال وسائل الإعلام، فالساسة النمساويون لا يزالون يرزحون تحت وطأة الكراهية التاريخية للأتراك، وهذا يتجلى في مواقفهم المناهضة دوماً لتركيا”.
وأضاف حافظ أن “النمسا تربطها أواصر التعاون مع العديد من الأنظمة الاستبدادية، وانتقاداتها للسياسة والاقتصاد والديمقراطية التركية ليست أكثر من مبالغة”، مشيرًا أن “مطالبة كورتس، للأتراك المناهضين للانقلاب في بلاده بالمزيد من الولاء، هو عبارة عن خطاب مفعم برائحة العنصرية والكراهية”.
النقاشات الجارية لا تتسم بالموضوعية
من جهته، أكد الباحث في معهد العلاقات الدولية النمساوية، هاقان أقبولوت، أن الأحزاب السياسية تلجأ إلى طرق باب قضايا تكامل الأتراك مع المجتمع النمساوي، وإدراجها على جداول الأعمال قبل كل انتخابات، وقال “بطبيعة الحال، فإن هذه المناقشات لا تكون دائماً موضوعية وواضحة، لذا يجب تقييم تزايد تصريحات السياسيين النمساويين المعادية لتركيا والأتراك، في إطار خوفهم من ظفر المرشح اليميني المتطرف بالانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أن إمكانية فوزه هذه المرة مرتفعة جداً ولا يمكن تجاهلها”.
+ There are no comments
Add yours