أبوبكر أبوالمجد
حرب البسوس.. هي حرب قامت بين قبيلتي “تغلب بن وائل” وأحلافها ضد “بني شيبان” وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل، بعد قتل الجساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي ثأرًا لخالته البسوس بنت منقذ التميمية بعد أن قتل كليب ناقة كانت لجارها سعد بن شمس الجرمي.
فكان كليبُ يكره أن يرى إبل غيره ترعى مع إبله، فأخبرت “البسوس” ابن أختها جساس الذي كان يطيعها في كل ما تقول بأن كليبًا يمنعها من ترك ناقتها “سراب” للرعي وأنه يهدد بقتلها، فطلب منها جساس أن تترك الناقة ترعى على ضمانته.
عندما رأى كليب الناقة ترعى قتلها، فغضب جساس لهذا الأمر فقام بقتل كليب وذلك برمح في ظهره، وقبل ان يلفظ كليب أنفاسه كتب على صخرة بدمه “لا تصالح”.
“لا تصالح” كانت رسالة كليب لأخيه “الزير سالم”، والذي أقسم حين وصله الخبر أنه سيقتل كل قبيلة بني بكر بدم أخيه كليب، فاشتعلت الحرب التي اشتهرت باسم حرب البسوس، والتي استمرت لعشرات السنوات بهدف إبادة البكريين.
الحكومة “نعم للتصالح”
منذ ثورة 25 يناير 2011، ونحن نسمع عن لجان استرداد الأموال المهربة، وتاجر بها الكثيرون، والفشل في استرداد جنيهًا واحدًا كان النتيجة النهائية، حتى وافق مجلس الوزراء بتاريخ 17 يوليو 2015، على تعديل بعض أحكام القانون رقم 62 لعام 1975 والخاص بالكسب غير المشروع وتضمنت التعديلات إمكانية قبول الجهات القضائية المختصة عرض المتهم بالتصالح عن جريمته بشرط أن يرد كل ما اكتسبه من أموال غير مشروعة.
لم يثمر هذا التعديل عن طفرة ملموسة في استرداد مصر لأموال شعبها المنهوبة من رجال أعمال ومسؤولين هاربين أو مرهونين على ذمة قضايا كسب غير مشروع، حتى تفاجأ المصريون بإنهاء مفاوضات السنوات الخمس مع أحد أكبر أباطرة عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، رجل الأعمال الأشهر حسين سالم.
حسين سالم أو “الزير سالم” قبلت الدولة المصرية التصالح معه ورفع إسمه وأفراد عائلته من قوائم ترقب الوصول والأجندة الحمراء.. تصالح أنهى حرب البسوس بين الدولة وسالم.
أول الحكاية
الزير حسين سالم، أحد مؤسسي شركة قامت بتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل في عهد مبارك، وقُدم للمحاكمة بسبب فساد طال اتفاق تصدير الغاز إلا أنه حاز على البراءة بعد حكم أولي بالسجن 7 سنوات.
صدرت ضد سالم 3 أحكام بالسجن من 7 الى 15 سنة، في قضايا تتعلق بالفساد وغسل الأموال في مصر.
وبناءً على طلب السلطات القضائية المصرية، ألقي القبض على سالم في إسبانيا في يونيو2011 إلا أنه أفرج عنه بكفالة بعد بضعة أيام؛ لكنه ممنوع من مغادرة هذا البلد منذ ذلك الحين.
آخر الحكاية
قررت السلطات المصرية، الثلاثاء 23 أغسطس 2016، مخاطبة السلطات القضائية في إسبانيا وسويسرا وهونغ كونغ لرفع اسم الملياردير حسين سالم من قائمة تجميد الأموال والأصول المتحفظ عليها في الخارج بعد إتمام التصالح معه في قضايا فساد.
وفي مطلع أغسطس الجاري، أكد محمود كبيش، وهو عميد سابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ووكيل سالم أعلن أن موكله، الذي كان يملك عدداً كبيراً من الفنادق في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، “تنازل عن 75% من ثروته وثروة زوجته وأبنائه وأحفاده في الداخل والخارج”.
وأضاف أن “هذه الثروة التي تتضمن أموالاً سائلة وأصولاً ثابتة من بينها عقارات وفنادق وأراض، تقدر بـ5 مليارات و350 مليون جنيه مصري (نحو نصف مليار دولار)، وتم التوقيع على إنهاء إجراءات التصالح مع الدولة ونقل هذه الأموال والأصول إليها”.
وكشف بيان صادر من مكتب النائب العام المصري أن “اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات بالخارج قررت مخاطبة السلطات القضائية في كل من دولة سويسرا وإسبانيا وهونغ كونغ لرفع اسم حسين سالم وأفراد أسرته من قائمة تجميد الأموال والأصول المتحفظ عليها في الخارج”.
وقالت النيابة إن هذا القرار جاء بعد “إتمام التصالح واسترداد الدولة المصرية لأصول عينية ونقدية بقيمة 5 مليارات و341 مليون جنيه مصري (قرابة 601 مليون دولار و559 ألف دولار).
كما قررت النيابة العامة في مصر مخاطبة الإنتربول الدولي “لرفع أسمائهم من النشرة الحمراء وكذا قوائم ترقب الوصول”.
ووصف كبيش محامي رجل الأعمال حسين سالم، على قرار النائب العام المستشار نبيل صادق، بمخاطبة كل من دولة سويسرا وإسبانيا وهونج كونج لرفع اسم موكله من قوائم المتحفظ على أموالهم ومخاطبة الإنتربول الدولي لرفع اسمه من النشرة الحمراء للمطلوبين أمنيا، بأنه يمثل وفاء الدولة بالتزاماتها نحو موكله وفقا للقانون.
وأوضح كبيش أن نص قرار النائب العام هو ما تم الاتفاق عليه مع الدولة لإتمام عملية التصالح مع موكله.
وأضاف:” نقدر للدولة والجهات المعنية بها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في عملية التصالح والوفاء به تنفيذا لما نص عليه تعديلات قانون الكسب غير المشروع بشأن التصالح مع رجال الأعمال.
أما فيما يتعلق بموعد عودة حسين سالم إلى مصر بعد هروبه إلى إسبانيا، كشف “كبيش” أن موكله أصبح بإمكانه العودة إلى مصر في أي وقت الآن؛ ولكنه مريض، وإذا سمح له الأطباء بركوب الطائرة للعودة إلى بلاده فبالتأكيد سيعود دون تردد.
وأشار إلى أن أبناءه وأحفاده بإمكانهم الآن العودة إلى مصر بشكل آمن، مؤكدًا أنهم يستطيعون مزاولة أعمالهم والاستثمار بشكل طبيعي.
وأضاف أن وفاء الدولة بالتزاماتها نحو موكله من شأنه توفير مناخ آمن لاستثمار رجال الأعمال في مصر.
وعن قضايا الفساد الأخرى المحكوم على سالم فيها وصدرت بحقه أحكامًا غيابية عدة بالسجن، أكد “كبيش” أنه سيتم الطعن على هذه الأحكام وستتم إعادة محاكمة يتم خلالها تقديم اتفاق التصالح.
هذا التصالح فتح بابًا وصنع جسرًا من الثقة يمكن أن يدخل منه ويعبر فوقه جميع الذين أجرموا وأفسدوا ماديًا، فمن يتبع “سالم”؟
+ There are no comments
Add yours