المكان فصل دراسي في شرق برلين والجالسون فيه مجموعة من المهاجرين يشاركون في اختبار عملي عن “الحياة في ألمانيا”.
وعليهم أن يحددوا أي الأعياد هي الأعياد المسيحية من بين قائمة تتضمن عيد القيامة وعيد الميلاد وعيد العمال وعليهم أيضا تحديد الأكلات الألمانية والأكلات الأجنبية من قائمة أطعمة فيها السجق الأبيض والبيتزا والكباب كما أن عليهم اختيار نوع التأمين الذي يحتاجون إليه في ألمانيا.
ولكثيرين من الوافدين الجدد إلى ألمانيا الذين تجاوز عددهم المليون في العام الماضي سيجعل قانون جديد من حضور هذه الفصول الدراسية عنصرا في تحديد ما إذا كانوا سيحصلون على المساعدات التي ستتيحها الدولة لهم ويأملون أن تفتح لهم باب الحياة الجديدة في البلاد.
وقد استقبلت ألمانيا من المهاجرين أعدادا أكبر مما استقبلته أي دولة أخرى في الاتحاد الاوروبي، وقد يكون نجاحها أو فشلها في حملة دمج المهاجرين في المجتمع أمرًا حاسمًا في أسلوب تعامل أوروبا مع أكبر أزمة هجرة تشهدها القارة منذ الحرب العالمية الثانية والتي فرضت ضغوطا كبيرة على أجهزة الأمن والنظم الاجتماعية وعززت شعبية الأحزاب المناهضة للهجرة.
ويوم الأربعاء أقر مجلس الوزراء الألماني قانون الدمج ووصفته المستشارة أنجيلا ميركل بأنه علامة بارزة.
ويشترط القانون على المهاجرين البالغين ممن ليس لهم وظائف وأمامهم فرصة كبيرة للبقاء في البلاد حضور دروس لتعليم اللغة الألمانية لمدة 600 ساعة بالإضافة إلى 100 ساعة من “التوجيه” الثقافي تنتهي بخوض اختبار “الحياة في ألمانيا”.
ولن يصبح القانون الجديد ساري المفعول إلا بعد موافقة البرلمان عليه، ومع ذلك فحملة الدمج تواجه عقبات كبيرة.
فقد قال عدد من خبراء التعليم والمدرسين والمهاجرين لرويترز إنه لا توجد أماكن كافية في فصول تعليم اللغة أو ما يكفي من مدرسيها. وقالت بعض المدارس إن مستوى اللغة الألمانية الذي يتعلمه المهاجرون لا يرقى إلى المستوى الذي يتوقعه كثيرون من أصحاب الأعمال من العاملين من ذوي المهارات.
كما قال بعض المهاجرين إن دورات التوجيه ليست كافية لسد الهوة الثقافية رغم أنها مفيدة في بعض جوانبها.
وقد استفاد محمد اللاجئ السوري الذي يعمل متدربا في شركة للخدمات الضريبية من بعض عناصر الدورة الثقافية مثل دليل لشرح بيانات الأجور والاستقطاعات الضريبية وكذلك دروس التاريخ عن عهد النازي والشطر الشرقي من ألمانيا الذي كان تحت الحكم الشيوعي سابقا.
غير أن محمد (28 عاما) الذي وصل في أواخر العام 2014 قال إنه اضطر للانتظار حتى أكتوبر تشرين الأول عام 2015 لبدء فصول دراسة اللغة وإنه عانى مما وصفه بأنه “صدمة اللغة”.
وقال محمد “أتمنى لو أتيحت لي فرصة تعلم اللغة الألمانية قبل ذلك. فعلى مدى عشرة أشهر لم أكن أفعل شيئا. لو أنني تمكنت من الاستفادة بهذا الوقت لكانت لغتي الألمانية أفضل كثيرا الآن”.
والمخاطر كبيرة بالنسبة لألمانيا. فمن الممكن أن يؤدي القرار الذي اتخذته ميركل في العام الماضي لفتح الباب أمام أعداد قياسية من اللاجئين إلى تجديد شباب قوة العمل التي يتزايد أعداد كبار السن فيها.
لكن كلما طالت الفترة التي يتعلم فيها المهاجرون اللغة ويكتسبون المؤهلات زادت الضغوط على الاقتصاد والمجتمع.
وقد ساهم التحرر مما اقترن من أوهام بثقافة الترحيب التي روجت لها المستشارة الألمانية في تعزيز وضع حزب البديل لألمانيا المناهض للاجئين فحقق نتائج قوية في الانتخابات الإقليمية هذا العام.
وينص مشروع القانون الجديد على أن المهاجرين الذين يتعين عليهم حضور الفصول الدراسية ولا يشاركون فيها ستخفض مساعدات الدولة لهم إلى أدنى حد ممكن “بما يقيم الأود”. وقالت اندريا نالز وزيرة العمل إن حجم التخفيضات في المساعدات سيتوقف على كل بحث حالة على حدة.
ويحصل طالبو اللجوء على 354 يورو (395 دولارا) شهريا خلال الخمسة عشر شهرا الأولى لهم في ألمانيا وما يصل إلى 404 يورو بعد ذلك أو بمجرد التأكد من أحقيتهم في اللجوء. كما تدفع السلطات مصروفات الإقامة والتدفئة لهم خلال الفترة التي يتاح لهم فيها التقدم بطلبات اللجوء.
ويبلغ متوسط الأجر الشهري الكامل للعاملين كل الوقت في ألمانيا 3612 يورو.
* نقص الموظفين
وثمة حالة من البلبلة الشديدة بين كثير من الألمان عن العواقب التي ستترتب على طوفان اللاجئين الذي أعاد للأذهان ذكريات وصول ملايين من العمال الأجانب لاسيما الأتراك الذين ساعدوا في إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية.
فلم يبذل جهد لدمجهم في المجتمع وانتهى الحال ببعضهم للإقامة في أحياء خاصة بهم الأمر الذي يقول بعض الألمان إنه غذى التوترات بين طوائف المجتمع.
وقد حذر الرئيس يواكيم جاوك الذي نادرا ما يتدخل في السياسة من أخطار فشل حملة دمج المهاجرين الحالية في المجتمع. وقال الشهر الماضي “نحن نجازف بتحول مشاعر الإحباط والملل إلى العنف والجريمة أو بازدهار التطرف السياسي أو الديني.”
وقالت متحدثة باسم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إن المانيا تنظم دورات الدمج في المجتمع منذ عام 2005 وكان كثير من المشاركين فيها مهاجرين من دول أخرى أعضاء في الاتحاد الاوروبي جاءوا بحثا عن عمل وذلك حتى نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي عندما سمحت السلطات لطالبي اللجوء القادمين من سوريا وايران والعراق واريتريا بالحق في حضورها.
ويسلم فرانك يورجن فايسه رئيس المكتب بالتأخيرات في بدء دورات الدمج. ويتسلم المكتب حوالي 2500 طلب يوميا من طالبي اللجوء الذين تنطبق عليهم الشروط للانضمام إلى الدورات التي تصل فترة الانتظار لقائمة طالبيها إلى ثمانية أسابيع في الوقت الحالي.
لكنه قال إن المكتب يعمل على إتاحة أماكن إضافية للاجئين.
ويتمثل جزء من المشكلة في أن المدارس لا تجد الأعداد الكافية من المدرسين.
وقالت سيمون كاوشر المتحدثة باسم الجمعية الألمانية لتعليم الكبار والتي توفر 40 في المئة من دورات الدمج إن المدارس التي تمثلها الجمعية لا يمكنها تلبية الطلب بسبب عجز يصل إلى 5000 مدرس.
وحتى بعد أن يضمن اللاجئ مكانا في الدورات تظل التحديات كبيرة.
فقد قال ينس أوفي شافر ناظر معهد التواصل بين الثقافات في شرق برلين إن المهاجرين قد يواجهون صعوبات في تعلم مهنة أو إتمام فترة تعلم حرفة بمستوى اللغة الألمانية التي تعلموها في الدورات.
وقال لودجر فوسمان خبير التعليم في معهد ايفو إن كثيرين من الشباب فاتهم التعليم بسبب قضاء فترات طويلة في مخيمات اللاجئين والسفر.
وبالنسبة لبعض المهاجرين فإن ما يتعلمونه في الدورات يبدو أيضا بعيدا كل البعد عن واقع الحياة اليومية في الملاجئ الجماعية.
وقال إيهاب أحمد (37 عاما) الذي كان يعمل مديرا ماليا في سوريا إن دورات الدمج تتيح له اكتساب مهارات جيدة بالألمانية لكن من الصعب تطبيقها عمليا في الملجأ الذي يعيش فيه بمطار تمبلهوف غير المستخدم في برلين.
وأضاف “من الصعب فعلا الاندماج أو التعلم عندما تكون في هذا المكان لأن الناس يتكلمون العربية أو لغتهم الأصلية.”
وقالت كاوشر إن الانتظام في حضور الدورات يمثل مشكلة أيضا لكثير من المهاجرين إذ انهم يرتبطون في كثير من الأحيان بمواعيد متعددة مع سلطات الهجرة أو الأطباء.
وأضافت أن البعض يعاني من إصابات أو أمراض أو يتخلف عن الحضور عندما يجد عملا.
وليس لدى مكتب الهجرة أي أوهام عن المعركة الشاقة التي يواجهها الوافدون الجدد ويتوقع رئيس المكتب أن يظل نحو نصفهم دون عمل بعد خمس سنوات.
+ There are no comments
Add yours