الحشد الشعبي والسلطة العراقية وجهًا لوجه

1 min read

مُنذ العام 2003 هيمنت الأحزاب الشيعية على السلطة والموارد في العراق، وفرضت المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران سلطتها على المؤسسات الأمنية، وظلّ التنافس بين الأحزاب السياسية الشيعية قائماً طيلةَ سنوات هيمنتهم على السلطة في العراق، كما دخلت المجموعات الشيعية المسلحة هي الأخرى دائرة التنافس على النفوذ السياسي والأمني في مؤسسات البلاد.

.وفي الأسابيع الماضية توترت علاقات رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، كرئيسٍ للسلطةِ التنفيذيةِ وقائدٍ للقوات المسلحة التي تضمُّ مؤسسات وزارتي الدفاع والداخلية، بقياداتٍ في الحشد الشعبي على خلفية موقفه من العقوبات الأمريكية على إيران وإعلانه الالتزام جزئياً بها في موقفٍ أثارَ غضب قيادات الحشد الشعبي الحليفة لإيران.

وزاد الصراع بين الأحزاب السياسية الشيعية وفصائل الحشد الشعبي على خلفية التنافس على تشكيل الحكومة الجديدة، والعنف المصاحب لاحتجاجات البصرة وتبادل الاتهامات عن عمليات الحرق والتخريب والخلافات التي تُنذر بتداعياتٍ خطيرةٍ على مستقبل الأمنِ والاستقرار. ويتواصل هذا التنافس مع تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل حكومة جديدة.

أدّت الاحتجاجات الأخيرة في البصرة لخلق حالةٍ من الحشد بين المجموعات الشيعية المسلحة، وانقساماتٍ حادة بين قياداتها والحكومة المركزية بعد إحراق القنصلية الإيرانية في المحافظة يوم 7 سبتمبر/أيلول الماضي، واتهاماتٍ ضمنية بوقوف الحكومة وقوى أخرى تناهض الوجود الإيراني في العراق بأساليبَ مختلفة.

مقابل ذلك، وجّهت فصائل تابعة للحشد الشعبي معروفةٌ بتحالفها العميق مع الحرس الثوري الإيراني، ضرباتٍ استهدفت محيط السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد.

ففي 6 سبتمبر الماضي سقطت عدّة قذائف هاون في محيط السفارة، وتُشير اتهاماتٍ أمريكية إلى مسؤولية حركة عصائب أهل الحق عن الهجوم. 

واستهدفت فصائل تابعة للحشد الشعبي القنصلية الأمريكية في البصرة في 8 سبتمبر الماضي مع ردِّ فعلٍ حكومي عاجز عن اتخاذ أيّ إجراءات على الرغم من معلوماتٍ أدلتْ بها السفارة الأمريكية اتهمت أحد الفصائل بالمسؤولية عن الهجوم الذي استهدف قنصليتها في البصرة ومحيط السفارة في بغداد، التي تضمّ أيضاً المجمع الحكومي ومجلس النواب.

وبعد يومينِ فقط من تعرض محيط السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في العاصمة لهجماتٍ بقذائف الهاون، أعلنت حركة عصائب أهل الحق، الحليفة لإيران، مسؤوليتها وتوَّعدت بضرب المصالح الأمريكية في العراق طالما ظلَّ للولايات المتحدة وجودٌ عسكريّ لا شرعيّ على الأراضي العراقية بصفتها قوات احتلال.

كما هدّد رئيس قائمة الفتح هادي العامري، القيادي الأبرز في الحشد الشعبي، خلال لقائه مبعوث الرئيس الأمريكي بريت ماكغورك في 30 أغسطس/آب الماضي، بالإطاحة بأيّ حكومة خلال شهرين إذا تدخلت واشنطن في تشكيلها. 

وأدّت الاحتجاجات في البصرة إلى حالةٍ من التعبئة بين القوى السياسية الشيعية وفصائل الحشد الشعبي ما يمكن أنْ ينجر في مرحلةٍ ما إلى اشتباكاتٍ بين تلك الأطراف تستدعي موقفاً حكومياً إلى جانب أحد تلك الأطراف. 

بعد إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض من قبل حيدر العبادي في 4 سبتمبر الماضي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وتوليه المنصب، اعتقد العبادي أنّ رئاسته لهيئة الحشد ستساهم في تعطيل قدرات ائتلاف البناء، الجناح السياسي للحشد، واستثمار الدعم الإيراني للحشد الشعبي وقوى سياسية مختلفة تدفع إيران لضمّها إلى ائتلاف البناء لتشكيل الحكومة الجديدة.

وأصدرت عشرة فصائل تابعة للحشد الشعبي بياناً توّعدت فيه بالرد على قرار العبادي بالاستيلاء "غير المسؤول" على هيئة الحشد وباقي مؤسسات الدولة العراقية. 

من شأن عدم ارتباط قوات الحشد الشعبي بوزارة الدفاع وارتباطها المباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، تعزيز إمكانيات تحولها إلى مؤسسةٍ شبه عسكرية تمتلكُ سلطاتٍ مستقلةٍ ومؤسساتٍ خاصةٍ بها خارج مؤسسات الدولة العراقية.

وسبق لرئيس الوزراء حيدر العبادي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة أنْ اتخذ قراراتٍ وأوامر أسبغت الشرعية القانونية على هيئة الحشد الشعبي استناداً إلى الشرعية الدينية التي أسّست لها فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بإعلان "الجهاد الكفائي"، في حين اكتسبت هيئة الحشد الشعبي شرعيتها الدستورية من مصادقة مجلس النواب العراقي على قانون الهيئة لتكتسب شرعيتها الدينية والقانونية والدستورية بشكلٍ كامل.

ورسمياً، تُعدّ فصائل الحشد الشعبي مؤسسة من مؤسسات الحكومة خاضعة للدولة العراقية؛ وفي الواقع تمثل تلك الفصائل حالة شبيهة بحالة حزب الله اللبناني سواء في اتساع نفوذها وتغلغلها في مؤسسات الدولة واستقلالية قرارها عن الحكومة المركزية، أو في تبعيتها للسياسات الإيرانية. 

خلال سنوات الحرب على تنظيم داعش أثبتت فصائل الحشد الشعبي استقلالية قرارها العسكري عن قرار القوات الأمنية في التخطيط للمعارك واختيار توقيتها.

وفي مواقعَ كثيرةٍ خلال الحرب على داعش، أثبتت قوات الحشد الشعبي تفوقها القتالي على وحدات الجيش، ما عدا قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي تولَّت القوات الأمريكية تدريبها خلال فترة الاحتلال، ولا تزال تتلقى تدريباتها في معسكرات عراقيةٍ، وأخرى في الأردن. 

ولا تخضع فصائل الحشد الشعبي لأوامر وزارة الدفاع، أو قيادة الجيش، بموجب القانون الذي أناط مسؤوليتها بالقائد العام للقوات المسلحة، وهو نفسه رئيس الوزراء، حيدر العبادي.

ففي معارك استعادة الموصل كان الحشد الشعبي يخوض المعارك على أكثر من محور بقيادته وبإسناد وحدات الجيش العراقي التي كانت تتلقى أوامرها من قيادات الحشد، خاصةً في المحور الغربي ومعركة استعادة قضاء تلعفر غرب الموصل، ومعاركَ أخرى جنوب غربي الموصل في قضائي الحضر والبعاج على الحدود العراقية السورية التي لا تزال مسافات طويلة منها خاضعة لسيطرة الحشد.

يفرض تنامي قوة فصائل الحشد الشعبي واقع وجودها كقوّةٍ عسكريةٍ تُعزّزها أجنحة سياسية شاركت في الانتخابات الأخيرة تحت مظلة قائمة الفتح التي يقودها القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري المصنّف كأحد أهم حلفاء إيران في العراق، والتي حصلت على المرتبة الثانية بـ 48 مقعداً بعد قائمة سائرون بقيادة مقتدى الصدر التي حصلت على 54 مقعداً. 

ويُمثل رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، السلطة التنفيذية العليا وتتبع لها القوات الأمنية، ومن بين أهم مسؤولياتها الحفاظ على هذه المؤسسة وتطويرها والدفاع عنها؛ وفي السياقات المُتعارف عليها دولياً فإنّ ولاء المؤسسة العسكرية في الغالب يكون للحكومة والدولة. 

ومن المتوقع مع أيّ اختبارٍ حقيقي لفصائل الحشد الشعبي، أنّ تثور تساؤلات: هل سيرجح مصالحه على مصالح الدولة العراقية للحفاظ على المكاسب المتحققة له، ما يضعف مؤسسات الدولة الرسمية التي هي جزءٌ أصيلٌ من بناء الدولة العراقية الحديثة مُنذ تأسيسها قبل أقلّ من مائة عام؟، أو قد يكون عاملاً مضافاً إلى عوامل تفكيك الدولة العراقية الموجودة أصلاً في بُنيتها الاجتماعية المنقسمة عرقياً وطائفياً؟.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours