الجنجويد.. حكاية مليشيا السودان الإجرامية

1 min read

كتب- أبوبكر أبوالمجد

أمس الأحد، أعلنت الأمم المتحدة، مقتل ما لا يقل عن 60 شخصًا وإصابة 60 آخرين، معظمهم من قبيلة المساليت، إثر هجوم شنه نحو 500 مسلح ليلة السبت الأحد على قرية مستيري الواقعة على مسافة 48 كيلومترًا من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

هذا الهجوم يعيد للأذهان صورة الصراع المسلح في هذا الإقليم ومن ثم يعيد الحديث عن “الجنجويد”.

والجنجويد.. هو مصطلح سمعه العرب كثيرًا عبر نشرات الأخبار التي تبث من بلادهم، أو حتى في بلاد عربية أخرى، خاصة تلك القنوات الإخبارية المتخصصة، ومن ثم قرأوها في المواقع والصحف؛ غير أن القليلين جدًا من يعرفون معنى هذا المصطلح.

وبالرغم من أنه مصطلحًا ليس عربيًا غير أنهم ألفوه من كثرة سماعه، وقراءته، فعلى مدار 17 عامًا لا يكاد يذكر اسم السودان إلا وذكر دارفور والجنجويد.

فحين اندلعت الحرب الأهلية في إقليم دارفور غربي السودان، عام 2003، ظهر مقاتلون بجانب القوات الحكومية السودانية في حربها ضد الحركات المسلحة المتمردة، واتُهمت الحكومة، بقيادة الرئيس آنذاك عمر البشير بتدريب هؤلاء المقاتلين من القبائل العربية لقتال الحركات المسلحة في الإقليم. ويرفض البعض في السودان تمثيل “الجنجويد” لقبائل بعينها، ويقولون إنهم أفراد غير منضبطين، ينحدرون من قبائل عديدة، ولا يلتزمون بقواعد العرف المحلي، ويمارسون النهب المسلح.

المهم أن الحكومة ظلت تنفي أية صلة لها بالـ”الجنوجيد” على غير الحقيقة.

وتعود جذور الصراع في دارفور، الذي كان أشهر البقاع التي علا فيها صيت الجنجويد، إلى ثمانينات القرن المنصرم، حين اجتاحت موجة من الجفاف دارفور ودولتي تشاد وأفريقيا الوسطى المجاورتين والتي تمتد إليهما وتتداخل معهما جُل قبائل الإقليم المضطرب، بخاصة الرعوية منها.

ثم سرعان ما استقرت الأوضاع وخف الاحتقان مع انحسار الجفاف وعادت القبائل العربية (الرعوية) والإفريقية (الزراعية) إلى التساكن والتعايش بسلام مرة أخرى.

نشأتها

تشكلت ميليشيا الجنجويد منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ويُنسب تأسيس مليشيا “الجنجويد” إلى موسى هلال، زعيم عشيرة “المحاميد”، إحدى أفخاذ قبيلة “الرزيقات” العربية.

حين أسست مجموعة من الدارفوريين من ذوي التوجهات العلمانية- المدنية حركة مسلحة أخرى، سميت بـ”حركة تحرير دارفور” تحت قيادة عبد الواحد نور ومني أركو مناوي، ولاحقًا غيرت اسمها إلى “حركة تحرير السودانثم تلاحقت الأحداث بوتيرة عاصفة، ففي أبريل 2003 شنت الحركتان الحرب على الحكومة، (الحركة الإسلامية وتحرير السودان) عبر عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور ودمرتا عددًا من الطائرات، حينها أطلقت حكومة البشير سراح موسى هلال، الذي كان معتقلاً لديها بتهمة قطع الطرق وقتل جنود نظاميين في شمال دارفور.

كانت تلك هي اللحظة الأولى لتشكيل ميليشيات “الجنجويد”، والتي تأسست بحسب الحكومة لمساندة القوات المسلحة السودانية في دحر التمرد وهزيمته.

لم يكن موسى هلال شخصًا عاديًا، فقد كان والده زعيمًا لقبيلة المحاميد العربية التي تعمل في رعي الإبل والإتجار بها، وللقبيلة امتدادات عميقة في دولتي تشاد والنيجر.

ويقال إن زعيمها هلال والد موسى أتى برفقة أسرته من مكان غير معروف إلى منطقة مستريحة في شمال دارفور.

وبعد سنوات من وصوله، حصل على أرض بطريقة ما عام 1976، وكان متعايشًا مع الجميع، ولم تكن لديه نزعة توسعية إلى أراضي الآخرين، إلى أن توفي، وخلفه ابنه موسى الذي أظهر نزوعًا إلى النهب والسلب وحيازة الأراضي بقوة السلاح وقطع الطريق أمام تجار الحدود بين السودان وليبيا وتشاد.

وضعت الحكومة موسى هلال بعدما دعمته بالمال والسلاح والعتاد، في مواجهة الحركات الدارفورية المسلحة المناوئة لها، وطلبت منه تجنيد أبناء القبائل العربية بخاصة أبناء قبيلته، بذريعة أن الحركات المسلحة المكونة من أفارقة دارفور تخطط لإبادة العرق العربي والقضاء عليه.

وتمكن موسى هلال من النجاح في تجنيد كثيرين من أبناء قبيلته والقبائل العربية الأخرى، ومن هنا بدأ الصراع المسلح ذو الطابع السياسي يأخذ منحى قبليًا وعرقيًا عنيفًا.

وتحولت الحرب إلى حرب إبادة شاملة وتطهير عرقي بحسب الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، حتى أن المحكمة الجنائية الدولية وضعت زعيم الجنجويد هلال، ضمن لائحة المطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي أجبر الحكومة إلى وضع الميليشيات (شكليًا فقط) تحت قيادة حرس الحدود، لكنها ظلت تمارس عملها باستقلالية كاملة عنه.

دارفور

تقع تعتبر دارفور غرب السودان، تعادل مساحتها مساحة ولاية تكساس الأمريكية، وتشترك في الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، وليبيا.

تنقسم دارفور إلى ثلاث ولايات، وهي شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وغرب دارفور وعاصمتها الجنينة، وجنوب دارفور وعاصمتها نيالا.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه ولاية شمال دارفور من المناطق شبه الصحراوية، فإن المناطق الغربية والجنوبية تحظى بوجود الأراضي الخصبة فيها.

يُقدّر عدد سكان دارفور بسبعة ملايين نسمة، وجميعهم من المسلمين السود رغم أن الكثيرين من أبناء دارفور يعيدون أنسابهم إلى أصولٍ عربية من المملكة العربية السعودية.

صراع الحليفين

وبعد زهاء 11 عامًا على انقلاب البشير- الترابي الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية التي كان يرأسها الصادق المهدي، انقلب البشير على حليفه الترابي، فيما عرف بمفاصلة الإسلاميين 1999، وأقصاه عن السلطة، ما أحدث شرخًا حادًا فيما يُسمى الحركة الإسلامية السودانية، التي انقسمت إلى حزبي “المؤتمر الوطني” بقيادة البشير، و”المؤتمر الشعبي” بقيادة الترابي. وبدأت لعبة تكسير العظام بينهما، وقد دعم معظم أبناء دارفور المنتسبين إلى الحركة الإسلامية جناح الترابي.

وضعهم ذلك في مواجهة الأجهزة الأمنية الموالية للبشير، فنكلت بهم كثيرًا، فقرروا مقاومتها، وأسسوا حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم أحد أهم الكوادر القتالية في الحركة الإسلامية وأمير ما كان يعرف بالمجاهدين، إبان الحرب التي شنها البشير والترابي على جنوب السودان تحت عنوان “الجهاد”.

من جانبه أسس الرئيس المخلوع عمر البشير ميليشيات “الجنجويد” بإشراف مباشر من نائبه الأول حينها علي عثمان طه، على خلفية ظهور الحركات المسلحة المتمردة على الدولة المركزية بالخرطوم بين عامي 2002 و2003، والتي طالبت بإعادة هيكلة الدول السودانية وبالعدالة في توزيع الثروة والسلطة بين أقاليم السودان المختلفة.

ويشبه حال الجنجويد “قوات الدعم السريع” الآن، وهي كحال “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، فهم دولة داخل الدولة، فهي تعقد الاتفاقيات مع دول أخرى ولها ميزانية منفصلة وتقوم بحملات تجنيد للشباب والأطفال خارج نظام المؤسسة العسكرية الرسمية (الجيش)، وترسلهم إلى الحرب من دون التنسيق مع قيادة الجيش.

ويشير مصطلح الجنجويد إلى الجماعات المسلحة من عرب دارفور وكردفان في غرب السودان، علماً بأن هؤلاء يطلقون على أنفسهم لقب “الفرسان”.

وأطلق سكان دافور اسم “جنجويد” على هذه الميليشيات التي كان مقاتلوها يمتطون الجياد ويحملون أسلحة رشاشة ويغيرون على القرى فيحرقونها وينهبونها ويغتصبون النساء من دون هوادة، فكأن الواحد منهم (جني) الرجل يحمل مدفعًا رشاشًا من نوع “جيم 3” المنتشر في دارفور بكثرة على ظهر (جويِّد) تصغير (جواد)، وجميعهم جن على ظهور الجياد، ومن هنا أطلق عليهم اسم “جنجويد“، ومعنى الكلمة بالتالي هو: الرجل الذي يركب جوادًا ويحمل مدفعًا رشاشًا، و(جنجد) حسب رواياتهم تعني (النهب)، ويقولون (نمشي نجنجد) أي ننهب ومنها أتت تسميتهم بالجنجويد.

وهم من القبائل العربية الوافدة التي استقرت منذ الأمد، وتداخلت وانصهرت مع بعض القبائل الأفريقية كالزغاوة والبرتي والداجو وغيرهم، وكل هذه القبائل الأفريقية تستخدم اللغة العربية كلغة تخاطب فيما بينهم مع وجود لهجات خاصة بكل قبيلة.

طبيعة عملها

طبيعة عمل الجنجويد معظمها رعي الماشية وخاصة الإبل والأبقار والزراعة في مناطق ضيقة داخل أو حول مساكنهم لاكتفاء الأسرة المحدود ولترحالهم الدائم، وقليل منهم يسكن المدن، فهم رحّل (دائمي الترحال) ومنهم من يمتهن النهب لجلب القوت له ولأسرته.

وقد ارتبط هذا المصطلح بأزمة دارفور بشكل كلي، إذ ينسب سكان دارفور من ذوي الأصول الإفريقية هذا المسمى لميلشيات شبه منظمة وذات أصول عربية تعمل على فرض سطوة الحكومة المركزية على الإقليم، وتتهم أيضًا بتنظيم عمليات اغتصاب وإبادة جماعية ضد السكان الأصليين.

ويذكر أنها من الأسباب المباشرة لتفجر قضية دارفور بالمحافل العالمية، فضلًا عما يعانيه سكان دارفور من التهميش الحكومي وانعدام البنية التحتية.

السحر والساحر

كان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” أحد الذين جندهم هلال ضمن ميليشيات الجنجويد عام 2003، لكن سرعان ما سطع نجمه وذاع صيته إذ أصبح من كبار قادة الميليشيات بعدما وضع تحت أمرته عشرات آلاف المقاتلين من أبناء القبائل العربية الذين لم يتلقوا تدريبًا عسكريًا نظاميًا، ويدينون بالولاء المُطلق له.

ومع تمدد حميدتي وتقربه من البشير الذي كان يعمل لإبعاد هلال رويدًا رويدًا، من دون الاحتكاك به مباشرة، جاء به من دارفور إلى الخرطوم بعدما عينه مستشارًا له، وترك الإقليم المضطرب تحت إمرة تلميذ موسى هلال (حميدتي)، وتم تغيير اسم الميليشيات إلى قوات الدعم السريع وألحقت صوريًا بجهاز الأمن والمخابرات ثم لاحقًا برئاسة الجمهورية مباشرة.

وطالب مجلس الأمن الدولي، في قرار برقم 1556 لعام 2004، الحكومة السودانية بنزع سلاح “الجنجويد”، ومحاكمة قادتهم، وبرز وقتها اسم هلال، بوصفه زعيم هذه المليشيا، مقابل نفيه المتكرر.

أدى ذلك إلى فرض حظر سفر دولي على هلال وتجميد ممتلكاته؛ بعد أن اتهمه مجلس الأمن، في 2006، بعرقلة عملية السلام بدارفور.

ولكن هلال انتبه إلى ذلك بسرعة، فعاد إلى دارفور وأعلن تمرده على البشير وأسس ما عرف لاحقًأ بـ”مجلس الصحوة”، فيما ضاعفت الحكومة دعمها حميدتي الذي خاضت قواته حربًا ضروسًا ضد الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وحققت الكثير من الانتصارات؛ بينما كان هلال يضعف شيئًا فشيئًا، إلى أن قررت الحكومة القضاء عليه، فسلطت عليه الزعيم الجديد للجنجويد وتلميذه (حميدتي).

وتمكّن الأخير في نوفمبر 2017، من القبض على هلال، بعدما خاض معه معركة ضارية في مسقط رأسه بلدة (مستريحة) في شمال دارفور.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours