الإسلاموفوبيا في فرنسا.. انخفضت شعبيًا وبقيت حكوميًا‎

0 min read

تشهد “الإسلاموفوبيا”، أو التحامل والكراهية والخوف من الإسلام، في فرنسا، انخفاضًا خلال العام الجاري، عقب بلوغها الذروة في ٢٠١٥، إثر الهجمات التي استهدفت صحيفة “شارلي إبدو” الساخرة مطلع العام نفسه وأسفرت عن مقتل 12 شخصًا.

إلًا أن التراجع في نسبة العداء، لا يخفي حقيقة أنّ المؤسسات الحكومية في البلاد تحتفظ بدور المصدر الرئيسي للإسلاموفوبيا، بالنسبة للعديد من المسلمين ممّن يخشون العودة مجدّدا إلى دائرة الجدل السياسي في فرنسا مع اقتراب الفترة الانتخابية.

ففي 2015، بلغ عدد الأعمال المعادية للمسلمين 429، مرتفعًا بنسبة 223% مقارنة مع 2014، بحسب التقرير السنوي الصادر عن “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” (منظمة تعنى بتمثيل المسلمين في فرنسا).

إلّا أن الحصيلة التي قدرتها “جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا”، عام 2015، بلغت 905 أعمال معادية للمسلمين، بنسبة زيادة 18.5% مقارنة بعام 2014.

حصيلة قاتمة بددتها أرقام 2016، والتي جاءت إيجابية على الأقل بالنسبة للربع الأول من العام، بحسب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، مع تسجيل انخفاض لأفعال الاسلاموفوبيا بحدود الـ80% مقارنة بالفترة نفسها من 2015.

ورغم ما تقدّم، شهدت الفترة ذاتها سلسلة من النقاشات السياسية في فرنسا حول الإسلام، وجدل دفعته الحكومة الفرنسية نفسها إلى الواجهة، وصل في بعض الحالات حدّ إطلاق شتائم علنية ضدّ المسلمين.

النقاش السياسي الأول ضد المسلمين تفجر في مارس/ آذار الماضي، على خلفية انتقاد وزيرة الأسرة والأطفال وحقوق المرأة في فرنسا، لورانس روسينول، إقدام عشرات العلامات التجارية العالمية على تصنيع الملابس الإسلامية، داعية إلى مقاطعتها، كما أثارت ضجّة من خلال تشبيهها النساء المحجّبات بـ “زنوج أمريكيين كانوا يساندون العبودية”.

بعد أيام قليلة من تصريحات روسينول، اقترح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، حظر ارتداء الحجاب الذي رأى فيه “استعباداً” للمرأة، وقال أيضًا إن “أغلبية الفرنسييين تعتريهم شكوك حول مدى توافق الإسلام مع قيم الجمهورية”.‎

جدل آخر تفجّر ضد المسلمين بفرنسا، سببه هذه المرة المستشارة الإقليمية السابقة للحزب الإشتراكي، سيلين بينا، على خلفية تشبيهها ارتداء الحجاب بحمل الشارة النازية.

وبحسب حصيلة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وجمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، فإن الأغلبية الساحقة لأعمال الإسلاموفوبيا المرتكبة في 2015، حدثت داخل المؤسسات الحكومية، تتقدّمها في ذلك المدارس.

فمن أصل 905 أعمال معادية للمسلمين، بحسب حصيلة الجمعية، وقعت 64% منها في المؤسسات الحكومية، بينها 177 في المدارس الابتدائية والثانوية، حيث تعتبر النساء المحجبات ممن يرغبن في مرافقة أبنائهم في الرحلات المدرسية الهدف الأول للتمييز، يليهن الطلاب المسلمون.

وفي الواقع، فإن أول جدل عام حول الإسلام في المدارس الفرنسية ظهر في مدينة “كريل” عام 1989، حينما مُنعت 3 طالبات بالمعهد الثانوي أردن من متابعة الدروس وهن مرتديات الحجاب.

وفي غضون 15 عامًا، بعد واقعة كريل، تغير الموقف السياسي لدرجة الحظر بشكل كامل ارتداء أي رمز ديني ظاهر وواضح في المدارس، وذلك اعتمادًا على قانون صادر في 2004.

ومؤخرًا اعتبر ارتداء تنّورة طويلة من قبل طالبة مسلمة، من ضمن تلك الرموز الظاهرة، تمامًا مثلما حصل في مايو/ أيار الماضي، حين منعت إدارة مدرسة فرنسية طالبة مسلمة في الـ 16 من عمرها من متابعة حصصها الدراسية، بسبب ارتدائها “تنورة طويلة” جرى تقييمها على أنها “رمز ديني”.

وقبلها، وتحديدًا في نيسان/ أبريل 2015، منعت إدارة مدرسة في مدينة شارلفيل ميزيار شمالي فرنسا، طالبة مسلمة من الدخول لارتدائها تنورة طويلة سوداء اللون.

وبحسب ماري كريستين دي سوزا، والدة الطالبة الأولى، فإنّ العديد من حالات التمييز ضد المسلمين التي تسجّل بالمدرسة وفي المؤسسات الحكومية، يقع التكتّم حولها مخافة الوقوع تحت طائلة القانون، بما أن التمييز يعتبر جريمة جنائية.

وفي تصريح للأناضول، أضافت كريستين أن “ارتداء تنورة طويلة من قبل ابنتي التي اعتنقت الدين الإسلامي العام الماضي، اُعتبر “رمزًا دينيًا”، لافتة إلى أن إدارة المدرسة لم تبلغ فتيات أخريات غير مسلمات يرتدين الثياب ذاتها، بأي ملاحظة.

ما حدث لابنتها لا يعتبر، بحسب كريستين، حالة منفصلة، مشيرة إلى أنها قررت تقديم شكوى ضد مدير مدرسة ابنتها الذي “لا يحترم القانون”، و”إنما يفرض قوانينه الخاصة”، على حدّ تعبيرها، غير أن لجوءها إلى الشرطة لم يفض لأي نتيجة تذكر، مستنكرة ما اعتبرته “مثارًا للشك”.

السيدة الشابة أوضحت أيضًا أن إخفاء حالات التمييز لا تقتصر على الشرطة، وإنما يعتبر ظاهرة متفشية صلب الطبقة السياسية في فرنسا، فرجال السياسة، بحسب كريستين، ينكرون وجود الإسلاموفوبيا، ويحاولون إخفاءها، والإدارة عمومًا لن تكشف عن أفعال مماثلة أبدًا، تجنبًا لوقوعها تحت طائلة العقوبات التي تستهدف أي عمل تمييزي”.

ماري كريستين قالت إنه يتعيّن على أولياء أمور الطلبة التحرك من جانبهم في مواجهة النظام المدرسي، الذي لا يشجع الأطفال على التعرف بشكل أفضل على المسلمين”، وليس أدل على ذلك من أن الأطفال عندما يرون إمرأة محجّبة أو رجالًا يرتدون “جلابية”، يشبهونهم بالإرهابيين، بحسب كريستين.

من جانبهم، أعرب مسلمو فرنسا عن قلقهم إزاء خطر تجدد أفعال الإسلاموفوبيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (المقررة في 2017)، بما يمكن أن يفجر جدلًا جديدًا حول الإسلام.

عبد الله زكري رئيس المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا، أعرب عن قلقه ومخاوفه على مكانة المسلمين في النقاشات العامة، بالقول: “نحن واثقون أن الوضع مهدد بالتدهور، وقد يحدث تصعيد للأعمال المعادية للإسلام مع اقتراب الانتخابات، نظرًا للمناخ السياسي الراهن في ظل تصريحات بعض الشخصيات السياسية”.

مخاوف يتقاسمها معه أنور كبيبش، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي استنكر ما اعتبره “تمييعًا للخطاب المعادي للأجانب”، محذرًا، الأسبوع الماضي، خلال إفطار نظمته مؤسسته بحضور وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، أن “التصريحات تستهدف للأسف مسلمي فرنسا، في محاولة لوصم شعائرهم الدينية، ومسلمو فرنسا يخشون تفاقم مثل تلك التصريحات بمناسبة الانتخابات المقبلة”.

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours