اذا كانت إيران قد نجحت في تحقيق انتصار كبير في معركة التفاوض حول أزمة برنامجها النووي بالتوصل إلى اتفاق مع مجموعة الدول الست الكبرى في العالم يؤسس لحل طويل المدى لتلك الأزمة المثارة منذ أغسطس عام 2002،
فإن امتلاك إيران لبرنامج نووي من المقرر
أن يبقى سلميًا على الأقل خلال 15
عامًا من الآن.
فإن هذا التطور سيفرض حتمًا تداعيات إقليمية شديدة الأهمية سواء من ناحية الصراع الإقليمي حول الزعامة والنفوذ بين القوى الإقليمية الثلاث المتنافسة:
إسرائيل وإيران وتركيا، أو على صعيد ردود الفعل العربية المحتملة من ناحية بقاء العرب على ما هم عليه من ضعف وتفكك وتخاذل أو تحولهم اضطراريًا، من منطلق الدفاع عن النفس، إلى قوة إقليمية رابعة منافسة في الإقليم مع تلك القوى الثلاث.
لكن أهم التداعيات
المحتملة ستكون حتمًا متركزة حول مستقبل
التنافس النووي الإقليمي، وبالتحديد حول
مدى الالتزام من عدمه بدعوة جعل الشرق
الأوسط إقليمًا خاليًا من أسلحة الدمار
الشامل وعلى الأخص الأسلحة النووية.
فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظلت كل دول الشرق الأوسط بما فيها إيران وتركيا، باستثناء إسرائيل تنادي بجعل الشرق الأوسط إقليمًا خاليًا من أسلحة الدمار الشامل، وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الأخرى تدعم هذا المطلب، وكان الجميع يطالبون إسرائيل بضرورة التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة.
لكن إسرائيل كانت ترفض وكانت تلقى الدعم الأمريكي والغرب الذي استطاع أن يمكنها من الاستمرار في تسويف تلك الدعوة، والاستمرار في تسويف الدعوة الصادرة من مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (مايو
2010-
في نيويورك)
الداعمة للمطلب السابق
والداعية إلى عقد مؤتمر دولي في ديسمبر
2012
لتفعيل دعوة جعل الشرق
الأوسط خاليًا من أسلحة الدمار الشامل
وهو المؤتمر الذي كان من المقرر أن يعقد
في فنلندا في ديسمبر 2012،
لكن الولايات المتحدة وإسرائيل أجهضتا
الدعوة وربطتا بين حضور إسرائيل مؤتمر
من هذا النوع وبين إقرار سلام دائم في
الشرق الأوسط يحفظ لإسرائيل وجودها،
ويحقق أمنها الذي تريده.
من
هنا يفرض السؤال التالي نفسه:
ما هي النتائج المحتملة
لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني على
مواقف كل الأطراف الإقليمية من دعوة جعل
الشرق الأوسط إقليمًا خاليًا من أسلحة
الدمار الشامل؟ هل ستبقى دعوة منع الانتشار
النووي هي القاعدة أم يمكن أن تضرب أطرافًا
إقليمية عرض الحائط بهذه الدعوة وتجعل
الانتشار النووي أمرًا واقعًا مفروضًا؟
السؤال
مهم لاعتبارات كثيرة من أبرزها ردود الفعل
الإسرائيلية المتشددة والرافضة للاتفاق
الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة
دول 5+1
(14/7/2015) بخصوص برنامج
إيران النووي وأيضًا بخصوص العقوبات
الاقتصادية المفروضة على إيران.
فالغضب الإسرائيلي ضد
هذا الاتفاق فاق كل الحدود، ليس فقط ضد
إيران بل وفي الأساس ضد الإدارة الأمريكية،
حيث سعت إلى إفشال وعرقلة جهود إتمام
التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران قبل 30
يونيو المقبل بالعمل
على تجنيد الكونجرس الأمريكي لتمرير
قوانين تعرقل تمرير الاتفاق أو حتى تمنع
المصادقة عليه، إلى جانب العمل على إقناع
أكبر عدد ممكن من أعضاء الكونجرس بتأييد
مشروع قانون تقدم به رئيس لجنة الشئون
الخارجية بمجلس الشيوخ هو السيناتور
الجمهوري بوب كروكر، وهو المشروع الذي
يقرر أنه خلال 60
يومًا من التوصل إلى
اتفاق شامل مع إيران، يقوم مجلسا النواب
والشيوخ بمراقبة ومراجعة لكل بنوده.
هذا
الاهتمام وتلك المخاوف الإسرائيلية
المبالغة قد تعطي انطباعًا زائفًا بأن
إسرائيل مهددة من إيران، أو أنها في خطر
حتى في ظل امتلاك إيران السلاح النووي،
وإذا كان خيار الحرب الإسرائيلية ضد إيران
سيبقى خيارًا مستبعدًا، فإن تعمد إسرائيل
التضخيم من ردود فعلها الرافضة والمحذرة
يمكن أن يكون مبررًا لخطوة إسرائيلية
درامية ومفاجئة للعالم كله، وهو الإفصاح
عن فرض نفسها “دولة
أمر واقع نووية“.
هذا
الخيار البديل لخيار الحرب المباشرة على
إيران ظل مستبعدًا منذ أن امتلكت إسرائيل
القنبلة النووية حيث فضلت الالتزام
باستراتيجية “الغموض
النووي“،
التي تعني الاعتراف غير المباشر بامتلاك
السلاح النووي بما يضمن لها تحقيق هدفين
معًا:
هدف ردع الأعداء ردعًا
نهائيًا من أي تفكير في تهديد أمن ووجود
إسرائيل على أساس أن القنبلة النووية
ستكون الرد المباشر، وهدف اكتساب المكانة
الإقليمية وفرض نفسها قوة إقليمية مهيمنة
وزعيمة في الشرق الأوسط، كما تعني أيضًا
وفي ذات الوقت عدم الاعتراف المباشر
بامتلاك السلاح النووي تجنبًا للخضوع
لعقوبات دولية.
الآن
يمكن لإسرائيل أن تتذرع بما يمكن تسميته
“تواطؤ
المجتمع الدولي مع إيران”
وتمكينها من امتلاك
برنامج نووي يهدد أمن إسرائيل في المستقبل
عندما تتجه إيران إلى تحويله إلى برنامج
نووي عسكري، وأن توظف الدعاية المكثفة
لمخاطر الاتفاق المزمع بين إيران ومجموعة
الدول الست الكبرى لتبرير إعلان نفسها
“دولة
أمر واقع نووية“.
مثل
هذه الخطوة إن حدثت فإنها ستضع كل الجهود
الدولية الهشة الرامية إلى جعل إقليم
الشرق الأوسط خاليًا من أسلحة الدمار
الشامل أمام طريق مسدود، وستضع العديد
من دول المنطقة خاصة مصر ودول عربية أخرى
أمام “مأزق
أمني”
و“مأزق
أخلاقي”
وهي الدول التي ظلت
ملتزمة بدعوة جعل الشرق الأوسط خاليًا
من الأسلحة النووية على وجه الخصوص، وظلت
ملتزمة بسياسة “منع
الانتشار النووي“.
هذا
المأزق يتفاقم في ظل ما سبق أن تردد من
اتجاه إسرائيل نحو تطوير قنبلة هيدروجينية
بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهو الاتجاه الذي كشف
عنه تقرير صدر بحكم من المحكمة الفيدرالية
الأمريكية في إطار قانون “حرية
التعبير”
حمل عنوان “تقييم
التكنولوجيا الحاسمة في إسرائيل ودول
الناتو”
ونشر في منتصف فبراير
2015
في وسائل إعلامية
متعددة، وقامت صحيفة “إسرائيل
اليوم”
(الإسرائيلية)
الموالية لحزب بنيامين
نتنياهو بإعادة نشره مرة أخرى في أوج
سخونة مفاوضات لوزان الخاصة بالبرنامج
النووي الإيراني، في رسالة تحذير مبطنة
للمفاوضين تقول إن إسرائيل تجاوزت القنبلة
النووية وتتجه لامتلاك القنبلة الهيدروجينية،
وأن تمكين إيران من برنامج نووي سيدفع
إسرائيل إلى المضي قدمًا ليس في اتجاه
التخلي عن استراتيجية “الغموض
النووي”
والإفصاح عن حقيقة
قدراتها النووية، ولكن المضي في إنتاج
القنبلة الهيدروجينية.
كيف
سترد مصر والدول العربية على هذه التطورات
النووية الإسرائيلية والإيرانية التي
من شأنها إحداث اختلال هائل في توازن
القوى وتوازن المكانة بين العرب وهذه
الدول، وكيف سترد مصر والدول العربية على
الإصرار الإسرائيلي على محاربة عقد مؤتمر
دولي لجعل الشرق الأوسط خاليًا من أسلحة
الدمار الشامل بدعم ومساندة أمريكيتين،
ورفضها التوقيع على معاهدة منع انتشار
الأسلحة النووية، وكيف ستتعامل مع احتمال
إعلان إسرائيل نفسها “دولة
أمر واقع نووية“،
وكيف سيكون الرد العربي على مجمل التداعيات
المحتملة للتوقيع على اتفاق البرنامج
النووي الإيراني ومن بعده صدور قرارات
أمريكية ودولية وأوروبية بإنهاء العقوبات
التي كانت مفروضة على إيران بموجب إعلان
صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية
يفيد بالتزام إيران بكامل تعهداتها في
ذلك الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بخصوص
برنامجها النووي، وبالذات إعفاء الوكالة
لإيران من أية شبهة لامتلاك قدرات نووية
عسكرية؟ أولا:
توقعات متباينة
انقسمت
التوقعات بشدة حول الإجابة على كل هذه
التساؤلات منذ التوقيع على ذلك الاتفاق
في منتصف العام الماضي، وأيضًا حول مستقبل
إيران عقب صدور قرار إلغاء العقوبات
الاقتصادية التي سبق أن فرضت على إيران
بعد صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة
الذرية (222016)
الذي تضمن إبراء ذمة
إيران من شبهة السعي لامتلاك أسلحة
نووية.
كثيرون
تفاءلوا بأن علاقة إيران مع العالم سوف
تتغير للأفضل، وأن ما سوف يتوفر لها من
قدرات اقتصادية ضخمة بعد إلغاء العقوبات
سوف يوظف لمصلحة التنمية الاقتصادية
والاجتماعية، وأن التيار الإصلاحي الذي
يستند في حركته السياسية إلى النجاحات
الضخمة التي حققها الرئيس الإيراني حسن
روحاني، وبالذات نجاحه في إنهاء أزمة
البرنامج النووي الإيراني، ورفع العقوبات
الاقتصادية، سوف يستعيد قدرته مجددًا،
وسوف يعود بقوة إلى قيادة الدولة عبر
مشاركة قوية وفعالة في الانتخابات المفصلية
التي جرت يوم 26
فبراير 2016
لمجلس الشورى (البرلمان)
و«مجلس
خبراء القيادة» المسئول عن انتخاب وإقصاء المرشد الأعلى للجمهورية.
خصوصًا أن هذا المجلس الأخير الذي تمتد صلاحية عضويته ثمانية أعوام (يتكون
من 88
عضوًا ينتخبون انتخابًا
مباشرًا من الشعب)،
سيكون لديه فرصة انتخاب المرشد الجديد
للجمهورية البديل للسيد علي خامنئي البالغ
من العمر 76
عامًا، ونجاح الإصلاحيين
في الحصول على أغلبية هذا المجلس، والدفع
بمرشحين أقوياء في المكانة والسمعة ستعطي
لهم الدور الأهم في اختيار المرشد الجديد،
ومن ثم تحديد مستقبل إيران، بل ومستقبل
ولاية الفقيه، بعد بروز آراء واجتهادات
على لسان رموز وطنية كبيرة، أمثال علي
أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص
مصلحة النظام رئيس الجمهورية الأسبق،
الذي بادر قبيل أسابيع قليلة من إجراء
تلك الانتخابات بانتقاد قاعدة انتخاب
المرشد الأعلى مدى الحياة، كما طالب بأن
يكون لمجلس خبراء القيادة حق تقييم وانتقاد
مواقف وتعليمات وسياسات المرشد الذي يقبض
على كل مفاصل السلطة، بل إنه تجاوز ذلك
وطالب مجددًا بأن ينتخب الشعب «زعامة
جماعية»،
أو «مجلسًا
لولاية الفقيه» بدلًا من انتخاب شخص
واحد يكون له الرأي النهائي والحاسم وحده،
من دون أي مشاركة أو محاسبة أو تقييم من
أي جهة لمنصب «الولي
الفقيه» أو «الزعيم».
هذا
التفاؤل لم يمنع المتشائمين من توقع حدوث
تطورات عكسية.
كثيرون رجحوا أن يدفع
رفع العقوبات التيار المحافظ المدعوم من
الحرس الثوري بإجراءات مضادة تحت دعوة
حماية الثورة والنظام الإيراني من مخاطر
الانفتاح الثقافي والفكري والإعلامي على
الغرب، الذي سوف يصاحب حتمًا الانفتاح
الاقتصادي، الأمر الذي يفرض اتخاذ إجراءات
وقائية تحول دون تمكين الأمريكيين والغرب
من التغلغل الفكري والثقافي داخل إيران
لاحتواء وتقويض نظام الجمهورية الإسلامية،
كما ظهرت توقعات ترجح أن يستولي العسكريون
والحرس الثوري على الوفورات المالية التي
سوف تنتج عن رفع العقوبات للتمدد الثوري
في الخارج ودعم الحلفاء والمزيد من التدخل
في الشؤون الداخلية.
تعقد
علاقات إيران مع جوارها الإقليمي، والعربي
على وجه الخصوص، زاد من تحسبات وتخوفات
أطراف الصراع الداخلي في إيران، وبالذات
لدى أنصار التيار المحافظ، وعلى رأسه
المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي عبر
مبكرًا عن تخوفاته من أن يحدث تحالف بين
الأمريكيين وقيادة التيار الإصلاحي داخل
إيران لتوظيف الانفراج المحدود في العلاقات
الأمريكية الإيرانية الذي صاحب مفاوضات
حل أزمة البرنامج النووي الإيراني لإحداث
تحولات داخلية درامية تريدها واشنطن،
وتحقق أطماع الرئيس الأمريكي أوباما في
احتواء النظام الإيراني وتمكين الإصلاحيين
من السيطرة على السلطة والانحراف بالنظام
السياسي للجمهورية الإسلامية.
فقد حض السيد خامنئي
على «ضرورة
رفض المرشحين غير الصالحين لانتخابات
مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى»،
وتعهد بأن «يحبط
الشعب الإيراني العظيم تربص الولايات
المتحدة بالاقتراع»،
وحذر من مآرب الأمريكيين من وراء الانتخابات
الإيرانية المقبلة، معتبرًا أنهم
(الأمريكيون)
يسعون إلى إبعاد المجتمع
الإيراني عن أهداف الثورة وتقريب إيران
من أهدافهم، كما أكد أن الأمريكيين
«يتربصون
بالانتخابات من أجل تحقيق أهدافهم، لكن
الشعب الإيراني العظيم والواعي سيتصدى
لمآرب الأعداء، وسيوجه لكمة إلى أفواههم
كما فعل سابقًا».
هذا
الربط، على لسان خامنئي، بين الانتخابات
وبين ما سمّاه ب «مآرب
أمريكا» جاء ضمن الحملة المبكرة
التي شنها ضد «التخوف
من تغلغل النفوذ الأجنبي» في ظل قناعة مؤداها أن
رفع العقوبات عن إيران سوف يدفعها إلى
الاندماج في الاقتصاد العالمي والانفتاح
على الاقتصادات الغربية الأمريكية
والأوربية على وجه الخصوص، كما أن هذا
الانفتاح سوف يدفع إلى تدفق السلع
الاستثمارية والاستهلاكية الغربية، وسوف
تتدفق معها الأفكار السياسية والثقافية
الغربية التي تتعارض مع أفكار الثورة
الإسلامية وتستهدف تقويض نظام الجمهورية
الإسلامية. ثانيًا:
العرب والانعكاسات
الأمنية للاتفاق النووي الإيراني
وسط كل هذه التعقيدات وفي محاولة للإجابة عن كل التساؤلات المطروحة على الساحة وبالأخص ما يتعلق بالانعكاسات والتأثيرات المحتملة للاتفاق النووي الإيراني وتداعياته على الأمن القومي العربي، وفي القلب منها التداعيات الإسرائيلية عقدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مقرها يومي 28
و29
فبراير 2016
المؤتمر المشترك الثاني
بالتعاون مع المجلس المصري للشئون
الخارجية، بصفته الرئيس المنسق للمنتدى
العربي النووي للبحث في كل تلك التساؤلات
والتداعيات.
وقد
افتتح أعمال المؤتمر الأمين العام لجامعة
الدول العربية الدكتور نبيل العربي
بمشاركة كل من السفير هشام بدر مساعد وزير
الخارجية سامح شكري والأستاذ أحمد الجروان
رئيس البرلمان العربي والسفير الدكتور
منير زهران رئيس المجلس المصري للشئون
الخارجية بالإنابة.
وقد أبرزت كلمات
الافتتاح أهمية عقد هذا المؤتمر في التوقيت
الحالي نظرًا لما يضيفه الاتفاق النووي
الذي جرى توقيعه مع إيران وتداعيات هذا
الاتفاق من تحديات جديدة للأمن القومي
العربي كونه يفرض واقعًا سياسيًا جديدًا،
الأمر الذي فرض ضرورة التطرق إلى التحديات
والتهديدات الإيرانية للأمن القومي
العربي جنبًا إلى جنب مع كل من التهديدات
«الإسرائيلية» والأخرى التركية، مع
إعطاء خصوصية للتهديدات النووية، وما
تفرضه هذه التهديدات من مسؤوليات على
العرب للبحث في الخيارات العربية النووية
ومستقبل الشراكة النووية العربية. وعلى
الرغم من خصوصية قضايا هذا المؤتمر،
وبالذات ما يتعلق بالتهديدات النووية
الإقليمية للأمن العربي وعلى الأخص ما
يمثله توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع
«مجموعة
دول 5+1» فإن التورط الإيراني
في قضايا وصراعات عربية ظل يمثل هاجسًا
على رؤى وتحليلات المشاركين في المؤتمر،
بسبب تشابك وتداخل تلك التهديدات الإيرانية
للأمن العربي بين ما هو نووي وما هو عسكري
وأمني وسياسي ومذهبي.
فقد
حظي الاتفاق النووي الإيراني مع القوى
الدولية الكبرى بأولوية في الاهتمامات
والتحليلات من منظورين:
الأول، حول ما إذا كان
هذا الاتفاق يحمل تهديدات ظاهرة أو مستترة
للعرب ولأمنهم القومي.
والثاني، حول القيود
المحتملة التي يمكن أن يفرضها هذا الاتفاق
على المشروعات النووية العربية المستقبلية
سواء كانت مؤكدة أم محتملة.
وهنا أسهب مسيمو أبورا
رئيس فريق عمل الوكالة الدولية للطاقة
الذرية في إيران حول «دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في متابعة تنفيذ الاتفاق» ومداخلة الدكتور يسري
أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية
للطاقة الذرية (السابق)
أهمية كبيرة في تأكيد
مجموعة من المفاهيم والرؤى.
من
أبرز هذه المفاهيم أن البرنامج النووي
الإيراني لم يعد يمثل تهديدًا نوويًا
للأمن العربي حيث أُخضعت –
بموجب الاتفاق–
المرافق النووية
الإيرانية جميعها للتفتيش من جانب خبراء
الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام
2040، والتزمت إيران بألا تتعدى نسبة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها 3,7%
وتخفيض عدد أجهزة الطرد
المركزي تخفيضًا كبيرًا، والالتزام بعدم
إنتاج البلوتونيوم والماء الثقيل، في
مقابل رفع العقوبات تدريجيًا ضمن قيود
وشروط صعبة، أبرزها عودة العقوبات بقرار
من مجلس الأمن دون تمكين أية دولة من الدول
دائمة العضوية في المجلس باستخدام حق
الفيتو، لكن التهديد الإيراني للأمن
العربي مازال واردًا في المجالين الأمني
والسياسي على ضوء كيفية توظيف إيران
واستخدامها لمواردها المالية الهائلة
التي سوف تحصل عليها ضمن رفع العقوبات.
من
بين هذه المفاهيم أيضًا أن الاتفاق النووي
الإيراني بقيوده الهائلة يمكن أن يكون
سابقة سيئة للدول العربية، فالمفاوضات
التي جرت مع إيران والعقوبات التي فرضت
عليها بسبب برنامجها النووي تتعارض من
الناحية القانونية مع نصوص معاهدة عدم
انتشار الأسلحة النووية التي وقعت إيران
وصدقت عليها والتي تتيح للدول الموقعة
حق امتلاك برنامج نووي سلمي، وهنا يبرز
السؤال:
هل بعد توقيع هذا
الاتفاق يمكن أن تتعرض أية دولة عربية
تريد امتلاك برنامج نووي للقيود ذاتها
التي فرضت على إيران، بمعنى آخر، هل سيعتبر
الاتفاق النووي مع إيران سابقة يمكن
تطبيقها على الدول العربية، عندما تشرع
في امتلاك برنامج نووي حتى لو كان ضمن
قيود وضوابط معاهدة عدم الانتشار ومراقبة
الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
هناك
أيضًا قيد آخر لا يقل أهمية وهو أن الاتفاق
النووي مع إيران لم يشر من قريب أو من بعيد
لا من جانب إيران ولا من جانب الدول الست
المفاوضة معها إلى ضرورة إنشاء المنطقة
الخالية من الأسلحة النووية في الشرق
الأوسط.
لقد
كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية
لمد أجل المعاهدة إلى ما لا نهاية بالتنسيق
مع الدول النووية الأخرى، وهو الاتجاه
الذي قاومته الدول العربية في ظل استمرار
تحديات منع الانتشار النووي وعدم تحقيق
عالمية المعاهدة بعد مرور خمسة وعشرين
عامًا منذ دخولها حيز التنفيذ عام 1970،
بالإضافة إلى فشل جهود نزع السلاح النووي
على المستوى العالمي، وعدم إنشاء المنطقة
الخالية من الأسلحة النووية في منطقة
الشرق الأوسط بسبب إصرار «إسرائيل» رفض الانضمام لمعاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية وسلبية
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إزاء
هذا الموقف «الإسرائيلي».
وحلًا
لهذا الموقف أو المأزق وافقت الولايات
المتحدة والدول النووية الكبرى في مؤتمر
المراجعة عام 1995
على إقامة المنطقة
الخالية من الأسلحة النووية في الشرق
الأوسط مقابل موافقة الدول العربية ودول
حركة عدم الانحياز على قرار المد اللا
نهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وقد أُكِّد قرار إقامة
تلك المنطقة في مؤتمر المراجعة الذي عقد
عام 2000
ثم في المؤتمر الذي
عقد في عام 2010
الذي استجاب للطلب
العربي بعقد مؤتمر دولي لإقامة هذه المنطقة
في نهاية ديسمبر 2012،
وهو المؤتمر الذي كان من المقرر أن يعقد
في هلسنكي لكن الولايات المتحدة أحبطت
هذا المسعى استجابة للرفض «الإسرائيلي»،
و أفشلت إصدار قرار من مؤتمر المراجعة
الأخير في مايو 2015
كان يقضي بعقد هذا
المؤتمر في أبريل/
مايو 2016.
فقد فضلت الولايات
المتحدة ألا يصدر بيان نهائي عن المؤتمر
عن أن يصدر متضمنًا الفقرة الخاصة بتجديد
الدعوة للمؤتمر التي أصرت مصر عليها بدعم
من دول عربية وأخرى من دول حركة عدم
الانحياز من بينها إيران.
وهنا يجدر التساؤل لماذا جاء الاتفاق النووي الإيراني خاليًا من الالتزام بإقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؟ هل هذا التجاهل هو ثمنٌ دفعته إيران للفوز بالاتفاق؟ وهل مازال أمام العرب فرصةٌ لتجديد الدعوة لإقامة المنطقة هذه؟ هل هناك جدوى من ذلك في ظل الرفض الأمريكي – «الإسرائيلي» المطلق لهذه الدعوة؟
وهل هناك بدائل أخرى أمام العرب؟
ثالثا:
جدول أعمال عربي لمواجهة
التحديات
أسئلة
مهمة فرضت على المشاركين في المؤتمر من
مسئولين ومفكرين وخبراء سياسيين
واستراتيجيين وضع أجندة مهام وجدول أعمال
لحماية الأمن القومي العربي، من خلال
بلورة وصياغة استخلاصات لمجمل الأفكار
والرؤى التي طرحت خلال المؤتمر والتي
يستوجب الالتزام بها من جانب كل الحكومات
العربية والأمانة العامة لجامعة الدول
العربية من خلال الهيئة العربية للطاقة
الذرية إضافة إلى مراكز البحوث والدراسات
الاستراتيجية العربية ومنظمات المجتمع
المدني ذات الصلة وفي المقدمة منها المجلس
المصري للشئون الخارجية وما يناظره من
مجالس ومؤسسات عربية مشابهة.
ويتضمن
جدول الأعمال هذا خمسة عشر توصية تشمل
كافة الجوانب المتعلقة بالمخاطر النووية
التي تتهدد الأمن القومي العربي من ناحية
وكيفية وسبل امتلاك القدرات العربية
القادرة على مواجهة تلك التهديدات
والتحديات. هي
على الترتيب:
1- العمل على إرساء
استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي،
تأخذ بعين الاعتبار مختلف التهديدات
الخارجية والداخلية للدول العربية والقيام
بمختلف الخطوات العملية في هذا الشأن.
2- التأكيد على أن
مصداقية معاهدة عدم انتشار الأسلحة
النووية تقوم على التوازن بين ركائزها
الثلاث، المتمثلة في نزع السلاح النووي
وعدم الانتشار النووي والاستخدامات
السلمية للطاقة النووية، وأن أي إخلال
بهاذ التوازن يعتبر إخلالًا بنص وروح
المعاهدة، وتهديدًا للسلم والأمن
الدوليين.
3- التأكيد على أن عدم
تنفيذ قرار الشرق الأوسط الخاص بإنشاء
المنطقة الخالية من الأسلحة النووية
الصادر عن مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1995
أخل بالأساس الذي ارتكز
عليه القرار الخاص بالمد اللانهائي
للمعاهدة الصادر عام 1995،
الأمر الذي يدعو إلى أهمية إعادة النظر
في هذا القرار.
4- دعوة المراكز
البحثية العربية بالنظر في الجانب القانوني
المترتب على قرار المد اللا نهائي لمعاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية الصادر عن
مؤتمر مراجعة وتمديد المعاهدة لعام 1995،
نظرًا لعدم تنفيذ الدول النووية لما تعهدت
به في ذلك المؤتمر وفي مؤتمري المراجعة
لعامي 2000
و2010،
وتقاعسها عن تنفيذ المادة السادسة لمعاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية.
5- ضرورة انضمام
إسرائيل بدون مزيد من التأخير لمعاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع جميع
مرافقها النووية لنظام الضمانات الشامل
للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
6- التأكد من جدية
التزام إيران ومجموعة الدول 5+1
في تنفيذ الاتفاق
النووي، ووضع كل الخيارات الممكنة لمواجهة
أية خروقات للاتفاق وفقًا لمقتضيات الأمن
القومي العربي.
7- سعي الدول العربية
لبذل الجهود اللازمة لإنهاء المماطلة
والمراوغة التي تحول دون إنشاء المنطقة
الخالية من الأسلحة النووية في الشرق
الأوسط، والتأكيد على قرارات الجمعية
العامة للأمم المتحدة ذات الصلة الصادرة
منذ عام 1974،
وآخرها القرار رقم 24/70/RES/A
بتاريخ 7/12/2015.
8- التأكيد على أن فرص
نجاح مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار
الأسلحة النووية لعام 2020
ومستقبله تتوقف على:
مدى الالتزام بقرارات
الأمم المتحدة ذات الصلة بنزع الأسلحة
النووية، والتفاوض حول معاهدة حظر استخدام
الأسلحة النووية، وإنشاء منطقة خالية من
الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وصولًا
إلى معاهدة عالمية لنزع الأسلحة
النووية.
9- الإعراب عن القلق
من إعاقة بعض الدول النووية تنفيذ الرأي
الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر
عام 1996،
الذي طالب بالتفاوض حول معاهدة لحظر إنتاج
وتخزين واستخدام الأسلحة النووية وتدمير
المخزون منه، والطلب من تلك الدول الكف
عن رفض إدراج هذا الموضوع ضمن برنامج عمل
مؤتمر نزع السلاح باعتباره الجهاز التفاوضي
الوحيد لموضوعات نزع السلاح بالأمم
المتحدة حتى يمكن إبرام تلك المعاهدة في
أقرب وقت ممكن تنفيذًا لقرارات الجمعية
العامة للأمم المتحدة ذات الصلة وآخرها
القرار رقم 52/70/
RES/A بتاريخ 7/12/2015.
10- وفقًا لمعاهدة عدم
انتشار الأسلحة النووية، دعوة الدول
النووية الخمس الحائزة على الأسلحة
النووية لتحمل مسؤولياتها المنصوص عليها
في المعاهدة، والتأكيد على أن استمرار
دول حلف شمال الأطلنطي في سياساتها
المتعلقة بالمشاطرة النووية “Nuclear
Sharing”، تمثل انتهاكًا
لأحكام المواد الأولى والثانية والسادسة
من المعاهدة.
11- دعم “الهيئة
العربية للطاقة الذرية”
بما يؤمن لها القيام
بالدور الإيجابي والفاعل في مجال
الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في
الدول العربية، وتفعيل الاستراتيجية
العربية النووية التي تم اعتمادها خلال
قمة الدوحة عام 2009،
والطلب من الهيئة إعداد مخطط تنفيذي
لمشاريع عربية مشتركة وسبل تمويل موازنتها
بشكل مستقل عن موازنة الهيئة.
12- إعادة التأكيد على
أهمية تنفيذ الاستراتيجية العربية النووية
في تنمية الاستخدامات السلمية للطاقة
النووية، وعلى أهمية وجود برامج نووية
عربية سلمية منها إنشاء دورة عربية للوقود
النووي.
13- مطالبة مؤتمر نزع
السلاح بأن يراعي في المفاوضات حول “معاهدة
حظر الأسلحة النووية”
برنامج عمل حركة عدم
الانحياز المقدم لمؤتمر نزع السلاح عام
1996
وبرنامج عمل الحركة
المقدم لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار
الأسلحة النووية لعام 2010
كأساس للمفاوضات.
14- الإعراب عن القلق
من الآثار الإنسانية الكارثية لاستمرار
حيازة الأسلحة النووية في الدول الأطراف
وغير الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة
النووية، وخاصة إسرائيل، وفقًا لنتائج
المؤتمرات ذات الصلة التي عقدت في النرويج
والمكسيك والنمسا خلال عامي 2013
و2014،
وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم 47/70/
RES/A بتاريخ 7/12/2015.
15- التأكيد على أهمية
مواصلة التنسيق والالتزام بالمواقف
العربية خلال المحافل الدولية وأهمية
الحفاظ على هذا التماسك في المواقف العربية
في المؤتمرات القادمة ذات الصلة.
الوعي
بهذه التوصيات والالتزام بها يمكن أن
يؤسس لقواعد مهمة لحماية الأمن القومي
العربي من منظور المخاطر والتهديدات
النووية على ضوء البيئة الإقليمية النووية
غير المواتية وتنصل القوى النووية الكبرى
من التزاماتها الواردة في معاهدة منع
انتشار الأسلحة النووية.
د.
محمد السعيد إدريس
المركز العربي للبحوث
والدراسات
+ There are no comments
Add yours