شكلت الإحصائية التي أطلقها مؤخرا مجلس القضاء الأعلى، حول ارتفاع نسب الطلاق في العراق إلى أكثر من 4 آلاف حالة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي فقط، صدمة كبيرة للمسؤولين لاسيما مع تصاعدها خلال السنوات العشر الأخيرة، ما دفع قضاة وخبراء في علم الاجتماع إلى التحذير من خطورة تلك الظاهرة على تماسك المجتمع والتي أرجعوا أسبابها إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وظهور تنظيم “داعش”.
وبعد مسح ميداني ولقاءات متعددة للأناضول مع المعنيين من وقضاة وخبراء ومؤسسات غير حكومية، لوحظ ازدياد نسبة الطلاق لمختلف الفئات العمرية سواء كان زواجا مبكرا أو قديما، نتيجة عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق في السنوات الأخيرة، ومعها تفاقمت ظاهرة الطلاق حيث تعرضت الكثير من الأسر للتفكك مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار في المجتمع وبنيانه.
الباحثة الاجتماعية ندى العابدي، قالت للأناضول إن “الحروب المتعددة التي عاشها المجتمع العراقي وخاصة الحرب الأخيرة ضد تنظيم داعش، كان لها تأثير واضح على تفكك البنية الاجتماعية، وغياب الهوية الوطنية، وانتشار حالات الفساد الإداري، وتراجع القيم الإنسانية والتربوية، كل ذلك أسباب تقف وراء ارتفاع نسب الطلاق داخل المجتمع، ما يعد تهديدا للبنية المجتمعية العراقية”.
وأضافت العابدي أن “دخول الفضائيات والمسلسلات الأجنبية لبيوت العراقيين، وما تضمنته من أفكار وأحداث جعل من الطلاق ظاهرة عادية، فضلا عن حالات الخيانة الزوجية في أحداث الأفلام والمسلسلات بعدما تأثرت بها بعض الأسر وطبقتها على أرض الواقع وأصبحت حالات الطلاق ظاهرة خطيرة لها تهديداتها لاسيما بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 28-38 سنة”.
أسباب أخرى لارتفاع نسب حالات الطلاق لفتت إليها الباحثة الاجتماعية من بينها “الزواج المبكر حيث الهدف منه هو إشباع الرغبات الجنسية، أيضًا مرور المجتمع بوضع خطر متمثلاً بالانحدار الاقتصادي الاجتماعي والنفسي، ما أسفر عنه تفكك أسري سرعان ما أصبح مدعاة للخلافات والنزاعات الزوجية”.
الناشط المدني رائد العزاوي، أوضح ما تحدثت عنه العابدي بشأن تأثير ظهور “داعش” في العراق عام 2014 على ارتفاع حالات الطلاق، قائلا إن “المناطق التي شهدت دخول عناصر التنظيم إليها، شهدت حالات طلاق كثيرة، خاصة بين أزواج مختلفين في المذهب، أي بين السنة والشيعة”، وذلك خوفا من التنظيم المتشدد أو ما أحدثه الحرب معه على نزوح الأسر وتمزقها.
وأكد العزاوي في حديث للأناضول أن “المحاكم سجلت هذه الحالات، وهي تشكل نسباً تضاف إلى الحالات الأخرى”.
أما قاضية دعاوى الأسرة في محكمة “الكرخ” بالعاصمة بغداد، بيداء كاظم، فقالت للأناضول، إن “كل يوم لدينا قرابة 20 إلى 50 حالة طلاق في محكمة واحدة بسبب الانفتاح الذي بدأ يشهده هذا البلد بعد 2003 (الغزو الأمريكي) والذي قاد بدوره لتبدل الكثير من المفاهيم المجتمعية، إذ بات المجتمع مثلاً لا يعتبر الطلاق عيبًا”.
ازدياد حالات الطلاق والتفريق القضائي أصبحت ظاهرة، حسبما أفاد قاضي الأحوال الشخصية في محكمة الكرخ، سعد محمد عبد الكريم، حيث “احتلت قضايا الطلاق في السنوات الثلاث الأخيرة مركز الصدارة بين الدعاوى الشرعية أمام محاكم الأحوال الشخصية”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “القانون يحتوي على مرونة وثغرات تساهم في التسريع بحالات الطلاق وطلب التفريق القضائي”.
وبين عبد الكريم للأناضول، أنه “من تلك الأسباب القانونية الأساسية أن المادة 39 من قانون (الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل) تنص على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية، لمن يريد الطلاق واستحصال حكم به إلا أننا نجد أن الظاهر والأغلب هو إيقاع الطلاق خارج المحكمة غيابيًا او الطلاق الرضائي (الخلع)، وهو أمر يحدث بسبب انعدام الوعي القانوني وعدم تقدير قيمة الحياة الزوجية والتسرع”.
وتعد العوامل الاقتصادية أهم أسباب ظاهرة الطلاق داخل المجتمع العراقي، حسب الخبير الاقتصادي عبد الحسين الفياض، أحد مؤسسي شبكة الاقتصاديين العراقيين (غير حكومية)، الذي أشار في حديثه للأناضول إلى أن “طبيعة المتغيرات التي طرأت على المجتمع بعد أحداث 2003، فرضت على الفرد الانتقال خلال فترة وجيزة جداً بين بيئتين مختلفتين تماماً، من مجتمع منغلق على نفسه إلى مجتمع منفتح بشكل كامل، هذا الانتقال أفقده طبقة مهمة هي الطبقة الوسطى التي تعد العمود الأساس في المجتمعات، فطغت طبقتان على المشهد العراقي، هي طبقة الغنى الفاحش وطبقة الفقراء المعدمين”.
وأضاف أن “أغلب الفقراء عانوا من مشاكل اجتماعية انعكست على أوضاعهم الأسرية بصورة سلبية أدت إلى حدوث حالات طلاق كثيرة”.
وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية تفاقم نسبة الفقر في البلاد حيث تجاوزت حاجز الـ30%، خلال 2016، بعد أن كانت في العامين السابقين 23%.
وذكر المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي في بيان صادر مؤخرا أن “نسبة الفقر في العراق ارتفعت بعد أحداث احتلال تنظيم داعش لمناطق واسعة في العراق صيف عام 2014، بسبب نزوح 2.5 مليون شخص من محافظات شمالي وغربي البلاد”، لافتا إلى “ارتفاع نسبة الفقر في العراق إلى 30% عام 2016، بعدما كانت 19% نهاية 2013”.
وطبقاً لإحصاءات دورية رسمية عن عمل المحاكم في العراق، حصلت عليها “الأناضول” من مجلس القضاء الأعلى (أعلى هيئة قضائية في البلا) فإن مجموع حالات الطلاق وصل إلى 516 ألف و784 حالة خلال الأعوام من 2004-2014، في وقت كان مجموع حالات الزواج خلال نفس المدة 2 مليون و623 ألف و883 حالة، ما يعني أن حوالي 20% من هذه الزيجات انتهت بالطلاق.
وأوضحت الإحصاءات أن حالات الطلاق تتصاعد تدريجياً حتى بلغت ذروتها في عام 2011 بواقع 59 ألف و515 حالة، بينما سجّل عام 2004 أدنى نسبة خلال العقد الماضي بواقع 28 ألف و690 حالة، وفيما سجّل العام 2004 نفسه أعلى نسب الزواج بمعدل 262 ألف و554، شهد العام 2007 أدنى نسب الزواج بواقع 217 ألف و221 حالة.
ووفقاً لمجلس القضاء الأعلى، فإن عدد دعاوى الطلاق في عام 2004 كان 28 ألف و689 دعوى ارتفع في عام 2005 إلى 33 ألف و348، بينما وصل في عام 2006 إلى 36 ألف و627، ومن ثم قفز في عام 2012 إلى 50 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج، أما في عام 2015 فقد شهد حدوث 52 ألف حالة طلاق.
+ There are no comments
Add yours