وليد خدوري كاتب عراقي متخصص في شئون الطاقة
رفضت إيران أثناء انعقاد المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» في فيينا، الالتزام بأي تجميد لإنتاجها النفطي، وفضلت بحث حصص الإنتاج بعد استعادة السوق توازناتها.
هذا القرار ليس جديدًا أو مفاجئًا. فطهران تعمل لزيادة إنتاجها تدريجًا، وقد ارتفع الإنتاج فعلًا منذ الاتفاق النووي، من نحو 3.2 مليون برميل يومياً الى نحو 3.6 مليون.
ويتوقع أن يصل معدل الإنتاج خلال الأسابيع المقبلة إلى نحو 4 ملايين برميل يومياً، وهو المستوى الذي حققته إيران لفترة قصيرة قبل فرض العقوبات. إلّا أنّ خططها تذهب أبعد، أي إلى حد الإصرار على المحافظة على إبقاء الباب مفتوحًا أمام زيادة الإنتاج.
فقد ذكر المسؤول عن صوغ نموذح الاتفاق الجديد مع شركات النفط، مهدي الحسيني، أنّ الهدف هو الوصول بالطاقة الإنتاجية بحلول عام 2020 إلى 4.65 مليون برميل يوميًا للنفط الخام، ومليون برميل يوميًا للمكثفات (وعلى رغم أنّ المكثفات هي سائل بترولي، إلّا أنّها غير مشمولة في حصص «أوبك»، ونحو 11 مليون طن سنويًا لصادرات الغاز المسيّل.
تتفاوض طهران مع الكثير من شركات النفط الأوروبية والآسيوية للعمل على تطوير حقولها، وبدأ بعض هذه المفاوضات قبل توقيع الاتفاق النووي.
لكن من الملاحظ أن أي توقيع نهائي على أي اتفاق لم يتم حتى الآن، على رغم المفاوضات المستمرة لشهور.
وهناك أسباب عدة لهذا التأخير، بعضها اقتصادي – صناعي، وبعضها الآخر سياسي. فمن جهة، لم تعلن طهران حتى الآن نص نموذج الاتفاق مع شركات النفط، على رغم إنّها أعلنت خمس مرات أنّها ستعقد ندوات ومؤتمرات لهذا الغرض، كما ألغيت هذه الدعوات كلها.
لا شك في أنّ هناك نقاشًا واسعًا وخلافًا كبيرًا في وجهات النظر بين الأطراف السياسية الإيرانية ذاتها حول فحوى نموذج الاتفاق. فهناك المتشددون، ومعهم مؤسسات الحرس الثوري الاقتصادية التي ترغب في استمرار هيمنتها على تنفيذ مشاريع قطاع النفط، بدلًا من استحواذ شركات النفط الدولية عليها.
وهناك كذلك الشروط التي لمّح اليها المفاوضون الإيرانيون في محادثاتهم مع الشركات، والتي اعتبرتها الشركات الدولية صعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية لصناعة النفط العالمية، بخاصة تدهور أسعار النفط، وتقليص الموازنات الاستثمارية للشركات في مجال الاستكشاف والتطوير.
وشملت المفاوضات إمكان تحسين الانتاجية من حقول منتجة حالياً والاستكشاف والإنتاج من حقول مشتركة ما بين إيران والدول المجاورة، إضافة إلى الاستكشاف والإنتاج من مناطق جديدة أو من المناطق البحرية العميقة.
بمعنى آخر، تهدف إيران إلى تعاون واسع مع الشركات الدولية واعتمادها في مجال الاستكشاف والإنتاج.
كما هناك كلام عن مجال الاستثمار لمدة 20-25 سنة، مع إمكان مراجعة تكاليف العقود وأرباحها سنويًا وتعديلها.
واشترطت إيران أن تتشارك شركات محلية مع شركات دولية. ومن الواضح، أنّها في حاجة ماسة إلى الأموال التي ستستثمرها هذه الشركات، بدلاً من الاعتماد على الشركات المحلية التي لا تتوافر لها الإمكانات المالية التي لدى الشركات الدولية.
وإذا تمّ الاتفاق على الشروط الاقتصادية، وبعد الإعلان الرسمي والعلني عن نموذج الاتفاق، ستواجه الشركات الدولية تحدياً آخر، هو هوية الشريك المحلي. فقد أعلن المسؤولون النفطيون الإيرانيون أن العقود ستنص على تواجد شريك ايراني تختاره شركة النفط الوطنية الايرانية.
تأسست في إيران، أبان الحرب العراقية – الإيرانية في مطلع الثمانينات، وبقرار من الإمام الخميني، شركة «خاتم الأنبياء للبناء».
وتطورت الشركة التابعة للحرس الثوري، وعملت في قطاع النفط والغاز ومد الطرق وتشييد السدود والصناعة النووية والصواريخ. وحازت على عقود وتوسعت في عهد رئيس الوزراء السابق محمود أحمدي نجاد بين عامي 2005 و2013 حيث حصلت على عقود ضخمة جداً، منها عقد يفوق 10 بلايين دولار لتطوير حقل «جنوب بارس» البحري الغازي الضخم. وتعتبر الشركة ذراعاً مهماً للحرس الثوري، كما أن مسؤوليها هم من قادته.
وهيمنت الشركة على معظم عقود التشييد في القطاع النفطي في عهد الرئيس نجاد، بحيث يقدر عدد موظفيها بنحو مليون. ولم تحذف الولايات المتحدة الشركة من القائمة السوداء بعد توقيع الاتفاق النووي.
من ثم، تتخوف الشركات النفطية الدولية، في حال التوقيع حتى بعد موافقتها على اقتصادات المشاريع، من أن تفرض شركة النفط الوطنية الإيرانية شركة «خاتم الأنبياء» شريكاً لها، ما سيعرضها للعقوبات الاقتصادية الأمريكية.
ويذكر أنّ النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، طلب الأسبوع الماضي من وزير النفط بيجان زنغنة أنّ يعدل مسودة نموذج الاتفاق النفطي بحيث يمنع الشركات الدولية من الانسحاب من إيران في حال فرض قوانين مقاطعة جديدة مستقبلاً.
واضح أنّ حكومة روحاني والسلطات النفطية الإيرانية تحاول استقطاب الشركات الأوروبية والآسيوية للاستثمار في اكتشاف الحقول الإيرانية وتطويرها على صعيد واسع يشمل معظم المناطق الموعودة في إيران.
لكن من الواضح أيضًا، إنّ هناك تحديات ومصاعب عدة تجب معالجتها، وأنّ هذا الأمر سيتطلب وقتًا طويلًا، ومساومات سياسية.
فعلى رغم اهتمام الشركات النفطية بإمكانات إيران النفطية والغازية، هناك أمور لا تزال عالقة، كما أنّ الوضع السياسي الداخلي لم يحسم بعد لمصلحة طرف أو آخر، والمصالح ضخمة للمؤسسات المعنية والمسؤولين العاملين فيها، كما هي للشركات الدولية.
+ There are no comments
Add yours