إياك والعبث بنقاب الحقيقة

0 min read


بقلم: د. شيماء عمرو

“أنا لا ارسم أحلامًا أو كوابيس؛ بل ارسم واقعي الخاص”، تلك العبارة تفوهت بها الفنانة المكسيكية “فريدا كاهلو” التي طالما أهرب من التمعن في لوحاتها كمن يركض في سرداب مُظلم هربًا من مباغتة أحد الوحوش إياه نحو بقعة ضوء تبزغ من بعيد.


نشعر بغُربة ما … تزداد قسواتها حينما نشعر بمعاول التخريب تدك كل ما يتصل بالحقيقة في عالمنا الأرضي. إنَّ بُغيتنا هو البحث عن الوضوح في شتات الظُلمة، وعن كامل الوعي في اللاوعي؛ لكن سُرعان ما يشعر المرء بحقيقة ما تنبث في عقلة ووجدانة ” لا … تحلى بالتغافل… لا تبحث عني … ارضى بجنتك الأرضية … ارسمها بقلبك الأبيض …”.


نركض وراء المعرفة؛ لكن يبزغ سؤال ما طبيعة المعرفة التي ستتكشف لنا أهى معرفة كاملة، أم ناقصة تشوه ما تبقى من أرواحنا الطفولية الساذجة، ما الفائدة من سبر أغوار النفوس، وفضح ذات الآخر … أترك النص كما هو لا تقرأ ما بين السطور… كُف عن شغف النظريات فالنفس البشرية بالغة التعقيد، هذا أفضل لسلامك النفسي!

لكن من أين للإنسان بالحقائق الجوهرية التي (لزمًا)! عليه الكد في تحصيلها، حتى يتحرر من براثن الحقيقة الواقعة الزائفة التي تشوه معرفتنا بالكون. فشتَّان ما بين الحقيقة، والواقع. نعم، فرضت الحياة حتمية، فأنت تخشي البوح بما تحمل بين طياتك كما أنك لا تقوى على الكتمان.


أنحيا واقعًا نجتر فيه الحقد، والغضب.
أنرضخ للتحول إلى مُجرد قيم سلبية …إلى طاقة مُدمرة. بالطبع، لا.. إننا نرفض في أعماقنا أن نُخدع ونتحول إلى قيم ممسوخة. علينا ألا نكبت رغبتنا المُتأرجحة في أعماقنا لعزلة نتحرر فيها من كل شيء؛ لنحقق ذواتنا كاملة، ونعبر عمَّا يختلج أعماقنا من صراعات، وأحلام لم نحققها بعد”.


لا تركض وراء الحقيقة وعش الواقع كما ترسمه براءتك البارعة بخطوط حسن الظن، وظل العفو، ونور التغافل … لا أحد يعلم الوجه الذي ستكشف عنه الحقيقة لنا فلربما كان مثلما وصفه توفيق الحكيم على لسان “أديب”، و”جوكاستا” في مسرحيته “الملك أديب” قائلًا:
أُديب: الحقيقة؟ إني ما خفت يومًا من وجهها…ولا ارتعت من صوتها!

جوكاستا: لطالما حذرتك من ذلك!..وأشفقت عليك منها…أنت التي قضيت خير أيامك تجري خلفها…من بلد إلى بلد…لتمسك بنقابها… حتى التفتت إليك، أخر الأمر… وكشفت لك قليلًا عن وجهها المروع، وصرخت بصوتها المدوي …فهدمت صرح سعادتنا…وصيرتنا إلى ما ترى ..”.


أوديب: كان ينبغي لي يا “جوكاستا” … أن أعرف الحقيقة!
جوكاستا: لقد عرفتها …فهل استرحت؟!


أوديب: حقًا …ليتني ما عرفتها …وهل كنت أتخيل أنَّها بهذا الهول؟… الآن فقد أدركت …لقد أنتقمت مني …لأني عبثت بنقابها
نعم علينا ألا نعبث بنقاب الحقيقة فلربما يختبيء وجه بالغ الجمال، وقد تكشف لنا عن وجهها المروع…السلام النفسي في التغافل، والتعافي من إدمان التفاصيل!!

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours