التعاون تاريخي قديم بين القاهرة وطشقند تجدد في عهد كريموف ويمتد برعاية السيسي وميرضائييف
أبوبكر أبوالمجد
أيام قلائل، وتشرع جمهورية أوزبكستان في الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاستقلالها، ويأتي هذا الاحتفال اليوبيلي الخاص في ظل طفرة متميزة في العديد من المجالات.
حيث تشهد البلاد تطورًا اقتصاديًا سريعًا، وإصلاحات واسعة النطاق في جميع المجالات، بفضل الإصلاحات الجارية في أوزبكستان، والتي ساعدت في ارتفاع مستوى المعيشة للمواطن الأوزبكي، وحجم مشاركاته في النشاط الاجتماعي والسياسي، الأمر الذي أدى إلى تغيرات كبيرة في مستوى وعي المواطن ونظرته للعالم.
فى عام 1992 أعلن الرئيس الأول إسلام كريموف 5 أسس للإستراتيجية طويلة الأمد لتطور جمهورية أوزبكستان في المجالات كافة، وحققت البلاد نجاحات هائلة في تطورها الاقتصادي، وأخذت قاعدة النموذج الوطني للإصلاح والتنمية في الاعتبار الجوانب الاجتماعية – الاقتصادية لأوزبكستان وتاريخ الدولة، والقيم القومية والخبرات الدولية، حيث ترتكز إلى 5 مبادئ جوهرية للانتقال إلى اقتصاد السوق الحر ذات التوجه الاجتماعي.
ينص المبدأ الأول على أولوية الاقتصاد عن السياسة، والتي تعنى أن الإصلاحات الاقتصادية ينبغي أن تتحرر من جميع المسلمات الجامدة والاستراتيجيات، ولا ينبغي أن تخضع لأي من الأيديولوجيات.
وينص المبدأ الثاني على أن الدولة هي القائم الرئيس على الإصلاح، وعليها تحديد الأولويات الحيوية، واتجاهات الإصلاح ومراحله، ووضع البرامج الحكومية للتنمية وتجسيدها بالتالي على أرض الواقع.
وينص المبدأ الثالث على سيادة القانون في مجالات الحياة كافة في المجتمع، حيث ينبغي على الجميع دون استثناء، الالتزام بالدستور والقوانين التي يتم تطبيقها بالوسائل الديمقراطية.
وينص المبدأ الرابع على انتهاج السياسة الاجتماعية القوية مع تطبيق علاقات السوق في الوقت ذاته، فمن الضروري اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الحماية الاجتماعية المؤكدة للسكان، وخصوصًا الفئات محدودة الدخل والأسر متعددة الأطفال، وذوى الدخول المحدودة.
فيما ينص المبدأ الخامس على أن يتحقق التحول إلى اقتصاد السوق من مرحلة لأخرى عبر الطريق التدريجي المدروس، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية القائمة.
وبفضل تحقيق أوزبكستان لنموذجها الخاص في التحديث والنهضة للمجتمع، والذي حصل على اسم “النموذج الأوزبكى” للتنمية، وبالتحقيق المتواصل للإصلاحات الواسعة في المجالات والقطاعات عبر سنوات الاستقلال، فقد تم التغيير الجذري لهيكل الاقتصاد، وتم خلق القاعدة الواعدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وخلال فترة تاريخية قصيرة من الزمن، ارتفع النمو الاقتصادي في البلاد 5 أضعاف، كما تضاعف متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي عبر تلك الفترة 4 مرات، وكذلك من حيث القوة الشرائية، وهو اليوم يبلغ حوالي 7 آلاف دولار، وذلك رغم ارتفاع عدد السكان في البلاد إلى نحو 32 مليون نسمة.
وبدءًا من عام 2005، حققت الموازنة الحكومية فائضًا يسمح لها بالمساهمة في تعزيز استقرار الاقتصاد الكلى.
وتعد أوزبكستان الآن بلدًا ذا اقتصاد متنوع يشمل صناعة السيارات، وإنتاج النسيج، والإنتاج الزراعي، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من المجالات الأخرى، كما أن الإمكانات السياحية الثرية والتراث الثقافي النادر لأوزبكستان يمهدان الطريق نحو تطوير قطاع السياحة، فعلى أراضى أوزبكستان يوجد أكثر من 7 آلاف من الآثار التاريخية المعمارية حيث تتركز أشهرها في مدن “سمرقند، وبخارى، وخيوى، وشهريسبز، وطشقند، وخوقند” وغيرها من المدن العريقة.
2019 عام أوزبكستان
لم يكن عام 2019 عاما عاديا في جمهورية أوزبكستان الواقعة في قلب منطقة آسيا الوسطى، فإلى جانب أنها كانت «بلد العام» وفقا لتصنيف مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، معتبرة أنه «لم تذهب أي دولة بعيدا إلى هذا الحد في 2019»، في إشارة واضحة إلى ما شهدته أوزبكستان من تحولات واسعة على مختلف المستويات وفي المجالات كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
جاء الاستحقاق السياسي لاختيار المجلس التشريعي في البرلمان الأوزبكي ليعزز من فرص نجاح عملية التحول الديمقراطي التي يشهدها البلد منذ وصول الرئيس «شوكت ميرضائييف» إلى الحكم عام 2016، وذلك عقب وفاة أول رئيس لجمهورية أوزبكستان ما بعد الاستقلال في بداية تسعينات القرن المنصرم «إسلام كريموف».
وفي واحدة من أبرز التحولات السياسية التي عاشتها أوزبكستان منذ وصول الرئيس «ميرضائييف» إلى السلطة منذ ثلاث سنوات، أي في سبتمبر 2016، تبنيه لبرنامج إصلاحي اقتصاديًا وسياسيًا يهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي، حيث أصدر الرئيس ثلاث وثائق رئيسية، هي: برنامج لإصلاح النظام القضائي والقانوني؛ وإستراتيجية عمل بشأن خمسة مجالات ذات أولوية لتنمية البلد للفترة 2017 – 2021؛ و«مفهوم الإصلاح الإداري».
وإذا كان صحيحا أن ثمة خطوات فعلية تم اتخاذها في هذا الصدد، فإن مردودات هذه الاستراتيجيات لا تزال في بدايتها، إذ إنه من الصعوبة بمكان تقييم نتائجها خلال الفترة القليلة الماضية، ولكن بدأت مؤشراتها في الظهور من خلال ما تحقق من نمو اقتصادي واستقرار سياسي جعلت من أوزبكستان نموذجًا إيجابيًا لدول منطقة آسيا الوسطى، حيث شهدت أوزبكستان الدولة الأكثر سكانًا (ما يزيد على 34 مليون نسمة) والأكثر أهمية جيوسياسية لوقوعها في قلب المنطقة، تطورات سياسية ملموسة تجلت في كثير من الخطوات الإصلاحية التي اتخذها الرئيس «ميرضائييف»، منها:
– إجراء الانتخابات على المستويات المحلية، وجعلها انتخابات تنافسية بين الأحزاب السياسية، وهو ما يعطي مؤشرًا مهمًا على التحول نحو اللامركزية في إدارة الشأن العام بما ينعكس بدوره على جعل السياسات أكثر شفافية وديمقراطية.
– الموافقة على خطة عمل للإصلاح القضائي، شملت ضمان الاستقلال الحقيقي للقضاء، وزيادة فعالية الجهاز القضائي وسلطته، وضمان الحماية القضائية القوية لحقوق المواطنين وحرياتهم، مع خفض الحد الأقصى لاحتجاز الشخص قبل عرضه على قاضٍ من 72 إلى 48 ساعة.
– إصدار مرسوم رئاسي يحظر صراحة استخدام التعذيب للحصول على اعترافات، والقبول بها كدليل في إجراءات المحاكم.
– إلغاء بعض القيود غير المبررة على الحق في حرية التعبير، مع السماح لوسائل الإعلام بنشر التقارير ذات الأهمية بالشأن الداخلي والتي كان يمنع نشرها أو إذاعتها سابقا.
– إلغاء الشروط القانونية لحصول المواطنين الأوزبكيين على إذن بمغادرة البلد بدءا من هذا العام.
– إطلاق سراح الكثير من السجناء المدانين بتهم ذات دوافع سياسية.
– إصدار مرسوم رئاسي يحظر رسميُا التجنيد القسري للأطفال، والطلاب، والعاملين في المجال الطبي، وأعضاء هيئة التدريس للعمل في حقول القطن.
– دعوة المنظمات غير الحكومية الدولية ووسائل الإعلام الدولية إلى زيارة أوزبكستان والاطلاع على حقائق الأمور على الواقع؛ بل الأكثر من ذلك السماح لوجود ممثل دائم لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في العاصمة الأوزبكية (طشقند).
– زيادة أعداد مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، إذ يذكر أنه منذ تولى الرئيس الحكم عام 2016 وحتى أوائل عام 2019. نجحت 685 منظمة في التسجيل في وزارة العدل أي بزيادة قدرها 8 في المائة.
البيئة القانونية
في ضوء الرؤية الجديدة التي حملها الرئيس «شوكت ميرضائييف» لبناء أوزبكستان الجديدة، كان ثمة حرص على ضرورة العمل على توسيع حجم مشاركة المواطنين في الشأن العام عبر المشاركة في الاستحقاقات السياسية التي تشهدها البلاد.
وانطلاقا من ذلك تضمنت رؤيته ضرورة إعادة النظر في التشريعات المنظمة للمشاركة في العملية الانتخابية بحيث يتم تضمينها في تشريع واحد يلغي التعارض الذي يمكن أن يتواجد فيها، وهو ما يعني إلغاء خمسة تشريعات وهي: انتخابات رئيس جمهورية أوزبكستان»، و«انتخابات نواب الشعب عن المجالس المحلية في الأقاليم والأحياء والمدن»، و«انتخابات برلمان جمهورية أوزبكستان»، و«اللجنة المركزية للانتخابات لجمهورية أوزبكستان»، و«ضمانات الحقوق الانتخابية للمواطنين»، مع إلغاء بعض المواد الواردة في قوانين أخرى ذات صلة، على أن يتم وضع إطار قانوني يضمن للمواطنين التعبير بحرية عن إرادتهم وفقا للمعايير والمبادئ الدولية المعترف بها في هذا الخصوص، بما يكفل لكل مواطن الحق في التصويت والترشح لعضوية المؤسسات التمثيلية في الدولة، مع إنشاء الآليات القانونية لكفالة النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية.
ومن هذا المنطلق، جاء إصدار القانون الموحد للانتخابات في 26 يونيو 2019. وفكرة إصداره ضمن رؤية الرئيس «ميرضائييف» الذي طلب في 22 ديسمبر 2017 من البرلمان إعداد هذا التشريع بما يتفق والقواعد والمعايير الدولية، وهو التشريع الذي اعتمده المجلس التشريعي في 18 فبراير 2019، ووافق عليه مجلس الشيوخ في 28 فبراير من العام ذاته، ليصدره الرئيس لبدء سريان العمل به في اليوم التالي لتاريخ إصداره.
التعاون مع مصر
تعد جمهورية مصر العربية من أوائل الدول التي افتتحت سفارة لها في طشقند عام 1993، عقب استقلالها، وهي أول دولة عربية تعترف باستقلال أوزبكستان في 26 ديسمبر 1991، و أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من خلال التوقيع على البيان المشترك في هذا الشأن في 23 يناير 1992؛ بينما افتتحت أوزبكستان سفارتها في القاهرة عام 1995.
ولأوزبكستان في قلوب المصريين والعرب مكانة ووصلًا، فهي عنوان بلاد ما وراء النهر، وهي العروس المزين بين هذه البلدان وجوهرة التاج بتاريخها وإسهاماتها في تطوير العالم.
وثمة أواصر تاريخية وثقافية ودينية عميقة بين الشعبين العربي والأوزبكي، ومازالت القاهرة تحتفظ ببعض مآثر علماء وأعلام من أوزبكستان، وهناك العديد من الشواهد والآثار التي توضح عمق العلاقات التاريخية بين البلدين مثل “مقياس النيل” في القاهرة الذي أنشأه “أحمد الفرغاني”، كذلك جامع ” ابن طولون” وهو من أكبر مساجد مصر من حيث المساحة، و”الحديقة الأوزبكية” التى أنشأها “سيف الدين أوزبك اليوسفي”.
وبدأت الانطلاقة الحقيقية للعلاقات المصرية الأوزبكية في العصر الحديث، عقب زيارة الرئيس الراحل، إسلام كريموف، أول رئيس لأوزبكستان، والتي كانت في ديسمبر عام 1992، ودعمًا للعلاقات الثنائية قام الرئيس كريموف، بزيارة مصر للمرة الثانية في الفترة من 17 إلى 19 إبريل 2007.
كما بدأت مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين قادتها مصر هذه المرة تحت ريادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي زار أوزبكستان في الخامس من سبتمبر 2018، وكان في استقباله، الرئيس شوكت ميرضيائيف رئيس أوزبكستان
+ There are no comments
Add yours