ألمانيا تواجه ملفات شائكة على طاولة الاتحاد الأوروبي

1 min read

كتب- أبوبكر أبوالمجد

ستة أشهر مقبلة تترأس فيها ألمانيا الاتحاد الأوروبي في ظل تحديات لم يسبق لها مثيل على الاتحاد المؤسس منذ تأسيه قبل 27 عامًا، ومنها فيروس كورونا المستجد، و”الاتفاقية الخضراء” وملف بريكست، مرورًا بملف الهجرة وتوريد الأدوية، والعلاقات مع الصين والولايات المتحدة.

تأسيس الاتحاد

منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية التي كانت تمتد حول البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بإمبراطورية شارلمان، ثم الإمبراطورية الرومانية المقدسة اللتين وحدتا مساحات شاسعة تحت إدارة فضفاضة لمئات السنين، وقبل ظهور الدولة القومية الحديثة، ومحاولات توحيد أمم أوروبا لا تتوقف.

وفي شكل توسعي حاول نابليون في القرن التاسع عشر، ومن بعده هتلر في أربعينات القرن العشرين توحيد القارة، لكنهما تجربتان لم تتمكنا من الاستمرار إلا لفترات قصيرة وانتقالية.

بالطبع الخلافات اللغوية والثقافية جعلت السبيل الوحيد للوحدة يتم عبر السيطرة العسكرية؛ لكن أدى أيضًا إلى غياب الاستقرار وبالتالي كان مصيرها الفشل في النهاية.

أول أفكار التوحيد السلمي من خلال التعاون والمساواة في العضوية قدمها المفكر السلمي فكتور هوغو عام 1851 دون أن تحظى بفرصة جادة في التطبيق، وبعد كوارث الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ازدادت بشدّة ضرورات تأسيس ما عرف فيما بعد باسم الاتحاد الأوروبي، مدفوعا بالرغبة في إعادة بناء أوروبا ومن أجل القضاء على احتمال وقوع حرب شاملة أخرى.

أدى هذا الشعور في النهاية إلى تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951 على يد كل من ألمانيا (الغربية)، فرنسا، إيطاليا ودول بينيلوكس (benelux) (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ).

أول وحدة جمركية عرفت بالأصل باسم المؤسسة الاقتصادية الأوروبية (European Economic Community)، وتسمى في المملكة المتحدة بشكل غير رسمي بـ “السوق المشتركة”، تأسست في اتفاقية روما للعام 1957 وطبقت في 1 يناير 1958.

هذا التغيير اللاحق للمؤسسة الأوروبية يشكل العماد الأول للإتحاد الأوروبي، وتطوره من جسم تبادل تجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية.

وأما التأسيس الذي هو عليه الآن، فتأسس بناء على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماستريخت الموقعة عام 1992، بناء على أفكار الخمسينات التي رسخت سبل التعاون الاقتصادي والسياسي بين الأوروبيين.

ومن أهم مبادئ الاتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية الأوروبية، بحيث تظل هذه المؤسسات محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة على حدة لذا لا يمكن اعتبار هذا الاتحاد على أنه اتحاد فدرالي حيث أنه يتفرد بنظام سياسي فريد من نوعه في العالم.

للاتحاد الأوروبي نشاطات عديدة، أهمها كونه سوق موحد ذو عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه 19 دولة من أصل الـ27 الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة. احتفل في مارس 2007 بمرور 50 عام على إنشاء الاتحاد بتوقيع اتفاقية روما، وحصل الاتحاد الأوروبي في 12 أكتوبر 2012 على جائزة نوبل للسلام لمساهمته في تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا.

وفي 23 يونيو 2016، قررت المملكة المتحدة عبر استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتصبح أول دولة فيه تقوم بذلك، وخرجت بريطانيا رسميًا من الاتحاد الأوروبي بتاريخ يناير الماضي.

ميركل والزعامة الأوروبية

كشفت أزمة فيروس كورونا عن محدودية دور الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الأزمة وفقًا لحدود صلاحياته المنصوص عليها في معاهدات تأسيس الاتحاد، ووفقًا لمدى التزام الدول الأعضاء بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في بروكسل لإدارة الأزمة بشكل مشترك.

وبرغم الانتقادات التي وُجهت للاتحاد بضعف تعاطيه مع الأزمة، وغياب التضامن الأوروبي فيها؛ إلا أن هذا الحكم يستدعي أولًا استكشاف وفهم طبيعة دور الاتحاد الأوروبي وفقًا للمعاهدات، واستعراض الإجراءات التي اتخذها منذ بدء الأزمة ثانيًا، للوصول ثالثًا إلى تقييم متكامل لدور الاتحاد في أزمة كورونا.

وسيكون أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي لم تتول رئاسة الاتحاد منذ العام 2007، تحديات كثيرة وكبيرة اعتبارًا من الأول من يوليو بدءًا بـ”الاتفاقية الخضراء” الأوروبية إلى بريكست مرورًا بملف الهجرة وكورونا والعلاقات مع الصين والولايات المتحدة.

وسبق لميركل أن قالت “كانت ردود الفعل الأولية بما فيها ردود فعلنا وطنية وليس دائمًا أوروبية” وهي تنوي درء “خطر الهوة العميقة التي تتسع أكثر وأكثر في أوروبا”.

وباتت ميركل تراهن على “التضامن والمساعدة المتبادلة” بين الدول الأعضاء الـ27، وهو تغيير تام في موقف ميركل التي اتهمت بالتعنت في ملف اليونان التي كانت قريبة من الإفلاس في 2011.

ونهاية مايو أعلنت ميركل “لقد غير فيروس كورونا عالمنا كما غير خطط الرئاسة الألمانية”.               

وتنوي ميركل التي وصلت إلى سدة الحكم قبل 15 عامًا، مغادرة المستشارية نهاية 2021.

وكسرت ميركل التي غالبا ما تتهم بالافتقار إلى الشجاعة السياسية، إحدى المحرمات الألمانية في مجال التضامن المالي من خلال اقتراحها مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خطة نهوض أوروبية بـ00 مليار يورو.

فقد استقبلت المستشارة الألمانية اليوم الاثنين، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عشية تولي ألمانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

وقبل التوجه إلى برلين يستقبل ماكرون الاثنين في قصر الإليزيه أعضاء مؤتمر المواطنين من أجل المناخ غداة الفوز الساحق لهذا التنظيم المدافع عن البيئة.

 وينوي ماكرون إعطاء “أجوبة قوية على مستوى رهانات وتوقعات” الفرنسيين لناحية البيئة.

خطة النهوض

 اقترح المسؤولان اللذان سيلتقيان مساء في قصر ميسبرغ شمال برلين، تمويل الخطة بدين أوروبي مشترك لتقديم المساعدات للدول الأكثر تضررًا من فيروس كورونا.

وفتحت المبادرة الفرنسية-الألمانية الباب أمام خطة المفوضية الأوروبية بقيمة 750 مليار يورو التي ستكون محور نقاشات صعبة في أوروبا.

وأكدت الرئاسة الفرنسية “إننا متفائلون ومصممون للتوصل إلى اتفاق حول الموازنة في يوليو”.

وأعلنت ميركل الجمعة لصحف أوروبية منها “لوموند”، “أنها مدركة تماما لصعوبة المفاوضات المقبلة”.

والرهان كبير لأن نجاح هذه الرئاسة لا بل مستقبل الاتحاد الأوروبي سيرسم في الأسابيع المقبلة.

 وحذرت ميركل في مقابلة بالقول من أن عدم تبني خطة نهوض “سيفاقم كل المشاكل” من خلال تغذية الشعبوية.

وقالت “نسبة بطالة مرتفعة في بلد ما قد ينمي فيه قوة سياسية متفجرة. وستكون المخاطر المحدقة بالديمقراطية أكبر”.

   وفي حال تغلب الاتحاد الأوروبي على تحفظات الدول الأربع – هولندا والنمسا والدنمارك والسويد – المعارضة لخطة النهوض كما هي مطروحة ستكون الرئاسة الدورية الألمانية تكللت جزئيًا بالنجاح.

 لكن معضلة أخرى بانتظار الاتحاد الأوروبي مع وصول مفاوضات ما بعد بريكست إلى طريق مسدود.

وبريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير تتفاوض مع بروكسل لإنشاء علاقة تجارية مفيدة مع الاتحاد الأوروبي بعد المرحلة الانتقالية التي تختتم نهاية العام الحالي.

   ولم تسمح النقاشات بإحراز تقدم حقيقي في حين يقترب الاستحقاق بسرعة ومعه مخاطر “اللا اتفاق” المدمرة للاقتصاد.

   ولا تخفي ميركل أيضا بأنها تريد أن ترى أوروبا تتحمل “مسؤوليات أكبر” على المستوى العالمي لمواجهة الصين وأمريكا.

وتريد ميركل إبرام “اتفاق استثمارات” مع بكين؛ لكن قمة أوروبية-صينية في سبتمبر في لايبزيغ ألغيت بسبب الوباء وأيضًا لانسداد أفق التوصل إلى اتفاق.

وقد يكون من الصعب إيجاد حل لبرنامج إعادة الإعمار في قمة الاتحاد الأوروبي يومي 17 و 18 يوليو المقبل، لصعوبة الاتفاق على الإطار المالي للاتحاد الأوروبي للسنوات السبع القادمة، والتي تستهدف مفوضية الاتحاد الأوروبي من أجلها 1.1 تريليون يورو، وهي كلفة صعب تحقيقها لوجود بعض الدول غير القادرة على تحمل كلفة ميزانية بهذا الحجم.

أبوبكر أبوالمجد https://asiaelyoum.com

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية

قد يعجبك أيضاً

المزيد من الكاتب

+ There are no comments

Add yours