تخوض وسائل إعلامية ألمانية حربًا شرسة ضد تركيا، بهدف توتير العلاقات بين أنقرة وبرلين، قبيل الانتخابات العامة المرتقبة بالأخيرة في أيلول/سبتمبر المقبل، لا سيما من قبل أوساط، غير راضية عن سياسات المستشارة أنجيلا ميركل التي تحرص على التعاون مع تركيا، في ملف اللاجئين.
ورغم التذبذبات التي شهدتها العلاقات ذات الجذور التاريخية بين البلدين، إلا أن المصالح المشتركة كانت تحول دون تفاقم التوترات، في حين أن معظم وسائل الإعلام الألمانية أطلقت حملة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، من أجل الإيقاع بين الجانبين، وقطع العلاقات تماما.
ولعل أبرز مثال على ذلك، قيام إحدى البلديات مؤخرا بالغاء فعالية لأبناء الجالية التركية، كان سيحضرها وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، بفعل التحريض المتصاعد من قبل الإعلام الألماني.
ورغم نجاح الاتفاق المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس /آذار 2016، في تقليص تدفق طالبي اللجوء، توجه الصحف الكبرى انتقادات لاذعة لميركل، وترى أنها جعلت ألمانيا مرتبطة إلى حد كبير بتركيا، وقدمت تنازلات لأنقرة.
وتصر وسائل الإعلام الألمانية على تجاهل نجاح الاتفاق الذي جرى التوصل اليه بمبادرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وميركل، والذي أنقذ دولا أوروبية عدة من أزمات سياسية عميقة، على خلفية تدفق اللاجئين.
وتؤكد مصادر دبلوماسية تركية، أن حكومتي البلدين اتفقتا على التواصل المباشر، وعدم تبادل الرسائل عبر الإعلام، لكن وسائل إعلام ألمانية تسعى لتقويض النوايا الحسنة في هذا الإطار، من خلال حملات التضليل.
ويعد انزعاج اسماء مؤثرة في الاعلام من صعود تركيا كقوة اقليمية، واتسام علاقاتها بالندية مع ألمانيا، سببا هاما، في التوتر بين البلدين، الذي لعب الاعلام دورا رئيسا فيه.
التضليل الاعلامي
حرصت وسائل إعلام ألمانية منذ مدة على تشويه سمعة تركيا، لا سيما من خلال التغطية المنحازة غير المهنية لأحداث مثل احتجاجات منتزه غزي منتصف 2013، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في 15 تموز/يوليو.
وصدرت صحف ألمانية صور لمدنيين يتصدون لعسكريين انقلابيين، ويضربونهم بالأحزمة، في اليوم التالي للمحاولة الانقلابية عوضا عن تسليط الضوء على ضحايا المحاولة الانقلابية، ما يعكس نظرتها للأحداث في تركيا.
ومؤخرا نشرت مجلة دير شبيغل خبرا كاذبا يتحدث عن تدهور اقتصاد تركيا وأنها طلبت مساعدة مالية على خلفية ذلك من ألمانيا، الأمر الذي نفته مصادر دبلوماسية تركية.
ورغم عدم الإعلان عن برنامج رسمي، إلا أن مجرد الحديث عن احتمال زيارة أردوغان لألمانيا والقاء كلمة أمام الجالية التركية، خلال الشهر الجاري، أثار أجواء من القلق لدى طيف كبير من الاعلام الألماني.
وأفردت وسائل الإعلام مساحات واسعة لآراء سياسيين مناهضين لزيارة أردوغان، بذريعة أنه من غير المناسب قيام زعيم أجنبي بالقاء كلمة أمام حشد جماهيري لغرض سياسي، لكن ذلك يظهر ازدواجية المعايير لدى الساسة ووسائل الاعلام التي طالما ادعت دفاعها عن حرية التعبير.
ورغم عدم التأكد فيما إذا كان أردوغان سيزور ألمانيا ويلقي كلمة هناك، إلا أن الاعلام الألماني يفعل ما بوسعه للحيلولة دون حدوث الزيارة.
وفي موقف يفضح ازدواجية المعايير، لم توجه وسائل الاعلام أي انتقادات لقيام زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف الفرنسي، مارين لوبان بالقاء كلمة أمام المئات من أنصارها في ألمانيا، كما لم تثر الضجة لدى القاء زعيم حزب الحرية الهولندي العنصري غيرت فيلدرز، كلمة أمام الجماهير.
المعارضة تؤجج الخطاب المناهض لتركيا
مع التراجع الكبير في شعبية حزبي اليسار والخضر المعارضين، وفق استطلاعات الرأي، يرى الحزبان أن سياسة ميركل تجاه تركيا، تمثل خاصرتها الرخوة، التي يمكن من خلالها توجيه الانتقادات اليها، وبالتالي تأجيج الخطاب المناهض لتركيا في الاعلام الألماني.
وبينما ينبري حزب اليسار للدفاع عن المتهمين بالانتماء إلى منظمة بي كا كا الإرهابية والمتواطئين معها في المانيا، يسعى حزب الخضر بزعامة الرئيس المشارك "جم أوزدمير" (من أصول تركية)، على حصد الأصوات من خلال "معاداة أردوغان".
ومن اللافت اصرار الاعلام الألماني على وصف منظمة بي كا كا المصنفة على قائمة الإرهاب في ألمانيا أيضا، بـ"حزب العمال الانفصالي".
كما يروج الاعلام الألماني لعناصر "ب ي د" الذراع السوري لـ "بي كا كا" الإرهابية على أنهم "أبطال يحاربون داعش"، في حين يتجاهل انتهاكات حقوق الانسان التي يمارسها عناصر "بي كا كا/ب ي د" في سوريا.
ورغم التذبذب في العلاقات بين البلدين، إلا أن ازدواجية المعايير التي تنتهجها وسائل اعلام المانية، فيما يتعلق بالحريات وحقوق الانسان ستظل ماثلة في ذاكرة التاريخ.
+ There are no comments
Add yours